بعد أن تداولت الأقلام علي مدي الأيام الماضية بجدل شديد موضوع إدمان الفنانة شيرين عبد الوهاب للمخدرات
لن أشارك أبداً في هذا الجدل بل سأتوجه برسالة لكل مدمن و لأسرته :
مَن مِنّا لم تجلده الحياة يوماً ،مَن مِنّا لم يُدمِي قدميه على دروبها ، من مِنّا لم يَتُه ولو لمرّاتٍ في أزقّتها يوم تصوّرنا الأزقّة قناديل ظنناها أعمدة نور تراقص الفراشات
ومن مِنا لم يتصوّر ذاته ذات يوم الفراشة التي لا تُحرق والتي لا تُغرق ومَن كان مِنّا أتقن ، على مدى سنين أعمارنا كيف يقف ولو لمَرّة على حدّ السيف بين النار والنور؟!
أياً تكن مواضيع حياتنا ، ألم نتعب ؟ ألم نتحامل على أجنحتنا المحترقة ؟
أما داويناها بأسفنا وبصلاتنا و إرادتنا وقراراتنا ؟
فإسمعني إسمعني !!! إسمعني يا أخي و يا ابني و يا مريضي إسمعني !!!
لا شيء في الحياة أصعب وأسوأ من غياب العقل والضمير، وإذا غاب العقل غاب الضمير، وتحوّل الإنسان إلى مجرد كائن يهيم على وجهه لا هو بالحي ولا بالميت، يفقد كل المعاني والقيم ويؤذي نفسه ومن حوله، و عن قريب قتل أخ أخاه لاختلافهما على توزيع المخدّرات بينهما، وفي أسبوع واحد تكررت جرائم بشعة ربما لا يستطيع الشيطان تدبيرها، كل ذلك بسبب المخدرات.
هناك أسباب كثيرة تؤدي إلى إدمان المخدرات وكذلك الكحول، ويتساوى في ذلك الغني والفقير، ويحتاج التوقف عنهما إلى وقفة وقرار حاسم، حتى يحيا الإنسان حياة كريمة وينقذ نفسه ومن يحبهم
*أولا: نُعَرّف أولا ما هو مفهوم المخدرات :
تعرف المخدرات بأنها عقاقير نفسية ومنشطة يتعاطاها الكثيرون بغرض تحسين المزاج، أو تحسين الأداء الرياضي نتيجة تأثيرها على العقل، وهو ما يؤدي إلى الإدمان والحاجة الملحة إلى تعاطيها، ومن أشهر أنواع المخدرات، والكوكايين، والقنب، والميثاكوالون، وتجدر الإشارة إلى أن أضرار المخدرات لا تنحصر في تشويه فسيولوجية الدماغ ودفع المدمن إلى الانتحار فحسب، بل تؤدي إلى العزلة الاجتماعية، وزيادة احتمالية ارتكاب المدمن جرائم جنائية بما في ذلك العنف الجسدي والجنسي، بالإضافة إلى السرقة والاعتداء.
*ثانياً: أسباب تعاطي المخدرات:
١- تبدأ بانعدام الرقابة الداخلية في الأسرة لا سيما أن حوالي 80% من مدمني المخدرات يعيشون وسط أسرهم، وقد أفادت إحصائيات في انخفاض سن التعاطي ليبدأ من 10 سنوات بعد أن كان 30 سنة سابقًا.
٢- إدمان التدخين، فقد أثبتت الأبحاث أن 99% من مدمني المخدرات مدخنون، بل ما نسبته 20% منهم يدخنون أكثر من 40 سيجارة على الأقل يوميًا، وهو ما دفعهم إلى تجربة شيء جديد.
٣- أصدقاء السوء والإنجرار وراءهم، وقد يكون هذا الانسياق نابعاً عن اضطراب في الشخصية، أو حب الفضول، أو ملء وقت الفراغ، لا سيما وأن إلحاح الأصدقاء لخوض مثل هذه التجارب يكون شديداً ويصعب على المراهق أو الطفل مقاومته.
٤- التعرض لفترات طويلة من اضطراب الحالة النفسية والمزاجية، وهو ما يؤدي إلى نوبة كآبة حادة مليئة بالتوتر، فيتبعها حاجة ملحة للشعور بالسلام الداخلي اللحظي بغض النظر عن الوسيلة.
