مراد عزيز يكتب : لم أكن في حاجة إلى العالم

مراد عزيز يكتب : لم أكن في حاجة إلى العالم
مراد عزيز يكتب : لم أكن في حاجة إلى العالم
 
 
رغم برودة الجو الذي يجعلك وكأنّك سلحفاة داخل مسكنها الحجري أو كأنّك اكتفيت بهذا الركن البسيط من الغرفة بجوار المدفأة عن كل شيء , لم أعد أطيق صبراً على تحمّلي لمثل هذا الحبس الاختياري أكثر من ذلك , لاشيء أُحس بطعمه , لاشيء يصنع الفرق بين حزن وفرح غيرها, الموت معها موت والموت بدونها ألف موت , يا لها من ساعات وكأنّها ليل أطبق بكل قوته علي بقعة الضوء الوحيدة في حياتي , فتحت نافذتي المطلة علي الشارع , الناس كعادتهم يبحث كل منهم عن شيء يخفيه في قلبه عسى أن يجده بين زحام أو بين تصدّع لأحجار الوقت فينبت منها أمل جديد , أحسست بأن صدري يتّسع لدخول العالم بمجرّد فتحي للنافذة , ولكني لم أكن في حاجة إلى العالم قدر حاجتي إليها , مددت عيني تراقب وصولها من بعيد , كان وجهها كوجه القمر في استدارته ونقائه, كنت أعد نفسي لتلك المقابلة وكأنني عريس ليلة زفافه , أعدّ ورتّب كل شيء حتى يبدو في أبهي صورة , كانت تتقدم في خطًى  ثابتة وواثقة , انفتحت عين السماء وانهمر بالمطر بغزارة بلا مقدمات , هرع الناس كلٌ يبحث عن مكان يأويه , دخلت هي الأخرى أحد الأماكن التي تبدو وكأنها قبّة برلمانية , لم يمضِ وقت طويل ولكنّه كان ثقيلاً على قلبي الذي يتلظى بشوق لرؤيتها , هدأت الأمطار التي أصابت حياتنا بالعجز والسكون , وأسدلت الستار علي ذلك العرض , بدأ الناس في خروجهم وكأنّهم أُناس أحرين , خرجت هي الأخرى وإذا بها تخرج وقد خسرت إحدى يديها بالداخل وكأنها كانت في حرب ولا حيلة لها في الدفاع عن نفسها , فهي لا تملك سيفاً ولا قوّه , فقط كل ما تملكه رصيد كبير من الحب توزّع منه أينما حلّت , استمر تقدمها نحوي وأنا أقول في نفسي : لا بأس يكفيني منها ما تبقي , خطوات قليلة ثم انزلقت أقدامها في وحل المياه الساقطة على الأرض , خسرت فيها أيضاً إحدى قدميها , ولكنها قامت وواصلت السير متّكِئة على ما تبقي لديها من عزيمة وإصرار , استمر  تقدّمها نحوي وأنا أقول في نفسي: لا بأس يكفيني منها ما تبقي وهي ما زالت تزحف نحوي خطوة تلو الأخرى حتى قاربت على الوصول إلى نافذتي , وهنا عاود المطر سقوطه بغزارة واسودّ وجه الغيم حتى اختفي القمر واختفت هي الأخرى بعيداً في جنبات الليل , أغلقت نافذتي متحسّراً عليها , ورحت أشعل سيجارة وأكمل ما بدأت من سيرة الوحدة .