اقتربت منه سريعاً وقالت محاولة خفض صوتها:
- نعم، بالضبط، هذه المرة الأولى التي أدخل فيها إلى غرفتك.
قال ولا يزال في دهشته:
- ومن الذي أبعد الأجهزة التي كانت تحيط بي.
- هيئة التمريض بعد أن توقفت دقات قلبك، وظنوا إنك فارقت الحياة.
أعتدل في جلسته صائحاً بدهشة:
- فارقت الحياة!! إنه الإهمال بعينه، كان من الممكن أن يذهبوا بي إلى المقبرة.
قالت مسرعة:
- أعتقد هذا مستر جيرارد، والعناية الإلهية هي التي أنقذتك.
- إنها جريمة، يجب الإبلاغ عنها.
اقتربت منه سريعا ووضعت يدها فوق كتفه قائلة:
- مستر جيرارد، أرجو أن تثق بي.
نظر نحوها وكأنه تنبه لوجودها للمرة الأولى وقال ولا تزال الدهشة تصاحب كلماته:
- أثق بك، إنني حتى الآن لم أعرف من أنت، ولماذا تطلبين أن أثق بك ، أنني لا أدري شيئاً مما يدور حولي .
- أرجو أن تنهض سريعاً لنخرج من هنا قبل أن يأتي أحدهم، المفروض خلال دقائق يحضر الذين يأخذونك للذهاب إلى مقرك الأخير.
- لكنني لا زلت حياً ولم أمت.
- أكرر أرجو أن تثق بي، وتنهض سريعاً، لتخرج من هنا، وسأحدثك بكل شيء ، عندما نذهب إلى معمل أبحاثك .
- لكني لا أعرفك، وإن كنت أشعر ببعض الراحة نحوك.
- أشكرك مستر جيرارد، وأرجو أن تُكمل ثقتك بي وتنهض لنذهب سريعاً.
- وكيف سأخرج من هنا بملابس المستشفى.
- سأحاول أن أحضر لك سريعاً معطف طبيب ترتديه حتى لا نثير الشك.
- أنت على حق، لقد تذكرت الآن، هيا اسرعي ، وجودنا هنا فيه خطورة.
تمكنت سيلفيا من الوصول إلى معمل أبحاث العالم جيرارد، كانت هناك مفاجأة في انتظارهما، كل شيء انقلب رأساً على عقب، ضحك العالم جيرارد قائلاً:
- كما توقعت تماماً، البحث عن المصل.
سألت سيلفيا سريعاً:
- أي مصل؟
قال جيرارد وكأنه يحدث نفسه:
- المصل الذي أضعت فيه سنوات طويلة وحتى الآن لم أصل للنتيجة النهائية.
قالت سيلفيا سريعاً:
- أنا هنا من أجل هذا المصل.
قفز العالم جيرارد وهو يحدق في وجهها قائلاً بخوف:
- اذاً أنتِ معهم.
- ماذا تقصد بكلمة معهم؟!
- مع هؤلاء المجرمين الذين حاولوا قتلي.
- لست أعرف عن ماذا تتحدث؟!
- لا تحاولي المناورة، الآن علمت لعبتك، فشلوا في التخلص مني والحصول على المصل ، فأرسلوا بك لتكملي لعبتهم .
- من هؤلاء الذين تتحدث عنهم؟!
- من المؤكد أنك تعرفينهم، وإلا كيف تفسري ظهورك أمامي فجأة، ومساعدتي في الهرب من المستشفى ، وإحضاري إلى هنا ، أليس من أجل أن تُكملي دورك ، وتحصلي على المصل ؟!
- نعم أنا هنا من أجل الحصول على المصل، لكن أقسم لك بأنني لا أعرف أي شيء عن هؤلاء الذين تتحدث عنهم.
- وجهك الجميل ومسحته البريئة، يدفعاني لأن أصدقك، لكن ما هو سر اهتمامك بالمصل؟
- أرجو أن تثق بي، وسأخبرك بكل شيء، لكن أولاً أرجو أن تخبرني باختصار لأن الوقت ضيق ، عن هؤلاء الذين حاولوا قتلك ، من أجل الحصول على المصل .
- ماذا تقصدين بأن الوقت ضيق؟
- سأخبرك بكل شيء، لكن بعد أن تخبرني عن هؤلاء الذين يبحثون عن المصل، حتى لو كلفهم الأمر ارتكاب جريمة.
