من أسرار النص الشعري بقلم الأستاذ الدكتور أحمد فرحات - ناقد أكاديمي

من أسرار النص الشعري بقلم الأستاذ الدكتور أحمد فرحات - ناقد أكاديمي
من أسرار النص الشعري  بقلم الأستاذ الدكتور أحمد فرحات - ناقد أكاديمي
 
 
ينبغي أن نقرر منذ البدء أن الممارسة النقدية هي ممارسة لغوية في المقام الأول، وأن الأدب عموما لا يمكن أن يكون إلا توسيعا لبعض خصائص اللغة..وأن حقلا أكاديميا بكامله هو الأسلوبية تم إيجاده على الحدود المشتركة للدراسات الأدبية وعلم اللغة؛ فالأدب ليس إلا امتدادا لبعض خصائص اللغة . ومن ثم فقد نشأت علاقة وطيدة بين الدراسات الأدبية والنقدية باللغة.  
وقد تراءى من خلال الممارسات النقدية المقدمة في هذا الكتاب أن الخصوصية اللغوية التي تستدعيها النصوص الشعرية المنتقاة تعنى باستثمار الطاقات اللغوية الكامنة فيها. 
فالفنون القولية (مسموعة أو مكتوبة) تنطلق من اللغة، وتنتهي بأفكار لا متناهية الدلالة لدى المتلقي. 
ومن الصعب أن تنحسر المادة النقدية على الجانب اللغوي المعياري، بل لا بد أن تتجاوز الجامد منها، وتنطلق إلى آفاق جمالية تتسم بقدرتها على النفاذ إلى عوالم الخيال والمجاز وتصور الأشياء بطبيعة غير طبيعتها المادية الصلبة. وقد بدا لنا تصور خطير يتمثل في انشغال المهتمين بالحقول اللغوية الجافة للولوج إلى النص الأدبي شعرا ونثرا، وبدت تطغى المادة اللغوية الحامدة على الجمالي بشكل لافت، أو تحويل مسار الدراسة الجمالية إلى دراسة محدودة تنحصر في الالتفاف حول الجمالي، والمجازي، والخيالي بأدوات محدودة جدا، إذ عالم النص الشعري أو الروائي أو القصصي أو المسرحي يتجاوز اللغة المعيارية للنفاذ إلى اللغة السحرية الخيالية التي لا يتحكم فيها اعتدال المنطق اللغوي المعروف لدى علماء اللغة. 
ومن هنا فقد غدت الدراسات النقدية القائمة على الجانب اللغوي فحسب دراسات عقيمة، حيث تغولت فيها عناصر غير جمالية طغت على سطح الرقعة النقدية فأصابتها بالجفاف والنضوب. 
وربما يعزو ذلك إلى أن بعض الأساتذة المختصين بالنحو العربي يتركون مجالهم وهجره والارتماء في أحضان النصوص الشعرية محللين وشارحين ومدللين على إمكانية التناول بأدواتهم التي لم تعد صالحة وحدها لسبر النص وكشف أسراره، ومن ثم توجيه طلاب الدراسات العليا في قسمي النحو وعلم اللغة إلى تناول المجال النقدي الذي حرموا هم أنفسهم منه بفعل التكالب وراء الكرسي والمنصب الذي عين فيه.  
إننا نؤمن إيمانا صادقا بالطاقات الجمالية للغة الشعرية، وليست اللغة المعيارية، فاللغة الشعرية قادرة على فك أسرار النص الشعري من المجازات والإيحاءات الثرية التي يتشكل النص منها كالحالة النفسية، والسياق العام الذي نشأ فيه ذلك النص الذي أدى إلى التمرد على الشق النحوي الجاف. 
في دراسات سابقة لنا كنا ننتقي قصيدة واحدة لشاعر، ونعمل آلة النقد عليها، ونخرج بنتائج طيبة، وفي هذه الدراسات التي بين أيدينا في هذا الكتاب وسعنا نطاق الدراسة فشلمت الديوان أكمله، آملين أن نصل إلى نتائج مرجوة. واضعين ثقة كاملة في المتلقي ليدرك بفطنته أن الديوان يمثل نقطة مركزية في تاريخ هذا الشاعر أو ذاك.