أ.د أحمد فرحات يكتب : شاعر مسيحي بطعم إسلامي

أ.د أحمد فرحات يكتب : شاعر مسيحي بطعم إسلامي
أ.د أحمد فرحات يكتب : شاعر مسيحي بطعم إسلامي
وثمة شعراء أثروا الحياة الاجتماعية العربية بأعمال إبداعية متمايزة ، وعاشت كلماتهم في وجدان الضمير العربي دهرا طويلا، فكم تربت على هذه الكلمات أجيال، وكم ذابت كلماته في أفواه الرجال والنساء والأطفال والشيوخ كقطعة سكر.. منهم:   
بشارة الخوري(1885-1968م) الأخطل الصغير، فهو شاعر ، مسيحي، عربي، لبناني، حديث. يتصيد بشارة كلماته بعناية فائقة، وينتقي تشبيهاته انتقاء فنيا رصينا، تنتظم عباراته الشعرية في سهولة ويسر، كأنما يلتقط حبات مسبحة فريدة لتبدو في انتظامها وروعتها آية جلية. عمل بالصحافة فبدت قصائده الغنائية مقالة واضحة تخبر عن عاطفة شفافة، درس الأدب الفرنسي لكن وجهته العربية كانت أعمق من الفرنسية، وتأثره بالرومانسية العربية القديمة دليل على ثقافته العميقة. وإذ كان شاعرا غنائيا رفيع المستوى الغنائي فقد تحرر على يديه من جمود الكلاسيكية وتقعرها وانساب في يسر وتناغم( ).  
وقد باتت قصائده هدفا للمطربين والمغنين، فغنى قصائده فريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، وفيروز، وغيرهم. ومن قصائده" يبكي ويضحك": 
يَبْكِي وَيَضْحَكُ لا حُزْناً وَلا فرحاً
 كَعَاشِقٍ خَطّ سَطْراً في الهَوَى وَمَحَا
مِنْ بَسْمَةِ الفَجْرِ هَمْسٌ في قَصَائدِهِ 
 وَمِنْ مُخَالَسَةِ الظَّبْي الذي سَنَحَا 
قَلْبٌ تمرَّسَ باللذاتِ وَهُوَ فَتًى 
 كَبُرْعُمٍ لمَسَتْهُ الرِّيحُ فَانفَتَحَا 
مَا لِلأَقَاحِيَّةِ السَّمْرَاءِ قَدْ صَرَفَتْ 
 عَنَّا هَوَاهَا، أَرَّقُ الحُسْنِ مَا سَمَحَا
وقصيدة الصبا والجمال: 
الصِّبَا وَالجَمَالُ مِلْكُ يَدَيْكِ    
 أَيُّ تَاجٍ أَعَزُّ مِنْ تَاجَيْكِ 
نَصَبَ الحُسْنُ عَرْشَهُ فَسَألْنَا 
 مَنْ تَرَاهَا لَهُ؟ فَدَلَّ عَلَيْكِ
فَاسْكُبِي رُوْحَكِ الحَنُوْنَ عَلَيْهِ 
 كَانْسِكَابِ السَمَاءِ في عَيْنَيْكِ 
سَكِرَ الرَّوْضُ سَكْرَةً صَرَعَتْهُ 
 عِنْدَ مَجْرَى العَبِيْرِ مِنْ نَهْدَيْكِ
وقال:
بَلِّغُوْهَا إِذَا أَتَيْتُمْ حِمَاهَا
 أَنَّنِي مِتُّ في الغَرَامِ فِدَاهَا
وَاذْكُرُونِي لَهَا بِكُلِّ جَمِيْلٍ
 فَعَسَاهَا تَبْكِي عَلَيَّ عَسَاهَا
وَاصْحَبُوْهَا لِتُرْبَتِي ، فَعِظَامِي
 تَشْتَهِي أَنْ تَدُوْسَهَا قَدَمَاهَا
ويقول في قصيدة أخرى:  
يَا عَاقِدَ الحَاجِبَيْنِ عَلَى الجَـبِيْنِ اللُّجَيْن
 إِنْ كُـنْتَ تَقْصِدُ قَـتْلِي قَتَلْتَنِي مَرَّتَيْن
تَبْدُوكَأَنْ لا تَرَانِي وَمِلءُ عَـينيكَ عَيْني
 وَمِثْلُ فِعْلِكَ فِـعْلِي وَيْلِي مِنَ الأحْمَقَين
ومن قصائده أيضا : 
قَدْ أَتَاكَ يَعْتَذِرُُ 
 لا تَسَلْهُ مَا الخَبَرُ 
كُلَّمَا أَطَلتَ لَهُ 
 في الحَدِيثِ يخْتَصِرُ 
في عُيُوْنِهِ خَبَرُ 
 لَيْسَ يَكْذِبُ النَّظَرُ 
      وعلى الرغم من مسيحيته فإنه يضفي أوصافا إسلامية ظاهرة في صوره وتشبيهاته بشكل لافت، فانظر إلى قصيدة "النوم الهني":
نمْ إِنَّ قَلْبي فَــوْقَ مَهْدِكَ كُلَّمَا
 ذُكِرَ الهَوَى صَلَّى عَلَيْــكَ وَسَلَّمَا
نَمْ فَالملائكُ عَينُهَا يَقْظَــى فَذَا
 يَرْعَاكَ مُبْتَسِمـــا وَذَا مُتَرَنما
وقصيدة" أضنيتني بالهجر": 
أَضْنَيْتَني بالهَجْرِ مَا أَظْلَمَكْ
 فَارْحَمْ عَسَى الرَّحْمَنُ أَنْ يَرْحَمَكْ
مَوْلايَ حَكَّمْتُكَ في مُهْجتي
 فَارْفقْ بِهَا يَفْدِيْكَ مَنْ حَكَّمَكْ
مَا كَانَ أَحْلَى قُبلاتِ الهَوَى
 إِنْ كُنْتَ لا تَذْكُرْ فَاسْأَلْ فَمَكْ
ومن قصائده أيضا: 
جَفْنُهُ عَلَّمَ الغَزَلْ ومنَ العِلْمِ مَا قَتَلْ
فحرقْنَا نُفُوْسَنَا في جَحِيمٍ مِنَ القُبَلْ