أحمد الحالم بالثراء والسفر ،والذي شعاره في الحياة" فاز باللذة كل مغامر ،ومات بالحسرة كل جبان" ،كان يردد هذا البيت من الشعر دائماً، وكأن المتنبي لم يقل غيره، رفض أحمد نصيحة :والدته أن يؤجل سفره للبنان حتي يحصل على مؤهله العالي ,رفض توسلاتها وتذكيرها له بتفوقه الدراسي، فشلت أيضاً في السابق أن تثنيه عن السفر وخاصة أنه؛ ولدها الوحيد الذي تعيش معه, بعد وفاة والده وزواج أخته واستقرارها في القاهرة.
استقر في بيروت, ولأن الطيور على اشكالها تقع فقد؛ تعرف مجموعة تشبهه في الخصال، تجار صغار, ولكن طموحهم بلا حدود, يبيعون ,ويشترون ينتقلون بين الدول, وكأنهم يتجولون بين شارع ،وحارة ،وضع يملكه ما معه من نقود كانت :أعطتها له والدته قبل السفر قبل أن تقول لولدها: أتمني أن تتمتع بهذه النقود، ثم تعود إلى مرة أخرى بعد أن تنفقها ،ثم اردفت وكانت عبراتها تتسابق مع كلماتها: لقد حلمت لك حلما الليلة الماضية ظل صامت ولم يسألها عنه، أنك كنت مع أولادك تمرحون ،وتضحكون وأنتم في قمة السعادة في هذا البيت ، حلم أمه ظل يسكن منطقة مقدسة من ذاكرته لا يطلها النسيان.
ساهم بأموال؛ والدته وأصبح شريك ثلاثة هو رابعهم؛ ازدهرت تجارتهم كان اللبنانيين الثلاثة شطارا بلغة أهل: السوق استقروا أخيراً ومعهم احمد في الغرب الإفريقي، ظل أحمد يراسل؛ والدته و يغدق عليها من أمواله، وذات يوم أخبرته أخته الوحيدة في رسالة أن والدته توفت، وأنها ترغب في بيع البيت القديم، لأنها في حاجة لنصيبها من الميراث، فوافق احمد على الفور حتى ؛لا يكون هناك مبرر: للعودة مرة أخرى؛ لدمياط بعد بيع ووفاة والدته :فأرسلت له شقيقته نصيبه من ثمن البيت؛ القديم لمكان إقامته، وتمنت له السعادة قبل أن ينقطع الاتصال بينهما إلا نادراً.
أخذت السنون تمر؛ يطلب بعضها بعضاً، تعرف على فتاة من الجالية اللبنانية والدتها فرنسية ارتبط بها تزوجها وانجب منها: ولد وبنتين كان كلما نظر إليهم تغزوه السعادة، ولكنه على الفور يحضره حديث والدته الذي يقبع بداخلها عن الحلم أنه و زوجته، وأولاده يعيشون في بيت دمياط القديم سويا سعداء، لأول مرة ؛ينتبه فيها احمد أن والدته لم تذكر أنها تعيش معهم بداخل الحلم ،قاوم بعض العبرات أن تسقط،
زوجته كانت تحب الحديث معه عن ماضيه وفترة صباه وعائلته وعن :مصر التي قرأت عنها كثيراً و كانت أحد أهم الأسباب بالموافقة بالزواج منه ، فهي تتمنى زيارة مصر بل وتحلم بالاستقرار والعيش بها وأن تحصل على الجنسية المصرية فهي على اطلاع على الحضارة المصرية القديمة العريقة فهي مثقفة وتهوى كتب التاريخ.
كانت تحب الحديث عنها وهو لا يرغب في ذلك لأنه غاضب من نفسه ولا يريد فتح حوارات ونقاشات تلمس جروح قديمة، فقد توفت والدته دون أن: تراه كان يشعر بالندم وتأنيب الضمير وأنه أخطأ، فقد كتبت تتوسل إليه اكثر من مرة أن :يأتي لزيارتها من أجل رؤيته، قبل وفاتها فكانت تخبره بدنو أجلها، ولكن زحمة العمل كانت تجعله: يرجئ العودة كان هناك خبر عاجل في التليفزيون وهو انقلاب عسكري على سلطة البلاد فصمت ثم تذكر حلم أمه الذي يسكن ذاكرة غير قابلة للمحو, ثم أخبرها به لأول مرة منذ أن عرفها لأنه يعرف شغفها بمصر ففرحت بحلم والدته الذي يمثل أقصى أمانيها ثم قالت نعود لمصر ونعيش في بيت دمياط القديم ,خاصة أنك كلما وطدت علاقتك وصداقتك مع رجال السلطة ينقلب عليها آخرون, نحن هنا :مهما ملكنا من الثروة غرباء حتى هنا من أهل البلد يشعرون أحيانا أنهم :غرباء بعد أن ينقلب طرف على آخر, ثم يصنف صديق السلطة القديم من السلطة الجديدة بأنه: متهم ثم يضيق عليه ليصل الأمر في بعض الأحيان بتجميد أموالها أو مصادرتها.. ثم فترة صمت ..قبل أن يخبرها بأسى وآسف شديد أنه: باع بيت دمياط القديم,, فقالت على الفور: نشتري غيره نحن نملك الكثير من الأموال.
ظل حلم أمه يطارده, ودعمها بقوة رغبة وشغف زوجته، حتى أصبح الحلم يتمتع بسطوة وسلطة على نفسه،و يكتسب من نفسه أرضا لعل التقدم في العمر، اشتكى أيضاً من بعض الأمراض في الفترة الأخيرة بعد أصبح جسده أرض خصبه لها.. نتيجة المجهود البدني الضخم المبذول علاوة على التوتر والضغط العصبي، كان له دور خفي في: اتخاذ القرار بالعودة مرة لدمياط بعد استقرار أحمد الذي يسكن حلم والدته في مخيلته في منطقة لم ينل منها النسيان, أقام بفندق برأس البر، مع عائلته ترددوا على مكاتب بيع العقارات ,من أجل اختيار بيتا مناسباً مروا من أمام بيتهم القديم الذي شيد بطريقة حديثة ولكن يبدو أن البيت ؛لا يقطنه أحد.. طلبت منه زوجته أن يقترب بالسيارة مسافة أخرى من البيت بعد أن رفض أكثر من؛ مرّة في السابق، كانت المفاجأة أنت البيت ثبتت عليه يافطة تخبر القارئ أن معروض للبيع أخبرهم صاحبه باعه لهم: أنه مهاجر لكندا بعد أن صفى أعماله بمصر تذكر أحمد على الفور: الحلم وكلمات أمه, قبل أن يتجه لمطار القاهرة، قام احمد بقص الحلم هذه المرة على أولاده وزوجته وكأنه يرى امه، وهو يجهش بالبكاء ثم دخل البيت ينادي على والدته ...