...رفع صادق السّتارة يخوض نسيجها الزّلق بعصبيّة و تدهور دون أن يلقي بالا للأصول و الإتيكيت ، و لم يكد يطويه القماش الحاجب حتّى اختلى ، أو ما يشابه بعروسه المتصدّرة على حاشية كرسيّ جلديّ مدوّر ترفعه قوائم إبنوسّية منْحوتة تضوء كلّها .
الدّمية الحوراء ، المليئة ، صامتة ، وجهها إلى الأرض . تدانى منها رافعا رأسها الرّقيق بأطراف أصابعه المستدقّة و قد استقرّ عزمه على إطاحة الحواجز و المقدّمات الرثّة بينهما في إيماءة جنسيّة مواعدة إذ هو يعظّ على شفته السّفلى الجافّة ، هامسا " هل أنت جاهزة ؟ "، و كأنّما لم يلْحظ توتّرها و استجابتها القلقة و هي تطالعه بعينين دهشتين تتكشّفان ، و ترتدّان عنه في خفر لا ينقضي ، فيما هو يلوذ منهما إليهما طلبا للموت ، و كأنّما همَس به شيء ما ، أن يستزيد نورا منهما لعلّه الأخير ، و كأنّما يتعمّد ارباكها ، و كأنّ في ارباكها نكهة بيضاء الزّبد ترْويه قبل الٍسّرير . هل تراها تمتلك القوّة لتردّه عنها ؟ و تراجعت أصوات البيت و جدرانه ، فإذا الزّمان منآى بعيد ، و خطر له أنّها ستقول له " أريدك " ، و كانت أساريره الدّاخليّة تنفرج عن شبح بسْمة خفيفة لنفسه ، لا تخْلو من لؤم هيّن ، قصيرة ، و شرهة . إنّ حريقا نادرا ينشب الآن في أعطافه ، فليزجّ هذا الوقت القصير _المخصّص في عرفهم لتهيئة العروسين لخلوة كبرى لاحقة _ ليقذف بأيّ كلمات إضافيّة تذكي في أنثاه حرارة شيئه اليَبِسِ و يخرجها من ظلّ الحياء و الملح الزائد في العواطف . و مثلما برهن الموكب السّلطانيّ الذّي عزّزه ما له من مكانة بين قومه سيزيد من ذهولها _ و هي الغريبة عن طقوسهم البدويّة _ بشطحات ثمرته الغنيّة المبدعة ، و الحليقة تماما .
حان له بعد عقد قرانه أن يصيح فيها كما يشاء ، و قد تزحف على أرْبع متوسّلة كي يرضى و لن يرضى عن خدماتها ، و سيأخذ مداه الكامل في الرّفع و الخفض ، و النّصب ، و الجزم ، و الكسر ، و الجرّ متى عقّت ، سينكحها بحجابها نكاية و التذاذا كما انقطع رجاؤه من مرآى شعرها في السّنين الخوالي من التّعارف و قد أقسمت مغلظ الإيمان أن لا يطأ منها موضعا إلّا في الحلال ، بل سيطيح بتلك الخيمة الجامدة التّي تسمّرها على أوتاد رأسها و يفرشها عليها ، يركب فرسه و يسوخ في مضيقها الخاثر العميق و تفتك به رائحة ابطها المنهوك بفعل الحرارة و الطّيب . هل فرْجها مكوّر مثل ثدييها ؟ لا ، الأقرب أنّه لوزيّ في ازدهار شفتيها . حمدا لله أن صار لديه متّسع ليستطعم الفرْج و يفهمه ، لن يستعطها منّة كما في الخطوبة ، و هي تقتّر عليه حتّى بعد الجهد الذّي تكبّده لإغراقها بأفحش الهدايا ، و معاركه الخائبة معها على أرصفة الكرنيش الملتوية حين كانت تلوذ بالهروب بين فجوات الصّخور الوعرة كفقمة مذعورة ليحصّل بالكاد ، أعقاب قبلة منهوشة من زاوية ثغرها . سيفتكّ حقّه منها بما كانت مرجوّة لتقديمه و لم تمنحه إيّاه راحمة عن طواعية. و غاليا ، سيأخذ ثمن المنع و الظّمأ الذّي خلّفته فيه.
فيما بعد ، أجلْ في حميّا التّعرّي و المضاجعة ستستميت في تلمّسها النّجاة و لا نجاة لها ، ستسلم له بلا أمل في أيّ عزاء و لن تتجرّأ حتّى على البكاء .سينتشر فيها و تسيل ، و قد تنكسر من الدّاخل ، غير مهمّ . بل ضروريّ ، المهمّ أن تكون جسدا ، كاملا ، في ملكيّة مطلقة ، له وحده ، و هي تحمل في داخلها شرخه في الصّحو و المنام ، في الوحدة و في الشّارع ، بجانبه و مع النّاس ، جدائل فرعها الضّاربة إلى الدّكنة الغضيرة و اختناقات فجره العليل بعطرها الصّاخب ، و هذا العرم اللّدن لا يزنه أيّ ثقل من اللّذّة ، سينزّ من جرحها الدّمث دفقه اللّبنيّ مثقلا بطلق أعيرة من البنادق الميري و أصوات القبيلة ، تهنّئه بتعظّم و ترصّن كما يليق بالفحول من الرّجال يتلمّسون في غزوته برد اليقين و النّوال فيما ينتظم هو لنعاس رقيق في ظُلّة اللّحم الفوّاح ...
ما يزال صادق يتقلّب مع عناق في نشوة غائرة من خطف خياله ، أمّا هي فلم تستطع احتمال عينيه الفائرتين بالحرّ و الشّهوة و ما يشبه الغياب ، و هو يسألها عن استعدادها لهذه اللّيلة المرتقبة باستمتاع يدعو إلى الخوف . لم يكن في نبرة صوته أدنى حبّ أو لين ، بل إنّها تلمس فيه ترجيعا مقلقا يفحّ صرامة وحيادا عاطفيّا أقرب إلى الجفوة و أبعد ما يكون عن الدّفء المخامر للرّوح . إنّها لحرب أعصاب ضارية في مقتبل ساعات الدّخلة ...