ضَجَّت الفضائيات، والسوشيال ميديا، ووسائل الإعلام في الآونة الأخيرة بما قُتِلَ بَحثًا، وأثار جَدَلًا واسعًا، وأَحدَثَ بَلبَلة في البيوت، وأصبح هو الشُغل الشاغل لِمَنْ نالَ حَظًّا قليلًا من التعليم، وفريق مِمَّن حَصُلَ على أعلى الدرجات العلمية، وآخر ليس لديه عِلم عن الحروف الهجائية، وإذا وقعَ بيده كتاب لا يَشغَلُه فقط إلَّا مُشاهدَة صُوَرِه، وفريق نَصَّبَ نَفسَه فقيهًا في أحكام الدين بغير وجه حق، وبغير عِلم، أمَّا عن المُتَشَدِّدين فَحَدِّث، ولا حرج فهُم الذين يُحَرِّمون، ويُحَلِّلُون بديكتاتورية مُطلَقَة دون نقاش، ولا يعلمون أن الحلال بَيِّن، والحرام بَيِّن، والدِّين يُسر، وليس عُسر، وهناك الرأي، والرأي الآخر، وقد اختلفَ الفقهاء، وعلى الإنسان أن يَتَدَبَّرَ أمره، ويُعمِلَ عقله، ويَستَفتي قلبه، ويأخذ بالرأي المناسب لحالته في أمور دُنياه إلَّا فيما يَخُص الثوابت، وأحكامها، فلا نقاش فيه
أَعلَم عزيزي القارئ أنِّي قد أَطَلت عليك بهذه المُقَدِّمة، ولكن طَرق أبواب هذا الموضوع يَستحق، حتى ينتهي كل مَنْ لا ناقة له، ولا جمل، ويَكُف عن الحديث، وتتوقف هذه الجَدَلِيَّة حول وجوب أن تَخدُم الزوجة زوجها، ووجوب قيامها بالأعمال المنزلية، وإرضاع أبنائها، أَم أنهُ لا يجب عليها، ولا تُلزَم بهِ
لنذهب في ذلك إلى نَبِيِّنا، وهادينا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة، والسلام، ونَستَن بِسُنَّتِه عن النبي "صلى الله عليه، وسلم"
"كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها، وولده"
الرجل أو الزوج مثله مثل الحاكم مسؤول عن رَعِيَّتِه، فالزوج مُكَلَّف برعاية زوجته، وأولاده، وتوفير حياة كريمة لهم عليه واجبات، وله حقوق على زوجته
لا خلاف على ذلك، والإنفاق عليها، وعلى أولاده فرض، لا اختيار فيه، ووضح هذا الأمر الشَّرع، والدِّين، ولا يُمكن التَّنَصُّل منه، فهو حق أصيل للزوجة، وحكم شرعي بمُجَرَّد إتمام عقد الزواج، وما يَتبَع هذاالحُكم من إلزام الزوج بتوفير مَسكَن الزوجية، وأحكام المُؤخر الذي هو حق للزوجة يُعطى لها، وليس لِوَلِيِّها كما جرى العُرف على ما يُسَمَّى "بالمَهر" الذي يُعطى للولي لنفقات تجهيز العروس، وشراء جزء من أثاث منزل الزوجية،
أو كله حسب اتفاق الطرفين، والمرأة عندما تتزوج راعية على بيت زوجها، وأبنائها تقوم بتربيتهم تربية حسنة، وتُنشئهم على المبادئ، والقيم، والأخلاق الحميدة، والمسئولية مشتركة بين الأب، والأم في الرعاية، والتربية، وواجب الزوجة طاعة زوجها في الحق، وقد قال تعالى " جعل بينكم مودة، ورحمة"
لنرجع لعهد الرسول، والصحابة، والصحابيات، وهم خير قدوة لنا، وخير مثال الخطيبة المفوهة للنساء أسماء بنت يزيد
هي أسماء بنت يزيد بن السكن بن رافع بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصارية الأوسية الأشهلية، وهي صحابية جليلة، وابنة عمة معاذ بن جبل. وهي أم عامر، وأم سلمة الأنصارية الأشهلية تميزت بالشجاعة، وحسن المنطق، والبيان، وشهدت اليرموك، وقتلت تسعة من الروم تميزت بالجرأة في الحق، والسؤال عن الحلال، والحرام أتت أسماء النبي، وهو بين أصحابه فقالت: بأبي، وأمي أنت يا رسول الله أنا وافدة النساء إليك إن الله بعثك إلى الرجال، والنساء كافة فآمنا بك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فُضِّلتُم علينا بالجُمع، والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا أو مجاهدًا حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير
فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟" فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي إليها فقال: "افهمي عني أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حُسن تَبَعُّل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله". فانصرفت المرأة وهي تهلل
ومن هذا الحديث نخرج بأن نساء اليوم لَسنَ بأفضل من الصحابيات، وإن اختلف العصر، واختلفت البيئة، واختلفت واجبات، ومسئوليات المرأة، والرجل، فالسيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجة الزبير رضي الله عنهم كانت تسوس الفرس لزوجها، بجانب أعمالها المنزلية، وكانت النساء تخيط الثياب، وتطحن بالرحى، وتنتظر الرجال لحين يعودون من الغزوات، والمعارك، والجهاد في سبيل الله، وترعى أبناءهن، وقد تذهبن مع الرجال، وتشاركن في الحروب، والقتال، ولم يقتصر دورهن على الخدمة في المنزل، وتربية الأولاد فقط، وكانت منهن الخطيبات، والواعظات، ومَنْ يُؤخَذ عنهن العلم، ورُواة الحديث كالسيدة عائشة، وزوجات الرسول رضي الله عنهن، ولدينا مثلًا آخر لأعظم النساء ريحانة أبيها السيدة فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة قالت للرسول تريد خادمًا يعينها في أعمال المنزل، وفي خدمة زوجها سيدنا علي بن أبي طالب، وكانت قد تشققت يدها من الرحى فقال لها سأقول لك على ذكر يعينك سبحان الله ٣٣والحمد لله ٣٣ والله أكبر٣٤ مرة
لم يَقُل لها سأوفر لك خادمًا فهذا كان دورها كزوجة كسائر النساء
قال الرسول حينها للسيدة فاطمة الزهراء كيف أوفر لك خادمًا، وأهل الصُّفة جوعى، وأهل الصُّفَة هم المهاجرون الذين أتوا ليأخذوا العلم عن الرسول أو ليجاهدوا في سبيل الله، ومكان الصُّفة يقع في الشمال الشرقي للمسجد النبوي الشريف، ويطلق عليه الآن
"دكة الأغوات" وسمي بالصُّفَّة لأنه كان يستظل تحته المهاجرون، وكان سقفه من جريد النخيل، ومعظم المهاجرين وقتها أصبحوا من الأمراء، وكانوا عفيفي الأنفس مهما اشتد بهم الجوع لا يطلبون الطعام قط، وكانوا للرسول بمثابة عياله، ومنهم أبي هريرة الذي أخذ العلم عن الرسول، فكان يربط على بطنه حجرًا إذا اشتد به .