أصبحت وقائع التحرش بالأطفال متكررة فى الأوانة الأخيرة وسط مخاوف كبيرة من زيادتها، حتى إنها إنتقلت من الشوارع إلى المدارس، وبدأت الأسر تتخلى تدريجياً عن خوفها وتخرج عن صمتها لتروى صوتًا وصورة ما حدث لأطفالهم من تحرش وإعتداء جنسى كما تناولت وسائل الإعلام المختلفة خلال الفترات الماضية بعض قصص الأمهات والأباء لتتحول إلى جرائم تقع تحت طائلة القانون، مما أثار القلق لدى الأهالى، الذين يخشون تعرض أطفالهم للتحرش بأى صورة فى صغرهم ما يؤثر عليهم سلبًا فى سنوات أعمارهم المقبلة ،وأصبحت تلك القضية قضية رأي عام، ولذا فتحنا هذا الملف الشائك ، وهو التحرش الجنسي بأطفالنا الصغار زهرة ومستقبل الأمة المصرية والعربية ،من خلال إستطلاع ومعرفة آراء أهل الإختصاص والخبرة والمعرفة ،حول أسباب تلك الظاهرة الغريبة عن مجتماعاتنا الإسلامية والمنافية تماماً لعاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا ،وبيان طرق القضاء عليها ،ومعرفة رأي الدين والقانون ودور الإخصائيين الإجتماعيين في المدارس والدعاة والأئمة في المساجد وأهل الفن ،من أجل توعية الأسر لهذا الخطر الداهم ،والذي يهدد مستقبل أطفالنا ،ومن ثم مستقبل وطننا الغالي مصر والأمة العربية والإسلامية كافة.
وطرحنا سؤالنا على الفنانة القديرة "سلوى عثمان" ،وسألناها هل من الممكن تشارك في تجسيد عمل سينمائي أو دراما تليفزيونية لمعالجة قضية التحرش الجنسي بالأطفال ؟أجابت :كما تعلمين أن الفن ما هو إلا رسالة سامية ؛ لتثقيف وتنوير المجتمع وعرض و حل مشاكله ،وبالطبع ليس لدي أي مانع في المشاركة في عمل سينمائي يعالج مشكلة التحرش الجنسي ضد الأطفال ،وأتمنى يكون هذا العمل مكتوب بشكل جيد ويراعي الحبكة الدرامية و أبعاد تلك القضية بدون خدش حياء المتفرجين وتقديم الحلول المناسبة من أجل القضاء على هذه الظاهرة المقلقة للأسرة المصرية والعربية .
وحول أسباب تلك الظاهرة قال المخرج القدير "مصطفى الشال": بالطبع لابد للفن من دور إيجابي في هذه القضية والتي تهم المجتمع بكافة فئاته ،فالفن ما هو إلا مرآة تعكس مشاكل وقضايا المجتمع ،إذا وجب على صناع الدراما ،صُنع أعمال درامية بشكل متعمق ،تناقش تلك الظاهرة وتقديم الحلول الجذرية لها ؛ لأن التحرش بالأطفال بالطبع شئ مخالف لعاداتنا وتقاليدنا كمجتمع شرقي يختلف تمامًا عن عادات وتقاليد الغرب ،وللأسف الشديد يعتبر عدم إحتشام بعض الفتيات في الملبس وكذلك الشوسيال ميديا من ضمن الأسباب التي أدت لظهور ظاهرة التحرش بفتياتنا وأطفالنا على حد سواء .
وعن دور معلمات رياض الأطفال بإعتبارها مرحلة محورية وهامة في تنشئة الطفل والحفاظ على نفسه ضد التحرش قالت ميس / هالة محمد عثمان موجه أول رياض الأطفال : للمعلمة دور مؤثر وفعال في تفعيل النشرات الخاصة بكل ما يتعلق بالطفل بمرحلة رياض الأطفال بمستويهما kg2 - kg1 وخاصة نشرة " جسمي ملكي " والتي تتناول كيفية تعليم أطفالنا الصغارالتفرقة بين اللمسة الآمنة من الوالدين والأقرباء الموثوق فيهم واللمسة الغير آمنة خاصة من الغرباء أو الأقارب الغير موثوق فيهم ، بالإضافة إلى تعليم الطفل كيف يحمي نفسه ضد التحرش ، وكيف يتصرف في حالة حدوث ذلك ، ويتم تعليم وتوعية الأطفال بإستخدام القصص بأنواعها المختلفة والألعاب الحركية والدراما التمثيلية ومشاهدة أفلام الكرتون من خلال معامل الوسائط والتي توعي هؤلاء الأطفال لهذا الخطر الداهم ويالتنيه عليهم بأن يكونوا دائماً في حالة يقظة وبالإضافة للتنسيق والتعاون والتواصل المستمر مع أخصائيين التربية الإجتماعية والنفسية بالمدارس من خلال معلمات مرحلة رياض الأطفال .
