نحن أمام مواقف فيها ما هو مجرد ديكور لفوضى خلاقة ، وفيها ما هو أشد من قوة التاريخ الفوضوي ذاته .. غير أن ما يمكن الاعتداد به هنا هو ان هذه الصراعات الآتية من أعماق الذات ما هي الا نداءات قادمة من أجل اعادة البنية السياسية في الدول العربية الى جوهرها وحداثتها والابتعاد بها نهائيا عن الاستنساخ المتتالي لسياسية الغرب وجعلها على جدر التاريخ كظل مستدام..ان الذين يؤمنون بأن السياسة في النهاية هي مصالح يقتضي رصدها كرصيد حضاري لبناء مجتمع حضاري يبنى على خارطة المستقبل دون ان ينسى الماضي ..
يقف الكثير منا اليوم على امواج المحنة قصد معرفة ما يمكن وما لا يمكن بناؤه آنيا أو يوضع على سلم الأولويات في المصالح العامة للأمة لكن ليس على رؤى تفاؤلية تفتقد للنقد و لا تغطي أسس الارتكاز لضمان الاستمرارية .. ان فلسفة الانهيار الممارسة اليوم من كثير من الدول الغربية ضد بلدان العالم العربي يجب ان لا تشك طريقها وسط ا النظام الجديد المنظور ولادته بسبب المتغيرات الحاصلة اليوم على اكثر من مستوى وصعيد ولا يجوز التسابق للعقل العربي نحوه بعدم الإقرار بالهوية ومبدأ الانتماء ...اكيد نحن امام احتمالات قوية للخروج من الازمات التي جابت مسيرتنا التنموية لعقود وحتى التحول نحو الديمقراطية ممكن فيها .. ومن المهم - من وجهة نظري على الأقل - هو عدم الالتفات إلى الوراء وإلى ما تقوله الولايات المتحدة الأمريكية لأنها رأس الأفعى المحرك للتخلف والحروب في الوطن العربي ، انها الرافعة بالتكرار كأس الخراب على رؤوسنا وما لجوؤها باستمرار إلى مجلس الأمن واخذ قراراته كسيف قاطع اللرقاب علينا إلا لأنها ترفض ان ترى هذا العالم خارج الأزمات وخارج وصايتها حتى وان كانت وصاية هشة .. ان تهافت المؤسسات الأمريكية على تفصيل سياسيات الدول على مقاسها يبد الآن ضمن مخلفات الماضي ، فالذين يصنعون الثورة في المساحات الكبرى هم أساس منطق التفاعل مع الاحداث الوطنية لا مع التطورات الخارجية لهذه الاحداث ..ان توصيف الدول في العالم العربي الى معتدلة وممانعة لم يعد له وجود ، فالسعودية التي تمثل الولاء الاعمى لأمريكا هي الآن على طريق الانتفاضة انتفاضة الانهيار ان لم تتدارك مواقفها ، وان الاردن الذي ظل يتأرجح بين الحيرة الامريكية والانتماء العربي و ويرسل جنوده لحماية الجنود الامريكيين في افغانستان هو الان في الواجهة ، واجهة التغيير ، او واجهة التبديد وهي الوجهة المحصنة بأصوات الجميع .. هناك اذن تماثيل بشرية في الوطن العربي تحركها الأحداث في اللحظات الحرجة وكان من المنطق ان تحرك نفسها بنفسها قبل صدوراية محاولة لاستنهاضها ،وقبل صدور اية محاولة لاستئناف عفونتها كما يحدث الان في اليمن ، في تحالف مشين ، وبالتالي لا يمكن استدراك الاحداث بعد تعميم الفوضى وخروجها الى الساحات العامة فتتحرك كقوة خارج منطق الوعي قد لا يجدي ولو تم تغطية ذلك بما لا يحصى من التنازلات وتوزيع ما في الخزائن على اصحاب القضية.. ان الوقت في هذه اللحظات هو الذي يرتب الأفكار ويوجه الجميع صوب واقع متأرجح بين دفتي الحاضر ومنظور المستقبل ..