محيي الدين إبراهيم يكتب : الوهم الكبير للفرنسي جان رينوار ١٩٣٧ - من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية

محيي الدين إبراهيم يكتب : الوهم الكبير للفرنسي جان رينوار ١٩٣٧ - من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية
محيي الدين إبراهيم يكتب : الوهم الكبير للفرنسي جان رينوار ١٩٣٧ - من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية

 

 

يعتبر الفيلم بنظر النقاد والمؤرخين أحد روائع السينما الفرنسية، كما اعتبر أحد أهم وأعظم الأفلام التي أنتجت على الإطلاق في تاريخ السينما العالمية. وفي عام 2010، اختارته مجلة إمباير في المرتبة 35 من بين أفضل 100 فيلم سينمائي عالمي.

 أخرجه جان رينوار، وقد تشارك في كتابة السيناريو مع تشارلز سباك. تتحدث القصة عن العلاقات بين مجموعة من الضباط الفرنسيين الذين يؤسرون خلال الحرب العالمية الأولى وكانوا يخططون للهرب. أًخذ عنوان الفيلم من كتاب الوهم الكبير لمؤلفه الخبير الاقتصادي البريطاني نورمان إنجيل والذي ناقش فيه عدم جدوى الحرب بسبب المصالح الاقتصادية المشتركة لجميع الدول الأوروبية. يوضّح الفيلم النزعة الإنسانية للشخصيات من الجنسيات المختلفة. 

طاقم العمل

جان غابين، بدور الملازم الفرنسي مارشال، وهو ذو خلفية اجتماعية متوسطة.

مارسيل داليو، بدور الملازم الفرنسي روزنتال، وهو ثري من أصل يهودي.

بيير فرنسناي، بدور النقيب دو بويليديو، وهو ضابط فرنسي، لكنه ينتمي للطبقة الارستقراطية.

إريك فون ستروهايم، بدور النقيب (ثم أصبح برتبة رائد) 

فون راوفينشتاين، ضابط ألماني وينتمي للطبقة الارستقراطية.

ديتا بارلو، بدور إلسا، الأرملة الألمانية صاحبةالمزرعة.

جوليان كاريت، بدور كارتير

غاستون مودوت، بدور مهندس

جورجي بيرسليت، بدور ضابط

موسيقى جوزيف كوسما

تصوير سينمائي كريستيان ماتراس

توزيع شركة أفلام العالم

ويقول الكاتب والروائي سليم البيك في مجلة ( القدس العربي ) بتاريخ 18/07/2017 

هو أحد أهم أفلام المخرج الفرنسي، والذي تم إنتاجه بأفكاره عن الحرب والسلم وما بينهما، وهو وثيقة سينمائية تُضاف إلى فيلم رينوار الآخر، «قانون اللعبة».

وقد سُئل المخرج الأميركي أورسون ويلز، إن كان عليه أن ينقذ أربعة أفلام للأجيال القادمة، أفلام لآخرين وليس له، ما الذي سيختاره؟ فرد ويلز: «الوهم الكبير» لجان رينوار.

وتحكي قصة الفيلم أنه في ١٩١٦، اعتُقل طيّاران فرنسيان مع آخرين في معسكر ألماني، تنشأ بين أحدهما، القادم من عائلة غنية، وبين الضابط الألماني المسؤول عن المعسكر علاقة احترام وود، دون اكتراث لحالة الحرب بين بلديهما أو لحال الفقراء من بين المعتقلين. قد يكون هذا التقارب الإنساني، وإن أتى بنسخته البرجوازية، أحد عوامل مكافحة الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا للفيلم الذي سبق إنتاجُه الحرب العالمية الثانية بسنتين، فقد كان بالنسبة لوزير الدعاية السياسية النازي غوبلز العدو السينمائي رقم واحد، وحاول القضاء على جميع نسخه.

يُظهر الفيلم فكرة أساسية هي أنه رغم الحرب، يمكن أن يتبادل النّاس، بل المتحاربون، مشاعر إنسانية، ويتقاربون. نرى ذلك بين الضابطين كما نراه لاحقاً في الفيلم حيث تنشأ علاقة بين أحد الطيارين، بطل الفيلم (جان غابان)، وهو طيار كذلك إنما آت من عائلة فقيرة وليس ابن مصرفيّ يهودي كالآخر، وبين سيدة ألمانية لجأ هو وأحد السجناء الفرنسيين الفقراء إلى بيتها للاختباء من الجنود الألمان، وقد هربا من المعسكر. آوتهم وأطعمتهم وتعلمت منهم بعض الفرنسية، وهما ساعداها في أمور البيت، وقبل أن يكملا طريقهما إلى فرنسا وعدها الطيّار بالعودة والزواج منها حال انتهاء الحرب.