- للأسف قصة تظهر لك مدى جشع البشر وأحقادهم، الذي يبحث عن المصل، هو نفسه الذي حاول أن يقتلني ، طبيب زميل كان معي في أفريقيا ، كان يراقبني وأنا أتابع هذا المرض وأجري أبحاثي عليه ، تمكنت من حصر الفايروس بتجاربي على الأفراد الذين أصيبوا به وعدت هنا لكي أتمم أبحاثي وأصل للمصل الواقي ، قبل أن يتفشى وينتشر انتشار النار في الهشيم ولا يمكن السيطرة عليه بعد ذلك . نجحت إلى حد بعيد للوصول للمصل، تقريباً لا تنقص سوى خطوة واحدة وأنجح في الانتهاء منه، بعدها يمكن أن يُنتج المصل على المستوى التجاري ولن يكون ثمنه باهظا مقابل تأثيره الفعال الذي سيوقف انتشار هذا الفايروس الغريب . هذا الطبيب كان يراقبني من طرف خفي، ظنَ منه أنني توصلت تماماً إلى نهاية البحث . منذ يومين وأنا هنا بالمعمل فوجئت بضربة فوق رأسي من الخلف، لا أدري من أين أتت ، لم أتمكن من رؤية الفاعل ، بعدها أحسست بدوار شديد وسقطت فوق الأرض فاقد الوعي ، لم أعد لوعيي التام إلا منذ لحظات ووجدتك أمامي ، لا أعرف ماذا كان يدبر لي خلال هذين اليومين ، كنت أفيق خلالهما ثم أعود لغيبوبتي ، لكن الآن بعد أن رأيت ما فعلوه بمعملي ، تأكدت أنهم كانوا يدبرون لموتي بطريقة لا تثير الشكوك ، وكادوا أن ينجحوا لولا ظهورك ، وتمكننا من الهرب.
- بالفعل هذا ما كانوا يدبرونه، ويبدوا أنهم كانوا يقومون بحقنك بعقار يبطئ من ضربات القلب بدرجة تظهرها على الجهاز كما لو كانت توقفت، شاهدتهم بعيني عندما قرر أحدهم بأن القلب توقف وأمر طاقم التمريض برفع الأجهزة المساعدة التي كانت موصلة بجسدك ، وبالطبع بعدها كانوا سيعلنون وفاتك .
- والآن أعتقد أنه جاء دورك لتخبريني عن سر اهتمامك بالمصل، وكيف علمت بأنني أقوم بأبحاث على هذا الفايروس.
- لم أكن أسعى لمعرفة أي شيء، ولم أكن أعلم أي شيء عن هذا الفايروس أو المصل الذي تحاول اكتشافه لمحاربته، لكن الصدفة ساقتني لمقابلة زاهداً بالجبل، هو الذي أخبرني بقصتك ، واعتقد أن هذه القطعة الخشبية المحفور عليها الخطوة الأخيرة التي ستصل بك لاكتشاف المصل تؤكد صدق روايتي .
حملق العالم جيرارد في القطعة الخشبية واحتلت الدهشة كل قسمات وجهه وتمتم وكأنه يحدث نفسه:
- نعم.. نعم.. إنها حقاً ما كان ينقصني، لكن لا تزال هناك المعادلة الأخيرة تنقص هذه الخطوة.
ابتسمت سيلفيا وهتفت مسرعة:
- اذاً أسرع ودونها قبل أن تذهب عن رأسي، لأن الزاهد لم يسعفه الوقت لكي يحفرها فوق القطعة الخشبية، وأعادها أمامي عدة مرات حتى حفظتها .
أسرع جيرارد إلى قلمه ودون ما أملته عليه سيلفيا وهو يهز رأسه وكأنه غير مصدق لما يحدث، وضع المعادلة بجانب الخطوة الأخيرة، وقال كالحالم :
- هذا بالضبط ما سيتمم اكتشاف المصل، ترك القطعة الخشبية والورقة فوق المنضدة، واقترب من سيلفيا ، أمسك بذراعها وهو يحدق في عينيها قائلاً :
- من أنت، لولا الحقائق التي بين يدي، المتمثلة في القطعة الخشبية والمعادلة التي أمليتها علىَّ ، لقلت أنك تهذين بقصتك عن هذا الزاهد .