٥- إصابة المرء بأمراض بدنية لا يُرجى شفاؤها، فقد سجلت حالات طبية عديدة لجوئها إلى إدمان المخدرات هربًا من الألم والمعاناة الجسدية.
٦- اعتقاد البعض بفاعلية المخدرات في تحسين القدرة الجنسية للتمتع بفترات جماع طويلة، ولكن الحقيقة مغايرة تمامًا لهذا الاعتقاد.
٧- الجهل وانخفاض المستوى العلمي للشخص، وهو سبب غير مباشر ناتج عن سوء التعامل مع الأزمات الحياتية.
٨- تقليد الأسرة في حال كان أحد الأفراد يتعاطى، فالقدوة الأولى بالنسبة للطفل هو الأب والأم فإذا ظهر أحدهما بحالة سكر أمام الطفل فإنه سينجر لتعاطي المخدرات وإدمانها.
٩- الضغط على الأبناء، فلا شك أن الضغط يولد الانفجار، والكبت يسبب الانحلال، وهذا بالطبع يوازي الدلال الزائد بمعنى شعور الابن بحري فعل أي شيء، وضرورة الحصول على كل شيء، وأحقية تجربة كل شيء دون رقيب، وخير الأمور دائمًا أوسطها ما بين الرقابة والحرية.
١٠- أسباب مجتمعية بحتة نتيجة ترويج المخدرات لتصبح في متناول الجميع، وفي أماكن سهلة وقريبة للمتعاطين.
*ثالثا: سبب إساءة إستخدام المدمنين للمخدرات:
يمكن أن تتسبب عوامل متنوعة في استخدام وإساءة استخدام المدمنين للمخدرات. ويحدث الاستخدام للمرة الأولى في الأماكن الاجتماعية، حيث يسهُل الحصول على المخدرات مثل الكحوليات أو السجائر.
ويمكن أن يكون الاستمرار في تعاطيها نتيجة عدم الشعور بالأمان أو الرغبة في الحصول على القبول الاجتماعي.
وغالباً ما يشعر المدمنون بأنهم غير قابلين للضرر، وربما لا يتدبرون عواقب أفعالهم، ما يؤدي بهم إلى المجازفة الخطيرة بتعاطي المخدرات.
و تتضمن عوامل الخطورة الشائعة لتعاطي المدمنين للمخدرات ما يلي:
١- وجود تاريخ عائلي من تعاطي المخدرات
٢- حالة صحية ترتبط بالعقل أو السلوك، مثل الاكتئاب أو القلق
٣- اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)
٤- السلوكيات الاندفاعية أو المنطوية على المخاطرة
٥- وجود تاريخ من الأحداث المؤلمة، مثل تجربة حادث سيارة أو الوقوع ضحية لسوء المعاملة
٦- قلة تقدير الذات، والشعور بالرفض الاجتماعي
*رابعاً: عواقب تعاطي المخدرات:
يمكن أن تشمل العواقب السلبية لتعاطي المخدرات ما يلي:
١- إدمان المخدرات: صغار السن الذين يتعاطون المخدرات أكثر عرضة لخطر فرط تعاطي المخدرات في ما بعد.
٢- سوء الحكم: يرتبط تعاطي المخدرات في سن صغير بسوء الحكم في الإنفاعلات الاجتماعية والشخصية.
٣- اضطرابات الصحة العقلية: تعاطي المخدرات يمكن أن يعقد أو يزيد من خطر اضطرابات الصحة العقلية، مثل الاكتئاب والقلق.
٤-مخاطر قيادة المركبات: إن القيادة تحت تأثير أي مخدر يمكن أن تقلل من المهارات الحركية للسائق وتُعرض السائق والركاب وغيرهم من الموجودين على الطريق للخطر.
٥- تغيرات في الأداء الدراسي: استخدام المواد المخدرة يمكن أن يؤدي إلى تدهور في الأداء الأكاديمي.
*خامساً: العلامات التحذيرية لتعاطي المخدرات:
يجب الانتباه إلى العلامات التحذيرية المحتملة، مثل:
١- التغيير المفاجئ أو البالغ في الأصدقاء أو العادات الغذائية أو أنماط النوم أو المظهر البدني أو التنظيم أو الأداء الدراسي أو الوظيفي.