وعن كيفية التعامل مع الطفل الذي تعرض للإعتداء الجنسي قالت ميس / نجلاء عبد الفتاح موجه أول تربية نفسية :
في هذه الحالة يجب على الوالدين الاستماع جيدًا للطفل بكل هدوء وطمأنة الطفل بأنه لم يخطئ والتأكيد له بأنه لن يتعرض لذلك مجددًاً ،وتعليم الطفل أنه فعل الصواب عندما حكى لأبويه ما حدث بالضبط ،وأخيرًاً أى أسرة تعرض طفلها للتحرش الجنسى على الفور يتم عرض الطفل على طبيب معالج ، حتى يتسنى إمكانية علاج الطفل على الفور ،والأهم في مرحلة العلاج عدم توبيخ الطفل وإحتواؤه وعدم إشعاره بالخزي والعار.ويتم كذلك إستشارة الطبيب النفسي ويتم شغل وقت فراغ الطفل بالهوايات المحببة له أو ممارسة الأنشطة الرياضية المختلفة .
وإستعرضنا الموضوع من الناحية القانونية مع الأستاذ / عربي ابو العز _ المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا _حيث قال : الحقيقة أن قانون العقوبات المصري لم ينظم حماية قانونية خاصة للطفل في جرائم التحرش، واكتفى القانون بتطبيق المواد« ٣٠٦ مكرر أ»،«٣٠٦ ب والماده ٢٦٨» من قانون العقوبات والمؤسف أن هذه العقوبات في حقيقتها جاءت هزيله وغير رادعة ولا تعادل أبدًاً الأثر السيء والمدمر أحيانًاً لضحايا جريمة التحرش وخصوصًاً إذا كان المجني عليه طفل.
هذا وقد نصت الماده« ٣٠٦مكرر أ» من قانون العقوبات على أنه " يعاقب المتهم بالحبس مده لا تقل عن «٦ أشهر» وبغرامه «لاتقل عن ٣ آلاف جنية ولا تزيد عن ٥ آلاف جنية» أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص بإتيان امور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل باية وسيلة بما في ذلك وسائل الإتصالات السلكية أو اللاسلكية، وتكون العقوبة الحبس مده لا تقل عن «سنة وبغرامه لا تقل عن خمسة آلاف جنيه» و«لا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين» إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقه والتتبع للمجنى عليه، وفى حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديها الأدنى والأقصى.
والماده «٣٠٦ ب» : يعد تحرشًاً جنسيًاً إذا إرتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة «٣٠٦ مكرر أ» من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة جنسية ويعاقب الجاني بالحبس مده لا تقل عن «سنه وبغرامه لا تقل عن عشرة آلاف جنية» ولا تزيد عن «عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين»، فإذا كان الجاني ممن نص عليهم القانون في الفقرة الثانيه من الماده «٢٦٧» من هذا القانون أو كانت له سلطه وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس علية أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو أُرتكبت الجريمه من شخصين فأكثر وكان أحدهم على الأقل يحمل سلاحًاً تكون العقوبة الحبس مده لا تقل عن «سنتين» ولا تتجاوز «خمس سنوات» والغرامة التي لا تقل عن «عشرين ألف جنية» ولا تزيد عن« خمسين ألف جنيه».
ومما سبق يتضح أن قانون العقوبات المصري بصورته الحالية في أمس الحاجة لتعديل نصوصه وسن قوانين جديدة بشكل قوى ورادع لتوفير الحماية الكافية للأطفال من جرائم التحرش والإنتهاكات الجنسية.
وأخيراً طرحنا سؤالنا على فضيلة الشيخ / محمد الخراشي أحد أئمة وزارة الأوقاف بمحافظة الإسكندرية عن رأيه في تلك الظاهرة أجاب : فإن شريعة الإسلام جاءت بالنهي عن الفحشاء والمنكر ونبينا الكريم صلوات ربي وتسليماته عليه قال :ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ ،وأنه لن يدخل الجنة فاحش.
