إبراهيم الديب يكتب : الرسم السريالي

إبراهيم الديب يكتب : الرسم السريالي
إبراهيم الديب يكتب : الرسم السريالي
 
من ذو الاحتياجات الخاصة ، شبه معاق ذهنيا  لا تستطيع أن تحديد عمره جيداً هو ابن العشرين عندما يبتسم أو أقل قليلا, وإذا غضب  فيتخطى الخمسين  وفي الحالتين حزنه وفرحه  لأبسط وأتفه الأسباب... من أسرة فقيرة أرسلته أمه يعمل في ورشة بجوار البيت فرح به المعلم  وقبله لأنه يؤمن أن هذا الصبي من أهل الله وتحل البركة في أي مكان يتواجد به ، وعلى من يكرمه بفعل أو قول ومن باب الشفقة عليه ، وعلي عائلته أيضاً.... كان عمل الصبي موزع بين قضاء طلبات الورشة وبيت المعلم الذي كان يرسله لمحل البقالة المجاور الذي يشتري منه بالأجل بعد أن يكتب له ورقة يعطيها الصبي الذي يعاني مشاكل ذهنية وتنتابه أحياناً بعض نوبات صرع خفيف للبقال فيتناولها منه  ليقرأ طلبات المعلم من المحل وهي لا تخرج في الغالب عن  سندويتشات وعلب عصير ، و وجبة إفطار لصاحب الورشة . ومعه والصبي... أستمر الحال علي ذلك فترة طويلة،قبل أن يكتشف صاحب الورشة  سندويتشات وعلب وزجاجات كوكاكولا مع الصبي منفرداً بها وحده يزدردها في نهم شديد في أوقات متفرقة من الليل والنهار فاستحى الرجل وخجل أن يسأله عن ذلك وخاصة أن الأمر يتعلق بطعام وشراب ...ولكن المعلم في حيرة من أمره فهو لم يرسله  للبقال ولم يكتب له ورق فكيف يأتي بهذه الأشياء  فالصبي لا يعرف القراءة والكتابة فمن يكتب له اذ تأكد المعلم بأن هناك سرا في الأمر وسيطر الفضول على المعلم  الذي قرر في نفسه بأن يفض هذا السر  ويعرف الحقيقة ،فراقبه  ذات مرة وهو طريق عودته من عند البقال ومع نفس الطلبات الذي التي يكتبها في الورقة...  وتحت سيطرة فكرة شغف حل لغز المعاق انطلق للبقال مباشرةً وذكر له ما رآه من الصبي وأنه يفعل ذلك كثيراً ولكن البقال صمت  ثم حاول من تهميش الأمر وصرف المعلم عنه، وأخذ يدور ويجول بالمعلم من موضوع لآخر في محاولة لإخفاء الأمر و سر الصبي حتى لا يكون سبباً في قطع عيشه من الورشة ،ولكن معلمه أصر علي أن يعرف الحقيقة بعد أن هدده ، وقرأ البقال إصرارا وتحد يعلو وجه الرجل ... فأخرج البقال مجموعة ورق بها خطوط بالطول والعرض ،ومن أعلي لأسفل أشبه بالرسم السريالي الذي فشلت أنا أيضا رغم جهود النقاد الفنيين المتخصصين في شرحه وعلى الرغم من مجموعة المقالات الكثيرة التي قرأتها أن أفهم سر هذا الرسم وبعد محاولات عدة توقفت تماما عن قراءة هذه المقالات بعد أصبحت أكثر جهلا بهذا النوع من الفن ولا أتهم النقاد أو الرسامين وبالتأكيد أنا الذي لم أستطع تذوقه أو ليست عندي خلفية ثقافية كافية من أجل التفاعل معه ،وحاول صاحب الورشة أن يعرف أكثر بعد أن أصبح الأمر أكثر غموضاً من ذي قبل وأخذ يقلب في الورق وهو يحدث نفسه ما حقيقة هذا الورق هل هو أعمال سحر  وجلب الحبيب ،وفشل أن يعرف سر الورق مثل ما فشلت أنا تذوق الرسم.... فقال له البقال : بأن الصبي عندما شاهدك تكتب على ورق وترسله به إلى هنا ثم نبادل الورق بسندويتشات وعلب عصير وكوكالا فأعتبر الصبي أن الأمر سهل يسير و فعل مثلما تفعل  ، واعتقد أن هذه الخطوط من أعلى لأسفل علي الورق  كتابة  مثلما تكتب أنت أليست الكتابة هي تحبير الورقة وتسويدها من وجهة نظره ،! هكذا فعل الصبي ولم أكن أنا من يخيب ظنه ورجاءه ، فكنت أعطيه السندويتشات عن طيب خاطر ولم أضيفها على حسابك ... والله لقد راجت تجارتي أكثر منذ بدأ يأتيني الورق الذي بين يديك ... ثم فترة صمت نسي المعلم كل ما حدث إلا كلمة واحدة سمعها من البقال وهي أن تجارته راجت أكثر بعد أن كل ورقة يأتيه بها الصبي وأتهم المعلم نفسه الغباء فكيف لم يفطن أن أحواله المادية أفضل بعد عمل هذا الصبي في ورشته  ومنذ أن قام  بالرسم السريالي أقصد الكتابة على الورق...