لقد حاولت السعودية مؤخرا استدراك الموقف منها بإحاطة البشر فيها بمليارات الدولارات كفعل استباقي لإطفاء شعله المطالب في حيز مهم من المملكة و وأيضا استحضارا للوعي مسبقا بأن لا يلفها ما هو عيه الحال لدى جيرانها من ثورات غضب .. كان من الممكن ان توزع تلك الأموال في وقتها وفي لحظات غير حرجة وهي في الأـصل اموال اموال الشعب .. لكن الفساد المستشري فى الأسرة الحاكمة جعلت منه موضع تضخيم لثرواتها والتصرف في الأحداث بالمجان حتى يظل القهر والاستبداد قائمين كعمليات ترويض لكل مطالب بالإنصاف والمشاركة في ادارة شؤون الدولة وان لا يبقى ستة ألاف امير متحكم فيها دون سواهم .. المهم لقد قفزت الأحداث نحو الواجهة المحصنة بأصوات الجميع احداث لا يمكن رصد الخطأ في مطالبها لأنها بالملايين ، ولأنها ايضا من العامة وليس من النخبة ، وعلى الجميع ان يدرك ان لا مجال لافتراض الوهن فيها طالما انها تقدر الظروف التي نزلت الى الشارع من أجبلها وإنها تحسب اللحظات بالخطي الثابتة في مواجهة الواقع .. لكن الاخطر في كل ذلك هو ان يتدخل الغرب من الخلف وبقوته كأداة استجار سياسي قد يحصر الواقع السياسي في حافات ما يدعيه من احترام لحقوق الإنسان فيحوله بسم مجلس الامن الدولي إلى اداء اشد من القمع الذي نهض ضده الجميع ..ان الرئيس "اوباما " على الخصوص هو - بالتأكيد - احد ادوات القهر العام للشعوب حتى وان ادعي انه جاء من عصر الرق ويعرف - بالتالي - معنى العبودية وسوء تقدير لما يشعر به البشر .. لقد ظل مند مجيئه يتكلم خطا وبكل الاخطار ولا يتجانس فكره مع ثقافة فكر حقوق الإنسان .. لقد ادعى انه للشرق عليه سؤال حول مشاكله وانه لحل الدولتين في فلسطين يسعى .. لكن تبين انه عدو لكل بلدان العالم الإسلامي وصديق حميم لإسرائيل ، وهو الذ ي حاول ان يمدد الازمة وإضمار الحقيقة تجاه فلسطين ولم يستح حتى من اصدقائه العرب فأمر باستعمال حق النقض باستمرار على مشروع اي قرار ضد المستوطنات وضد اسرائيل ويدعي قولا انها غير شرعيه وهي بنص قرارات مجلس الامن الدولي وقرارات الامم المتحدة السابقة غير شرعية .. ان السؤال الذي يواجه الجميع هو إلى اي مدى يمكن أن تسطير الانتفاضات على الوضع السياسي وتجدد النظام على اسس قابلة للاستمرار وبعيدة عن الاصطفاف أو الاحتواء لأي طرف خاصة الطرف الاجنبي .. هناك منطق يجب النظر أليه على انه هو الصائب للتغيير صوب المعالجة السياسة الجديدة المعالجة القابلة والقادرة على احتواء الازمات خاصة الآنية منها باعتبار أنها نتاج ظروف خاصة ، وبافتراض ايضا ان تكون قابلة للأخذ بها ومن الجميع برفض الإقصاء وعدم التعامل بالانتقاء طبقا لمكونات المجتمع والآراء المتداولة فيه ..اذا صارت الأمور وفق هدا المنحي فان التوصيف – بالتالي - للطرف الخارجي يصبح واضحا ويصير التعامل معه كطرف خارجي لا يمكن ان تمتد يداه الى مصادر صنع القرار السياسي الوطني ولا الى عملية الارتباط السياسي وفق منهج الفعل الخارجي .