مدحت بشاي يكتب : قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني

مدحت بشاي يكتب : قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني
مدحت بشاي يكتب : قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني
 
 
ونحن نحتفي ونسعد بخبر وإعلان المطربة الرائعة أنغام إقامة حفل شهري على مسارح المحافظات المختلفة على النهج الكلثومي..جاء في متن الإعلان أن المطربة أنغام تستعد لإطلاق أحد أضخم المشروعات الفنية في مصر والمنطقة العربية في الفترة الحالية والتي تأتي في إطار رؤية الشركة التي تتبناها لإثراء الحياة الفنية والغنائية...ومن المقرر أن تقدم أنغام أغنية جديدة في كل حفلة من الحفلات، إلى جانب غناء مجموعة من أشهر أغانيها، كما ستقدم الشركة موهبة غنائية جديدة وعازف جديد في كل حفل من الحفلات.
ونحن نعيش ذكرى رحيل " ثومة " أرى أن أهم أسباب نجاح  تلك المبدعة العبقرية تمتعها بقدر فطري هائل من الذكاء الاجتماعي الذي ذهب بها في بواكير اكتشاف الموهبة إلى وديان وسهول ملوك الإبداع الكبار بكل رحاباتها الفكرية والمعرفية و الحرفية ، تنهل فيها ومنها من منابع رؤاهم وإضافاتهم الفكرية والإبداعية ، ولعل أبرز وأهم نجوم تلك السهول و الوديان التي ارتادتها " ثومة " كانت للأستاذ والمبدع الشاعر الكبير الراحل  " أحمد رامي " ، الذي قدم لها الكثير منذ بداية دخولها إلى عالمه وصومعته وحتى شاء القدر أن يمشي في جنازتها التي احتشد لها شعبنا العظيم ليودع مرحلة هي الأروع في تاريخ الغناء العربي والمصري ..  
قال " رامي " بعد رحيلها " لا أعتقد أنني سأكتب شيئاً يُغنى بعدها .. لقد كنت أكتب استجابة لمشاعري وتعبيراً عن وجداني وهي ملء خاطري .. كانت العبارة الشاعرة توافيني متآخية مع أخيلتي لإمكانيات صوتها ومعرفتي لطبقاته ومكوناته .. الآن بعد رحيلها لا يمكن أن تطاوعني نفسي على كتابة أغنية أسمعها بغير صوتها !! " .. 
وعندما سأل " رامي " عن أهم ما تغنت به أم كلثوم ، قال بكل بكل فخر " عندما تُدخلني " بوفيهاً " عامرًا بأطايب الأطعمة وأشهى المأكولات فمن الصعب أن أجاوبك عن الصنف الذي كان أحلى مذاقاً .. كل ما شدت به أم كلثوم كان رائعاً عندي .. كما هو رائع عند الناس "
أحمد رامي شاعر عظيم أصدر ثلاثة دواوين ، رباعيات الخيام نقلاً عن الفارسية قبل نظمه أي  أغنية ، ، وظل الشعر مهمته قبل كل شيء ، وليست الأغنية هي الشيء الأساسي في إنتاجه كما يؤكد هو و لا يتصوره النقاد .. ، وبعد كتابته  قصيدته الرائعة  في رثاء مطربة الشرق السيدة أم كلثوم ، قال " أعتقد أن كتابتي للأغنية أمر يتطلب مني التريث حتى تنقشع عن نفسي تلك السحابة التي ترين عليها " ..
كتب في رثاء كوكب الشرق ..
ما جال في خاطري أنّي سأرثـيها
بعد الذي صُغتُ من أشجى أغانيها
قد كنتُ أسـمعها تشدو فتُطربني
واليومَ أسـمعني أبكي وأبـكيهــا
وبي من الشَّجْوِ..من تغريد ملهمتي ما قد نسيتُ بهِ الدنيا ومـا فـيها
وما ظننْـتُ وأحلامي تُسامرنـي أنّي سأسـهر في ذكرى ليـاليها
وكان رامي يؤكد دومًا " لقد بدأت أكتب الأغنية من منطلق الرغبة في خدمة هذا الفن فن الطرب ، وفي ذلك العصر السحيق منذ نصف قرن كان يشيع في بعض الأغاني ألفاظ غثة وكلمات مُسفة .. وكان عليّ أن أفعل شيئاً ، وقد وفقني الله أن أعطي صورة مشرفة للأغنية كما يجب أن تكون ، وقد عاونني في ذلك أخوة وأبناء من الشعراء والمؤلفين .. حتى جاءت الحرب العالمية الثانية وفي ظل ظروفها عاد شيء من الركاكة والاستهانة والانكشاف إلى الأغاني القصيرة الهزيلة ..
