د.علي أحمد جديد يكتب : الاعتذار .. أخلاق وسلوك وثقافة

د.علي أحمد جديد يكتب : الاعتذار .. أخلاق وسلوك وثقافة
د.علي أحمد جديد يكتب : الاعتذار .. أخلاق وسلوك وثقافة
 (الاعتذار) هو التعبير عن الشعور بالندم أو الإحساس بالذنب على فعل أو قول فيه إساءة لشخص آخر ومحاولة طلب العفو من الشخص الذي تأذى بذلك ، كما أنه أيضاً صورة في إبداء التأثر الشخصي لحصول الخطأ أو التقصير أو حتى سوء الفهم المقصود أو غير المقصود .
وتفتقر مجتمعاتنا بشكل عام إلى تعليم وتعميم مايمكن أن نسميه مجازاً
(ثقافة الاعتذار) . وقد ثبت في علم النفس من حيث الايجابيات أن تقديم الاعتذار لشخص ما بغضِّ النظر عن عمره سواء كان كبيراً أو صغيراً ، أو كان مغايراً في الديانة أو في الثقافة ، فإن الإعتذار بالتأكيد يساعد على امتلاك نفسية ذات جوهر متميز ومتألق ، ويساعد أيضاً على التمتع بتلك الأناقة الداخلية والخارجية التي تجعل من الفرد واحداً في صفوف الأشخاص الراقين في أخلاقهم وفي تعاملاتهم ، وتزيد لدى الآخرين رغبة التقرب والتحبب إلى المعتذر ، وبصورة خاصة لدى  أولئك الذين لا يعرفونه بشكل جيد أو كانوا غير مقربين منه . وهنا يكون التعامل والاهتمام والنظرة المستحقة في ممارسة ثقافة الاعتذار الرائعة .
إن تقديم الاعتذار لا يسهم في بناء الذات أو ترك بصمة ذات صدى فعال عند الآخرين وحسب ، بل يساعد في نقل تلك الثقافة ونشرها بين الآخرين ويتبناها من كان يجهلها ، فتنتشر في الوسط المحيط ، وتصير سلوكاً متبادلاً ، ويعم الاحترام والتقدير بين الفئات المختلفة ، ويكون نشر ثقافة الاعتذار عنصراً فعالاً  وناتجاً للأخلاقيات والسلوكيات الحميدة و التي تعزز الثقة بالنفس ،  وتساعد على تنمية حالة نفسية صحية مفعمة بالحيوية عند الجميع .
وثقافة الاعتذار لها تأثير كبير على الأطفال  وتنتج طفلاً مهذباً ، يتعلم أن لا يصدر تصرفات بدون وعي ولا يتعدى على حقوق المحيطين ، فيقوم في المدرسة بتصرفات موزونه ، وإذا ما صدر عنه أي فعل عفوي غير مهذب بشكل غير مقصود ، سيعتذر بصورة لائقة تزيد وترفع من قدره لأن الاعتذار يحتاج إلى شجاعة ، ويحتاج إلى قوة نفسية وعصبية في شخصية سليمة ومتوازنة لأن عديم الثقة بنفسه وغير المتزن لا يمكن أن يصدر الاعتذار عنه .
إن الإعتذار يظهر ويكشف حقيقة النفس الداخلية والنوايا الخفية ، لأن من يعتذر يؤكد  صفاء نيته وحسن ما يُكنه في نفسه ، وبعكس ذلك يكون مَن يحمل الضغينة وقد والمنافق ظاهرياً ولكنه لا يستطيع البوح بلفظ الأسف ، وهذا ينبع من عدم سلامة النية والباطن .
 ربما تكون للاعتذار سلبيات خاصة بمن يقدمون ذلك ، وكمثال بسيط أن يكون قد اعتاد على الإعتذار العشوائي ، الذي يسهل الخطأ بحق الآخرين ، لأنه على الأغلب وفي الدافع  النفسي أن الأقوال أسهل من الأفعال ، فيكرر التجاوز في حق الآخرين ويسهل عليه أن يتبعه بصيغة اعتذار . وهذا غير مجزي تماماً ، ويجعل من يقوم بذلك  ذا شخصية ملتوية ، تستغل تلك الايجابية في سلبية بعيدة كل البعد عن أخلاقيات الاعتذار السامية .
