كان يحب هذا اللقب ولا يحب لقب الإعلامى، فقد كان بحق المحاور رقم واحد فى العالم العربى، الألفة، من الممكن والعادى والبديهى أن تختلف معه، وأنا شخصياً اختلفت معه حول آراء كثيرة له، ولكننا نتقابل بعدها بكل ود وحب لأن الخلاف كان فكرياً لا شخصياً، ورصيده الضخم ومخزونه الثرى فى بلاط صاحبة الجلالة يشفع له أى جملة عابرة هنا أو هناك لم تعجبك أو تتماشى مع أفكارك، يعنى ببساطة تختلف معه لا عليه، تعلم من أستاذه هيكل أهمية المصدر الصحفى والاقتراب منه واحترامه وخلق مساحة ود مشتركة بحيث لا تبتلعك كصحفى ولا تجعل منك جاسوساً عليه فى نفس الوقت فتتحول إلى كائن مزعج، هذه المساحة والمسافة كانت معادلة فى منتهى الصعوبة، تعلمها «مفيد» وكان من القلة التى تفردت بها، علاقات مع رجال سياسة وفنانين ومفكرين جعلت أى ضيف يتمنى أن يحاوره «مفيد»، حتى عندما كان يقدم برنامج «مفاتيح» الذى لم تكن له ميزانية ضيف ولا ملايين من التى تدفع للنجوم لقاء استضافتهم، كان يستضيفهم مجاناً لأنهم يسعون لشرف وبريق استضافة «مفيد» لهم، وتجربة أسئلتهم القصيرة السريعة الجذابة التى تحمل بلاغة عليها ختم «مفيد» الخاص جداً والذى لا يحمله إلا «مفيد» فقط فى جيبه الخاص، اقتباسات مفيد فوزى وعباراته القصيرة المباغتة تستحق أن يفرد لها كتاب، فهى مدهشة فى إيجازها ورشاقتها، تشرب فى نثره الشبيه بالدانتيلا أسلوب نزار قبانى وغادة السمان ومحمود درويش، وكان يردد دائماً أنا تلميذ سلامة موسى، الذى دخل «مفيد» جمعيته وهو على أعتاب المراهقة، دخل «روزاليوسف» وكان كورقة النشاف التى تمتص كل ما حولها، رؤية وسماعى، وظل إحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وفتحى غانم هم أساتذته فى الخبر والحوار والأسلوب، شاهدت وتابعت منذ أن كنت طفلاً تجربته فى إذاعة الشرق الأوسط ثم انطلاقته فى التليفزيون، وأعتقد أن هذه التجربة العريضة لم ينافسه فيها أو يقترب من غناها وثرائها إلا الفنان الراحل الجميل سمير صبرى، كانت لديه قدرة فذة مثل قدرة «إحسان» على اختيار عناوين كتبه وبرامجه، أذكر أننى عندما أبديت إعجابى ببرنامج «زيارة لمكتبة فلان» للمذيعة الراحلة نادية صالح قالت لى إنه من اختيار مفيد فوزى، وبالطبع كان اسم برنامج «صحبة وأنا معهم» لرفيقة الرحلة آمال العمدة من ضمن اقتراحات عناوين مفيد فوزى المدهشة، عرفته إنسانياً أكثر بعد زواجى، فقد كان من أقرب الأصدقاء لحماتى كوثر هيكل وحمايا أبوبكر عزت وكانوا يسافرون كعائلات فى إجازات الصيف وتنضم إليهم عائلة الراحل فاروق شوشة، وعاشرت عن قرب حزن كوثر هيكل على آمال العمدة التى كان رحيلها المبكر فاجعة وصدمة للجميع.
رحم الله مفيد فوزى آخر النجوم الصحفية الجماهيرية الذى كان يلتف حوله الجمهور فى الشارع مثل نجوم التمثيل، كان حديث المدينة حتى بعد رحيله.