نظرت سيلفيا في ساعتها وبدا على وجهها القلق وقالت:
- أحمد الله، إنك اقتنعت بأنني لست طرفاً مع هؤلاء الذين يريدون قتلك، وأنني أيضاً لست أهذي. وأرجوك أن تبدأ في تجربتك حتى تستطيع أن تنتهي من المصل سريعاً.
- ولما العجلة، ونتائج الجزء الأول من البحث مخبأة في مكان لم يستطع الذين يبحثون عنه الوصول إليه، والخطوة الأخيرة بين أيدينا.
قالت سيلفيا مراوغة:
- أخشى أن يأتوا هنا ثانية، وأعتقد هذه المرة أنهم سيجبرونك بأي طريقة على تسليمهم كل نتائج أبحاثك.
- لا أعتقد أنهم سيعاودون الكرة هنا ثانية، من المؤكد أنهم الآن يتباحثون في سر اختفائي من المستشفى، بعد أن قرروا وفاتي أمام مجموعة التمريض التي كانت تلازمني
- ألا يهمك أن تنتهي من اكتشافك، وتنال الشهرة التي تستحقها!!
ضحك ضحكة أبرزت طفولة وجهه واقترب منها وأمسك بيدها بين يديه قائلاً:
- بالرغم من أنني لا أعرف عنك أي شيء حتى الآن، لكن أقسم لك أنك جذبت اهتمامي، لا يهمني الآن سوى أن أنال اهتمامك أنت أيضاً، لست أعلم لماذا عندما فتحت عيني في المستشفى ووجدتك أمامي أحسست بأنك أنت التي كنت انتظرها ، أي نعم قد تكون ظهرت متأخرة ، لكن هذا لا يهم ، دقات القلوب ليس لها وقت أو ميعاد.
تركت سيلفيا يدها بين يديه، أحست بأنها يجب أن تمنحه الدفء قبل أن يغادر حياة طويلة باردة ، للأسف ستكون هي من ينهي هذه الحياة التي لم يبق له فيها سوى سويعات معدودة ، أحست بدموع تكاد تقترب من أبواب عينيها لتنطلق معبرة عن داخلها الذي تتصارع به الأحاسيس ، ربتت بيدها فوق يديه المتعلقتان بها ، قالت وهي تحاول أن ترسم ابتسامة فوق شفتيها :
- لن أكون كاذبة، إذا قلت أنني أيضاً معجبة بك وببساطتك وصفاء نفسك، أشكرك على عاطفتك نحوي التي عبرت عنها بكلمات بسيطة ، أحسست بها أفضل من مئات الكلمات التي يمكن أن تقال في مثل هذه المناسبات ، لكن دعنا نعمل من أجل إنهاء الخطوات الأخيرة لاكتشاف المصل ، لأن هذا سيسعدني جداً ، لأنك ستكون حققت حلمك الذي أمضيت فيه عمرك ، وأعاهدك أنني بمجرد الانتهاء منه ، أن أكاشفك بكل شيء ، ومن ضمنها شعوري الطيب نحوك .
ابتسم ابتسامة متسعة، وزادت قبضته فوق يدها، ولامست شفتيه وجنتها كطفل صغير يداعب وجه أمه قائلاً:
- يكفيني أن أسمع هذا منك الآن، وهو كاف لأن يدفعني لأبدأ فوراً، لأحقق رغبتك في الوصول للمصل، على أمل أن تحققي لي رغبتي في أن أرتبط بك ما بقي من عمري. حاولت أن تخبئ دموعها التي انطلقت بغزارة، وفسرها بأنها رهيفة المشاعر والأحاسيس، وأن كلماته ثقبت قلبها، طبع قبلته الطفولية فوق وجنتها الثانية، وانطلق يشمر عن ساعديه ليبدأ العمل . راقبته وهو يعمل بنشاط وهمة، تأثرت لملامحه الجائعة للحنان، كانت تود أن يكون عمره ممتداً، لكن بنظرة في ساعة أعمار البشر الملتفة حول معصمها، شعرت بغصة في حلقها ، ساعاته المتبقية قليلة، قررت أن تمنحه ما يجعله يغادر الحياة مبتسماً .
وإلى اللقاء مع الحلقة التالية؛