و يُعد التحرش في الإسلام حرام وكبيرة من الكبائر التي ينهانا الإسلام عنها ،وحذرنا من عقوبتها في الدنيا والآخرة ، وكنت قد شاركت في دورة نظمتها «منظمة يونيسف» بالتعاون مع المركز الدولي للدراسات بالأزهر الشريف بعنوان «العنف ضد الأطفال» ،حيث يعد التحرش ضد الأطفال نوع من أنواع العنف، وأحيانًا الطفل لايعي ولايفهم مايقع عليه من إعتداء جنسي . كما أن أهله لايتحرزون من تركه مع الكبار ( المتحرشين )الذين يشبعون شهوتهم على خلاف الفطرة السليمة واختتمنا هذه الدورة ببحث حول كيفية معاملة الأطفال ،وعدم المساس بهم سواء كانوا في المدارس أو في النوادي أو في المواصلات .
وللأئمة والدعاة دور هام بصدد تلك الظاهرة، في التحذير والتنبيه علي أولياء الأمور لمراقبة الأطفال ،وكذلك تعليم الأبناء آداب العورة وسترها، وتعليمهم أن هناك أجزاء من الجسد لا أحد يراها.
وعن عقوبة المتحرش قال فضيلته : الشرع جعل لهذه الجريمة عقوبة يطبقها الحاكم أو القاضي وهي التعزير وهو التأديب والسجن لكن لاتصل إلى حد القتل .
لذا انبه الجميع لمراقبة الأولاد وعدم تركهم بمفردهم في أماكن لايوجد بها أحد والخروج معهم أيضاً في معظم الأوقات وتعليم الطفل الحلال والحرام لأن شريعتنا الغراء حرمت هذا وجعلته من الكبائر لأن فيه قتل للطفولة وإنتهاك للبراءة.
وختاماً حول أسباب تلك الظاهرة قالت :الأستاذة / حنان مكرم خبير وأخصائي إجتماعي بالأزهر الشريف بمنطقة الجيزة ومديرة إدارة لم الشمل بالأزهر الشريف "التحرش الجنسى من الظواهر الشاذة على مجتماعاتنا العربية و التى ظهرت مؤخرًاً على السطح ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها :1-أمراض نفسية يصاب بها المتحرش جنسيًا قد تكون ناتجه عن مشاكل إجتماعية ونفسية تعرض لها المتحرش فى الصغر .
2- الفراغ الذي يعيشه المتحرش وقد يؤدي ذلك لمحاولة إستغلال الأطفال جنسيًاً .
3-وسائل التواصل الإجتماعى المتاحه بلا رقابة، مما يثير الغرائز فى بعض النفوس الضعيفة والبعيدة كل البعد عن تقوى الله.
4-غياب الواعظ الدينى بسبب ما نعيشه حاليًاً من إنحدار أخلاقي .
وعن الكيفية التي تكتشف الأم بها تعرض طفلها للتحرش أو الإعتداء الجنسي أجابت عن طريق وجود آثار دم بالملابس الداخلية للطفل أو تغير مفاجئ في عادات الأكل أو النوم أو إستخدام الحمام ، والأحلام المفزعة أو الخوف الشديد والبكاء بدون سبب واضح، وقد يصاب الطفل بعدم التحكم في بوله وتبرزه ومشكلات في النمو الجسدي له وقد يكون لدى الطفل أيضاً مشكلات في النوم وعدم قدرته علي تكوين صداقات وتجنب التعامل مع الصغار أوالكبار.
إذا وجدت الأم الطفل بدأ ينعزل عن الأسرة ويميل إلى الإنطواء ،وعند ذكر شخص معين يرتبك الطفل ،ويظهر عليه الخوف وفقدان الشهيه والشكوى أحيانًا من آلام فى مناطق معينة من الجسد .
وعن طرق مجابهة تلك الظاهرة أردفت قائلة : وهنا يأتي دور وسائل الإعلام لعمل أفلام كرتون توعوية وإرشادية و قصيرة عن التحرش حيث أن الشخصيات الكرتونية أكثر تأثيرًاً على الأطفال،و للمدرسة أيضاً دور هام عن طريق إسناد حصة إرشادية لمعلمين مؤهلين تربويًاً لشرح الظاهرة بطريقه مبسطه ،و لا تخدش حياء الأطفال .