٢-سلوك غير مسؤول وضعف القدرة على اتخاذ القرارات وفقدان الاهتمام بشكل عام.
٣-انتهاك القواعد أو الانعزال عن الأسرة.
٤-وجود عبوات أدوية أو أدوات المخدرات في غرفته على الرغم من عدم إصابته بمرض
*سادساً: الآثار السلبية الناتجة عن تناول المخدرات:
تناوُل العقاقير يُمكِن أن يُؤَدِّي إلى الإدمان وإلى اعتلال شديد ربما يصل إلى المرض والموت. تشمل المخاطر الصحية للعقاقير شائعة الاستخدام، ما يلي:
الكوكايين: خطر الإصابة بنوبة قلبية وسكتة دماغية ونوبات.
الإكستاسي: خطر الإصابة بفشل الكبد وفشل القلب.
مواد الاستنشاق: خطر تَلَف القلب والرئتين والكبد والكلى من الاستخدام لفترات طويلة.
الماريجوانا: خطر الإصابة بضعف في الذاكرة والتعلُّم وحل المشكلات والتركيز؛ إضافة إلى خطر الإصابة بالذهان، مثل الفُصام والهلاوس والبارانويا، في مرحلة لاحقة من الحياة المرتبط بالاستخدام المبكِّر والمتكرر كذلك ضعف الإنتصاب عند الرجال و البرود الجنسي عند السيدات.
الـميثامفيتامين: خطر السلوكيات الذهانية نتيجة الاستخدام لمدد طويلة أو جرعات عالية.
الأفيونيات: خطر الإصابة بضيق التنفُّس أو الوفاة نتيجة جرعة زائدة.
السجائر الإلكترونية (التبخير): التعرُّض للمواد الضارة المشابهة لتلك التي يُمكِن التعرُّض لها عند تدخين السجائر التقليدية؛ خطر إدمان النيكوتين.
*سابعاً: كيفية التحدث إلي المدمن خاصة إذا كان من أفراد الأسرة:
الاستفسار عن وجهات نظره: تجنب إلقاء المحاضرات. بدلاً من ذلك، استمع إلى رأيه وأسئلته حول تعاطي المخدرات. تأكد من أنه يمكنه أن يكون صادقاً معك.
ناقش طرق الامتناع عن تعاطي المخدرات: تجنب أساليب التخويف. أكّد أن تعاطي المخدرات يمكن أن يؤثر في الأشياء المهمة في الحياة - مثل الرياضة والقيادة والصحة والمظهر.
شجّع الصدق: تكلم بهدوء وصرح بأن كلامك نابع من القلق. شارك تفاصيل محددة تدعم شكوكك. تحقق من أي ادعاءات يقدمها
توخَ الحذر من الرسائل الإعلامية: يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية والأفلام أو الأغاني أن تضفي طابعاً سحرياً أو تسهّل من تعاطي المخدرات. وتحدث معه عما يشاهده أو يسمعه .
ناقش سبل مقاومة الضغط الحاصل من رفاق السوء: تبادل الأفكار معه حول كيفية رفض عروض المخدرات.
كن على استعداد لمناقشة رأيك في تعاطي المخدرات: فكّر في كيفية الرد إذا سألك هو عن تجربتك في تعاطي المخدرات. إذا أخبرته بعدم تعاطيك المخدرات، فاشرح له السبب. أما إذا كنت تعاطيت المخدرات بالفعل، فشاركه ما تعلمته من تجربتك.
*ثامناً: إستراتيجيات وقائية أخري:
إستراتيجيات أخرى تساعد علي الوقاية من تعاطي المخدرات:
إعرف أنشطة المدمن: انتبه لمحل إقامته .. اكتشف الأنشطة التي يشرف عليها الكبار ، والتي يهتم بها المدمن، وشجعه على المشاركة فيها.
ضع القواعد والعواقب: اشرح القواعد التي تتبعها أسرتك، مثل: مغادرة الحفلات متى تخللها تعاطي المخدرات، وعدم ركوب سيارة مع سائق تعاطى مخدرات. إذا أخفق المدمن في الالتزام بالقواعد، يجب إنفاذ العقاب الملائم.