وقد يكون هناك مَن يفسرون الاعتذار على أنه ضعف في الشخصية أوخوف من رد فعل الآخرين ، فنجدهم عندما يقدم الشخص ذلك القول والصيغة  يشيرون إليه بالبنان بأنه بعيد عن صفات القوة ، وهذا من سلبيات الاعتذار غير المنصفة ، والتي تنعكس على المعتذر بمتاعب كثيرة وبردود فعل غير جيدة ، لذلك يجب الحذر من فرط الاعتذار والتمسك بمبدأ الاعتدال في كل شيء لأن ذلك يزيد من قيمة الشخصية وثباتها .
هناك مجالات عملية ومهنية وفي الحياة لا تعترف ولا تقبل الاعتذار ، وعندما يخطئ الشخص يعاقب بشكل فعلي دون تقبل أي عذر ، وهذه من إحدى سلبيات تلك الثقافة في حدود استخدامها على المستوى الشخصي من التعاملات الاجتماعية ، لكنها لا تصل أبداً إلى حدّ الثوابت التي قد يقف عندها تنفيذ القانون والمبادئ المهنية ، لأن الحياة العملية لا تعترف بتلك الشكليات الذوقية .
ولأن كل شيء يبدأ مع الطفل منذ الصغر ، فإن محاولة تربية الطفل وتوجيهه إلى أمور وأخلاق حميدة ، كالصدق والأمانة والحرص على مشاعر الآخرين بعدم ارتكاب الخطأ لأن الأخطاء لابد أن تستوجب الاعتذار .
 والأم التي تربي ابنها على تحمل المسئولية  في شجاعة الاعتراف بالخطأ والاعتذار طالما كان مخطئاً ليتعلم قبول الرأي الآخر في تنمية عقله وشخصيته . 
 وعندما يبدأ الطفل  بالإعتذار فهذا يدل على قابليته في تحمل المسئولية منذ الصغر ، وهو أمر ضرورى لإجادة فن التواصل مع من حوله ، وشعوره بالتعاطف تجاه الأشخاص الذين أخطأ أو يخطئ بحقهم ، وذلك يساعد الطفل على أن يتعلم التعبير السليم عن شخصيته والتعرف على المسؤولية الملقاة على عاتقه ، حتى يكون أكثر وعياً في تصرفاته وعلاقاته ويساعده ذلك في تطوير مهاراته مع أخوته أو مع زملائه في المدرسة ، أو في عمله عندما يكبر ، ليُكوِّن شخصية جيدة ، واعية .. ومرنة .
ويمكن تعليم الطفل سلوك الاعتذار في تعويده على التحدث بصراحة والاعتراف بأي خطأ قام به بكل سهولة ، إذ قد يكون الخطأ بغير قصد مما يوجب الاعتراف بارتكابه من قبل الطفل ، وذلك يخفف من شعوره بالذنب فلا يميل إلى الإحساس بتدني احترامه لذاته ويدفعه إلى الانطواء ، مما ينعكس على تطويره لذاته .
وتعويد الطفل على  الإعتراف بالخطأ وإبداء التعاطف مع ذكر سبب ما فعله يجعل منه طفلاً قادراً على تحمل المسؤلية التي لا يتهرب منها، ولا يلقي باللوم على غيره فيما فعل ، كأن يعترف بأنه كسر اللعبة المفضلة لأخيه خطأ ودون قصد منه ، مع أبداء التعاطف مع أخيه لأنه خسر لعبة يحبها . وبذلك يتجنب تكرار الخطأ مرة ثانية ، وتعتبر هذه الخطوة هامة في تطوير شخصية الطفل ليصبح قادراً على تحمل المسؤلية وعلى التفكير بشكل كبير قبل الإقدام على أي تصرف مما يساعده إلى التوصل فكرة تحمّله نتيجة ما يقوم به من أفعال حتى وإن كانت أفعاله دون قصد ، كأن يخبر شقيقه بأنه سيلعب بشكل حذر في منطقة قريبة من  ألعابه حتى لاتتضرر عن طريق الخطأ .
لأن تعليم الطفل على طلب المغفرة من الشخص الذى أخطاء في حقه مع الإعتذار بصدق وبشكل حاسم في طلب المسامحة من أخيه او أخته او زميله على ما بدر منه عن قصد أو بالخطأ ، وذلك مايزرع في  الطفل أولى بذور  ثقافة الاعتذار .