نص نثري: وطأة الليل بقلم د. علي زين العابدين الحسيني

نص نثري: وطأة الليل بقلم د. علي زين العابدين الحسيني
نص نثري: وطأة الليل بقلم د. علي زين العابدين الحسيني
في صبيحة هذا اليوم أغلقت تلك الستائر المسدلة على جدران غرفتي المغلقة، لم أرد أن ينفذ إليها شعاع نور، أردت أن أعيش في ضوء النهار حياة الليل، فلعل تغيير الشعور ينبني عليه تغيير قناعات.
ففي الليل نصنع من الصمت حواراً، ومن الحلم حقيقة، ومن اليأس أماناً، ومن الخوف طمأنينة، الليل لنا، والحياة لنا!
وفي الظلماء تنهمر كل المواجع!
ما أكثر الليالي التي حملت أيامنا ورحلت تاركة لنا رماد المواقف، وقبح الأفعال، وسيء الأخلاق، تتزامن دمعاتنا مع تذكر أسبابها!
في الليل همٌ واحد، ونداءٌ واحد، جمرٌ يوقد، وأماني تسقط، وكلمات جوفاء تمحى.
يملكنا، ونملكه!
تمنينا حيث الأماني تحقق ما نرجوه.
تمضي أيام من العمر ثقيلة مليئة بالمكابدة، لا تجد شيئاً حقيقياً سوى الطموحات الغائبة أو المجهولة.
أيها العابرون فوق أحزانهم تمهلوا!
لقد باتت الحياة صعبة، ولا يخفف وطأتها إلا سكون الليل.
لا أحد يلج إلى داخلك ليسبر غورك، ويقرأ نقاطك المبعثرة.
على غير العادة مرت أمامه -في مثل هذا الوقت- مجموعة من الذكريات لم يحدد عدد أشخاصها!
هل بالإمكان لشخص أن يقلب ليله نهاره ونهاره ليله؟!
هذه التجربة، وإذا نجحت سهل عليه أن يغير قناعاته نحو الآخرين.
لأول مرة أعلنها أنا آسف أيتها الأم الرؤوم! آسف أيتها الحنون!
إن الذكرى تتخلل أعماقنا، وتدمي قلبنا وجسدنا!
في تلك اللحظات -وكعادة كل ليلٍ- شممت رائحة قبر أمي، تلك الأم الصابرة المحتسبة.
آسف يا أمي لأني لم يكن في مقدوري أن أحفظ عهدك الذي أخذتِه عليّ، تركت الحكمة، وأمسكت بسيفي.
لم يعد لي طاقة أن أعيش بأخلاق الطيبين الذين يحسنون الظن بالآخرين كثيراً.
عجزت أن تستمر معي تلك العاطفة وهذا الشعور!
أنا آسف يا أمي فالحالة الأخلاقية تغيرت عما كانت عليها من قبل، فسيء الخلق قوي، وحسن الأخلاق ضعيف، هكذا يبدو الطيبون في واقعنا المعاصر.
ها أنا قد علقتُ في صبيحة هذا اليوم قلمي بين أناملي، ووضعتُ صفحةً بيضاء بين يديّ، وأنتظر وأراقب وأشاهد تصرفاتكم، وما تملون عليّ من حسناتٍ أو سيئاتٍ؛ لأكتبها في كِتاب التاريخ وصفحة التراجم.
إني سائلكم بالذي خلقكم ألا تملوا عليّ إلا الحسنات وأعيذكم من السيئات، وإني أُنشدكم أن تتركوا أعمالاً بِيضاً نقية يسجلها التاريخ، فالتاريخ لا يرحم أحداً!
يتسلل هذا الشعاع شيئاً فشيئاً ليتشبث بنا، وضوء النهار المتقحم يتلصص حول بيتنا، يصر بكل قوة أن يصحبنا، يطرق زجاج نافذتنا، يريد أن يقاسمنا سعادتنا، لنبدأ رحلة جديدة في هذه الحياة على أشعة الشمس.
لا نشعر برحيل ليالينا إلا بعد طلوع فجرها، فيعتصر الشوق إلى ظلمة الليل!
لكننا سنعود، سنعود لليلٍ على جناح الذكريات في الليلة القادمة!
في عمق الليل القصير نستعيد ذكرياتنا، تلك التي تهزم النهار، وتجعل زهور الليل دائمة الفوح!
إن أحلام الليل كثيراً ما تتحقق.
ما أعظم الشخص النبيه حين يتزود لليله بنهارات بهية!
ها هو النهار قارب على الانتهاء والليل لم يأت بعد.
هذا النهار ما أطوله!
إننا في المدن المزدحمة، وفي سباق الرزق، وفي الأعمال المملة، فلا نشعر بعبث النهار، ولا سكون الليل.
الليل مهوى أفئدة العقلاء .. وكفى!