اعرف أصدقاء المدمن: إذا كان أصدقاؤه يتعاطون المخدرات، فقد يشعر بإلحاح الرغبة في تجربتها هو الآخر.
تتبع كميات الأدوية الموصوفة طبياً وأماكنها: دوِّن مخزون جميع الأدوية التي يصفها الطبيب والأدوية المتاحة من دون وصفة الطبيب في منزلك.
وفر الدعم: امدحه وشجعه حينما يحقق نجاحاً ما. قد يساعد الارتباط القوي بينك وبينه على حمايته من تعاطي المخدرات.
كن قدوة حسنة: استخدم الأدوية الموصوفة طبياً وفقاً للإرشادات. ولا تستخدم العقاقير غير المشروعة.
احصل على المساعدة الاحترافية: إذا كنت تعتقد أنه منخرط في استخدام المخدرات بشكل كبير، اتصل بطبيب أو مستشار أو غيره من مراكز الإدمان المعتمدة الموثوق بها للحصول على المساعدة فبدء جلسات العلاج النفسي والسلوكي و الاستعانة ببعض الأدوية يُجنّب أي انتكاسات قد تتسبب بالعودة إلى نقطة البداية.
*تاسعاً: خطوات و أفكار عملية موجهه لكل مدمن:
١-: تحدّث الى نفسك عند الشعور بالرغبة، قاوم بالحديث إلى نفسك باستخدام المنطق والعقل، نظراً لأن الرغبة الشديدة ستمنعك من رؤية الصورة الكبيرة، واقتصار التفكير على اللحظة الحالية ورغبتك في التعاطي، تحدث إلي نفسك وبصوت مسموع جميع الأسباب التي اخترتها للإقلاع في المقام الأول، بالإضافة إلى جميع النتائج السلبية التي يمكن أن تحدث إذا اخترت التعاطي الآن، ذكّر نفسك دائماً وكن حاسماً، مع القناعة بأنك تستطيع الإقلاع.
٢- ممارسة هواية: إن ممارسة هواية تحبها يمكن أن تكون وسيلة ممتازة للإلهاء أثناء الرغبة في تعاطي المخدرات، حيث إن الفراغ والملل قد يساعدان على تقوية الرغبة الشديدة، فيحاول العقل إيجاد طريقة لملء الفراغ، وبالتالي توفر الهواية شيئاً آخر للانخراط فيه بخلاف تعاطي المخدرات، تتضمن بعض الهوايات التي يمكن ممارستها الرياضة والطهي والفنون والحرف اليدوية والمشي لمسافات طويلة وصيد الأسماك أو الكتابة.
٣- تماشى مع الموج للتغلب عليه دون أن يُغْرقك، بدلاً من محاولة إيقاف الرغبة كلها فوراً ومرة واحدة، كما لو أنك تحاول عدم سماعها، قم بخداعها واكسب بعض الوقت، وذلك أسلوب يقظ يعتمد على مبدأ قبول الرغبة بدلاً من مقاومتها والرغبة في زوالها.
فعندما تشعر بالرغبة بالتعاطي توقف واعترف بذلك، تقبلها تماماً كما هي ولا تحاول التخلص منها، اجلس وأغلق عينيك ولاحظ الأفكار التي تدور في ذهنك وأحاسيسك. على سبيل المثال، قد تقول لنفسك «أشعر بعدم الارتياح وأفكر في تعاطي المخدرات»، أو «يداي متعرقتان وقلبي ينبض بسرعة». صِف أكبر عدد ممكن من الأفكار والأحاسيس، حتى تفقد الرغبة في التعاطي تدريجياً مع الإصرار.
٤- الرعاية الذاتية والاهتمام بالنفس، فمثلاً يساعد الأكل الصحي وممارسة الرياضة بانتظام في تعزيز الصحة الجسدية والعاطفية، الأمر الذي لن يجعلك أقل احتمالية لتعاطي المخدرات فحسب، بل سيجعلك أكثر مرونة وقدرة بشكل أفضل على التعامل مع الرغبة في التعاطي.
وقبل كل شيء لابد من الاستعانة بالله والتوكل عليه وطلب العون منه في عبور هذه الكبوة وعدم العودة إليها، فالله قادر على كل شيء..
دمتم أصحاء و معافين في رعاية الله و أمنه