هذه العلاقة الإنسانية امتدت على النصف الأخير من الفيلم، في وقت كان نصفه الأوّل في المعسكر حيث يخطّط السجناء الفرنسيون للهرب، وإن كان معسكراً “مرفّهاً” لا تبدو عليه جدّية وصرامة الحرب الحاصلة خارجه، قد يعود ذلك لآمر المعسكر الذي تبادل أحاديث ودّية مع الطيارين الفرنسيين، كأن يقول لهما بأنه لم يكن يود أبداً أن يراهما عنده.

الشغل على سيكولوجيا الشخصيات بيّنٌ في الفيلم، ففي حين أن أحد الطيارين، العصامي الآتي من عائلة فقيرة، استطاع الهرب ووعدَ السيدة الريفية الألمانية بالعودة، تعاون الآخر مع الألمان وصار واحداً منهم، كجيش يخوض حرباً وليس كشعب أو كقوميّة أخرى، فالفيلم تخطى مسألة العرقيات ليقدّم فكرة إنسانية تقدّم النّاس، على كلا الجانبين، كأخيار أو أشرار حسب القرار الشخصي لكل منهم، ما يعيدهم إلى أساس الانتماء الإنساني، وهي رسالة الفيلم الكبرى. قال المخرج الفرنسي فرانسوا تروفو عن الفيلم بأنّه مبني على أن العالم مقسَّم أفقياً حسب الانحيازات وليس عمودياً حسب الحدود.

ضمن المعتقلين الفرنسيين، هنالك كذلك تجاوز للتفاوت الطبقي، إلى تشارك في المحنة الإنسانية، الوطنية بشكل أو بآخر، وقد تمرّدوا معاً بأشكال عدّة كفرنسيين لا فوارق طبقية بينهم في المعتقل، من بين هذه الأشكال كان، إضافة إلى محاولة الهرب بحفر نفق، قطع عرض ترفيهي يُجبرون على القيام به متنكّرين بأزياء نسائية، لتسلية الألمان، قطعه والبدء في غناء نشيدهم الوطني، المارسييز، بلحنه وكلماته المفعمة بالوطنية، وهو النشيد المقترن بالثورة الفرنسية عام ١٧٨٩. البعد الإنساني للفيلم والعلاقات الناشئة بين فرنسيين وألمان، فيه، كان السياق الذي جعل للنشيد الفرنسي، كما هي المقاومة الفرنسية لاحقاً ضد النازية، بعداً تحررياً إنسانياً يطرح عناوين كالحق والظلم، بعيداً عن المسألة القومية والحروب.

لكن الفكرة الإنسانية لم تعتدِ على الجانب الطبقي في فيلم اليساري رينوار، وقد تعدّت الجانب القومي، فالضابط الفرنسي الذي تصاحب مع الألماني وتعامل معه أخيراً، كان من طبقة “النوفو ريش” أي الأثرياء الجدد، وكان، ضمن معتقله مع الفرنسيين الآخرين الأقل تعاوناً وعملاً بينهم، كان أقرب للضابط الألماني منه إلى المعتقلين الفرنسيين، ما أعطى أخيراً لإنسانية الفيلم واقعيّة وأبعده عن المثالية التي يمكن أن تقع بها أعمال سينمائية تقارب الإنسانية والسلمية وتناهض الحروب، وهذه الأخيرة لا يشنّها الفقراء على كل حال، بل هم وقودها.

أثبت رينوار في فيلمه هذا كما في غيره بأنّه أحد أبرز الأسماء في السينما العالمية ذات المقاربات الإنسانية بمعناها الأوسع، وليس الحديث هنا عن الجانب التجريدي والنظري عن الإنسانية، بل عن شخصيات حقيقية، لها أسماء وحكايات، أناس بسطاء فقراء كانوا لدى رينوار التجسيد الحقيقي للإنسانية، ليقدّم كل ذلك أخيراً، فنياً، في شكل جعل فيلمه من بين الأفضل في تاريخ السينما، حتى اليوم، إذ يبلغ عامه الثمانين ومازالت الحروب تتواجد وتتكاثر في عالمنا بقرارات حكّامه الجشعين.