وبعد رحيل " أم كلثوم " أكد " رامي " في حديث مطول للكاتب الصحفي الرائع " عبد العال الحمامصي " أن الأغنية الطويلة .. ليس لها حاضر حتى يمكن أن يكون لها مستقبل ، لأن طاقة المغني والسامع أصبحت محدودة وأصبح الاستماع الطويل للغناء مفقوداً في هذا العصر الذي ساده القلق وانتشر فيه الوهم واندفع الناس إلى الاستمتاع بالحياة في سرعة وانتهاز ، وأصبحت الأغنية عبارة عن قطعة صغيرة لا تأخذ من الوقت أكثر من عشر دقائق ، أما الشعر فقد نضبت سوقه وانفض عشاقه .. بعد أن انتشرت الأغاني الدارجة ، ذات المعاني الهزيلة ، والتعبيرات الركيكة وأصبح السامع لا يطيق الصبر على تفهم اللغة الفصيحة التي تصب فيها هذه القصائد ، والتي كان يرددها كبار المطربين من رجال ونساء . وظل " رامي يؤكد على أن اتحاد اللفظ واللحن في صوت جميل يحسن الأداء لإبداع الأغنية هو السبيل لإبداع متكامل صالح للظهور والعرض ، إلا أنه ظل يتحدث عن  معنى الأغنية ونصيب كلماتها  في تقدير السامع لها ، فإن الإحساس الصادق التعبير ، والذوق الخالص في التصوير كفيلان بإرضاء من يستمع إلى الأغنية ولو نزل لحنها أو ضعف المؤدي لها عن المستوى الذي وصلت إليه الكلمات ...
لقد كان " رامي "  ابن الخواطر ، يرى أنها فور أن تعن له فسيسوقها بما  أتاح له الله من خاصية الشعر .. يقول "  لست مؤرخاً ولا باحثاً اجتماعياً .. أنا شاعر ، ما عندي قلته شعراً وعند هذا الحد تتوقف مهمتي" ..
وعن الشعر كما يعرفه كان يؤكد أنه ليس هنالك شعر قديم وشعر حديث ، فالشعر هو البحر والقافية فإن خرج عنهما فليكن له اسم غير ذلك .. أما قولهم شعر الشطرين والتقليدي والقديم وغير ذلك فهذا افتئات على الشعر وانتقاص من قدره .. وليس الشعر مقصوراً على القصيدة ذات البحر الواحد والقافية الواحدة ، فإن من أنواعه الموشح والنشيد والمونولوج " القطعة الفردية " والشعر التمثيلي وغير ذلك .. تتنوع فيه الأبحر والقوافي في إطار مدروس يخرج عن الرتابة المزعومة في البحر الواحد والقافية الواحدة .. أما أن يقتصر في النظم على التفعيلة الواحدة ثم يرص بها في ألوان من الأشطر المختلفة العدد في هذه التفاعيل والمختلفة الجرس في اللفظ الذي يقف موقف القافية ، فهذا خلط لا يستسيغه الذوق ولا السمع ، وليبحث أصحاب الشعر الحديث ـ كما يسميه أهله ـ عن اسم آخر غير الشعر .. ثم كيف يُقال لزجال لا يقيم جملة صحيحة من اللغة العربية وإنما يكتب باللغة الدارجة أنه شاعر غنائي .. وهل هناك شاعر غنائي ، وشاعر تمثيلي ، وشاعر غزلي .. نحن لا نعرف هذا ، وإنما نعرف أن هنالك شعراً غنائياً وشعراً وطنياً وشعراً تمثيلياً .. 
وكأن لسان حال " رامي " شاعر القوافي يشكو حال جيله العظيم من الشعراء بمقولة " لم الشعراء في الزمن الضنين ؟! " ..
لقد كتب الكاتب " علي أدهم " رسالة إلى " رامي " جاء فيها " إن أكثر الناس لا يحسنون فهم الشعراء ، ويجهلون وظيفتهم ومركزهم في الحياة ، وهم الذين ينبهون أحلام الكمال في الإنسان ، ومن يفتحون لنا من النوافذ والأبواب ما نطل على الخلود والأبدية .. فهل قرب الوقت الذي يفهم فيه الناس أن الشعراء هم المصابيح التي ترسل الضوء في دلج الحياة ؟.. ".