المسرح الغنائي هو عبارة عن عرض مسرحي يعتمد على سرد القصص من خلال الاغاني الجماعية او الفردية، وحيث يجمع بين عناصر الموسيقى والأغنية والاستعراضات الراقصة والحوارات المنطوقة، بشرط أن تكون لهذه الأغاني والاستعراضات الراقصة ضرورة درامية تخدم الصراع، وتساعد على تطوره، وتنمى الحدث الدرامي، وليس على سبيل الترويح أو التزيين للعمل الدرامي. كما أن للموسيقى فيه تصور تعبيري غير طربي يساهم في تنمية الحدث الدرامي والحركة الدرامية التي غالباً ما تكون حركة راقصة استعراضية تعبيرية تصور معاني الأغنية، وفي الغالب تحتوي المسرحية الغنائية من عشرين إلى ثلاثين أغنية، إضافة إلى بعض الحوارات، وقد تنوعت صور المسرح الغنائي وتعددت أنواعه بين الأوبرا، والأوبريت، والكوميديا الموسيقية، ومن ثم فإن ارتباط الدراما المسرحية بالموسيقى والغناء والرقص ارتباطاً عضوياً، فإنها تنتج ما يسمى بالمسرح الغنائي، وعليه فإن المسرح الغنائي هو مسرح شامل.
أما المسرح الاستعراضي فهو اختراع مصري اخترعه المخرج الفرنسي المصري "دارسييه" والفنان المصري القدير نجيب الريحاني وكانا اصحاب مسارح متنافسة عام 1922م ويريد كل منهما جذب الجمهور لمسرحه من خلال اعلام الجماهير أن المسرح يحوي غناء ورقص ومن ثم فكلمة استعراضي ليست دالة على المسرح الغنائي الموسيقي وإنما إذا جاز التعبير هي مصطلح تجاري محض.
وقد بدأ المسرح الغنائي في مصر بدايات قد تبدو بسيطة لكونها اعتمدت على الأغنية الفردية كما كان الحال في مسرح الشيخ سلامة حجازي حتى بعد ضمه للشيخ سيد درويش، ولم يتطور المسرح الغنائي إلا على يد السيدة منيرة المهدية، وإن كان البعض يضع الفنان فوزي الجزايرلي مؤسس فرقة مسرح الكلوب المصري بحي الحسين والفنان على الكسار كرائدان أوائل من رواد المسرح الغنائي الاستعراضي في مصر إلا أنهما – في تقديري – لم يختلفا كثيراً عن مسرح سلامة حجازي في وضع أغاني فردية وبعض الرقصات التي لا علاقة لها بتنمية الدراما بل وغالبا مالا يكون لها علاقة بالدراما بل بما كان معروفاً وقتها برقص العوالم، وكان مسرحهما يمكن ان نطلق عليه ( كباريه فني ) ولكنهما مع ذلك نبها المسرحيين المعاصرين لهما لأهمية وجود الغناء والرقص داخل العرض المسرحي ليزيد من ترفيه المشاهد الذي يطربه الغناء وتمتعه الرقصات حتى وإن كانت لا علاقة لها بالحدث الدرامي، أما السيدة منيرة المهدية فكان لها رأي آخر، بل ومنحى آخر لتوظيف الأغنية لخدمة العمل الدرامي وتنميته، فحين انضمت لفرقة عزيز عيد الذي أكتشفها وصار استاذها وأول من جعلها تعتلي المسرح كأول أمرأه مصرية تعتلي المسرح لتمثل وتغني، وجدت أن الجمهور يحضر للمسرح لكي يستمع إليها في المقام الأول، وعليه قررت الانفصال عن فرقة عزيز عيد لتقوم بعمل فرقة خاصة بها والتي كانت وبلا شك أول فرقة مصرية تقدم مسرحاً غنائياً بمعناه الحقيقي فقدمت أكثر من ( 42 ) مسرحية غنائية وأوبرا واوبريت وهو أكبر كم يمكن حصره لفنان مصري على الإطلاق، ومن ثم يمكن اعتبار منيرة المهدية هي الأب الروحي للمسرح الغنائي في مصر والشرق بمعناه الكامل والشامل، وقد استفزت منيرة المهدية بمسرحها الغنائي أقطاب المسرح في ذلك الوقت أمثال الفنان الكبير جورج أبيض الذي جاء بالشيخ سيد درويش ليقدما سوياً أول اوبريت مصري بموسيقى تعبيرية ورقص تعبيري وهو أوبريت فيروز شاة، ولما كانت الموسيقى التعبيرية غير مألوفة لأذن المستمع الشرقي لما تحويه من تصوير درامي بالموسيقى للحدث فقد فشل الأوبريت وعاد سيد درويش للإسكندرية لكن من تصور أن هذا الأوبريت هو نقلة جديدة وثورة في عالم المسرح الغنائي العربي كان بديع خيري الذي أقنع سيد درويش بإعادة المحاولة في مسرح الريحاني بأوبريت يحمل كل أدوات الأوبريت الفعلية وبالفعل قدما أول ما قدما أوبريت العشرة الطيبة الذي لاقى نجاحاً باهراً وتحول كامل في تلحين الأغاني وأجزاء من الحوار المسرحي بالحان تعبيرية درامية إلى جانب وضع موسيقى تصويرية مصاحبة لمشهد درامي معين داخل العمل المسرحي الغنائي بحيث اختلف الأوبريت على يد سيد درويش وبديع خيري عن كل الأوبريتات التي سبقته خاصة تلك التي قدمتها منيرة المهدية وحتى سيد درويش نفسه في فيروز شاه مع جورج أبيض بل وجعلا الأوبريت لا يخضع للقواعد الصارمة المتبعة في الأوبرا ويتخذ لنفسه مكاناً منفرداً تحت مظلة المسرح الغنائي بجانب الأوبرا والكوميديا الغنائية حيث جمع بين الحبكة الدرامية في حوار مسرحي شعبي وما يدعمها من أغاني واستعراضات تمثل الواقع الشعبي بتصور تعبيري راقص وموسيقى تعبيرية سريعة بعيداً عن أسلوب رقص العوالم والأغاني الفردية الذي كان متبعاً في ذلك الوقت خاصة في مسرح على الكسار والكلوب المصري.
أما أخر الفرق المسرحية التي قدمت مسرحاً استعراضياً فكانت فرقة محمود شكوكو مع ثريا حلمي وسعاد مكاوي على مسرح الأزبكية حتى عام 64، حيث جمع فيه محمود شكوكو بين المونولوج والرقص والفكاهة والاسكتشات القصيرة ولكنه لم يعتمد فيه على رواية تمثيلية وحبكة درامية وربما كان في ذلك يعيد مجد مكتشفه الفنان علي الكسار، ويكاد محمود شكوكو أن يكون الوحيد في العالم – أو هو هكذا بالفعل – الذي أنشأ مسرحاً للمونولوج متفرداً بذلك على كل أنواع المسرح المعروفة والتي لم يفعلها سواه.
ولما كانت الفنون الشعبية جزءاً من المسرح الغنائي إذ تقدم الفلكلور الشعبي الراقص في صورة تابلوهات مغناة وتعبيرية كانت فرقة رضا التي لم يظهر بعدها فرقاً مصرية غنائية أو استعراضية أخرى بعد أن ترك الفنان محمود رضا إدارتها عام 1986م، لتكون اخر فرق المسرح الغنائي الاستعراضي في مصر، فهل ننتظر عودة المسرح الغنائي الموسيقي لساحة الفن في مصر من جديد، نأمل ذلك!