محيي الدين إبراهيم يكتب : من وحي الفوضى

محيي الدين إبراهيم يكتب : من وحي الفوضى
محيي الدين إبراهيم يكتب : من وحي الفوضى

 ولكل ممكن بالوجود طيف في الذات البشرية، ومن مجموع الأطياف الكلية يتشكل جوهر الشخصية الإنسانية، وتتكون حقيقتها الخفية، ولكل طبع إنساني أطياف معينة خاصة به من مجموع الأطياف الكلية، تتآلف فيما بينها في حزمة دالة على الطبع، فإذا أقبلت الذات على حزمة دون غيرها تصبح صفة الحزمة دلالة على طبيعة الذات قُبحاً أو حُسناً من مظهر الاختصاص لا من جوهر الوجود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هنا شوق الغريب إليه، شوق المعاند لبلوغ الغاية، شوق الإنسانية لمحطتها الأولى، لقبول أصل كل تصور، ولا أي صورة، لقبول أصل كل منطق، ولا كل منطوق، الحاضر حضور الفاعل من كل جهة، الثابت بالذات حتى تعلقت به إرادة كل مثبوت إليه، الحقيقي فوق كل تحقق، والواجب المحيط بكل ممكن، الإبداع المحض، ومبدأ المعارف ومنتهى كل معروف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولكل منشور رمز يحتويه .. قد يكون كلمة .. جملة .. الحياة نفسها رمز قابل للتفسير.. العلاقة بين صديقين رمز .. بين رجل وامرأة رمز .. بين أب وأبنته .. أم وإبنها .. حتى بينك وبين الفرح .. الحزن .. الثورة .. الإيمان .. كلها علاقة رمز .. لا يحيا لذة وجوده إلا من استطاع التفسير .. تفسير اللحظة الزمنية بين صحوته ونومه كل ليلة .. لا يعيش حركة الحياة إلا من استطاع أن ينعم بدهشة العقل !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( يا .. هو ) .. ومن نافذة النور أترقب وجهك حين يظهر .. الروح الأمين حين ينظر .. وحين يوحي لي بالوحي ( المثبوت إليه ) .. ففي صُنع عينك وطن .. لمن يجيد ( فكرة ) الانتماء .. حتى أكون أنا .. المخلوق من طين معجزتي .. أبتهل أن يغمرني ( نور ) إعجازك .. فأراني من جديد .. بين الفناء والبقاء .. كومة من العشق عند شاطئ الكاف ومدينة النون .. أتسلقها .. حتى القمة .. ربما أقترب .. حتى استشعر برد أناملك في صدري .. فأفقد الوعي .. اتدحرج .. أسقط أسفل عشقي إليك .. أعاند .. أتسلق من جديد .. أفقد الوعي من جديد .. وبين إعلان سقوطي .. وعناد غزوات تسلقي المتكرر .. تبتسم .. فأهوي سبعين خريفاً في بهاء التصور .. حتى .. يعلنوا عن ميلادي الجديد في وطن اللجوء إليك .. كلما حق عليّ قولك .. وكلما تفضلت على روحي بتجلي ( عفوك ) .. لتسري في أعماقي امكانية التحقق !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• أعطته خصله من شعرها حفظتها بعناية بين ورقتي وردة ليحتفظ بها في غربته ويتذكرها وحدها للأبد .. أخذ الخصلة في رقة .. وضع قبلة دافئة على راحة يدها ومسح دمعة نقية هربت في لحظة الوداع .. وضع خصلتها في حقيبة سفره بجوار عشرات الخصلات الأخرى .. رحل بنعومة لا يتذكر من صاحبات الخصلات أي واحدة منهن !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

• • تأمل ذاته في لحظة استرجاع الذكريات فلم يجد سوى الحزن وتذكرة قطار قديمة لمدينة الفرح فقدها وهو مهموم بتحقيق حلم مستحيل !! • قاومت الحياة في إنتظار أن يعود إليها بكل الحياة .. ( عاد ) .. فعرفت أنه استلب حياتها بلا مقابل منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها أن تنتظره !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي الفرح الأبدي، يفصل بيني وبين البوابة، حجاب من نور، مسيرة ألف عام، وإذن بالدخول، وكلمة يلفحها غموض، حرف ووصف، والغموض، يحمله خاطر، وللخاطر إرادة، يمدها كوكب دري، إن شاهت تاهت، وأنا، بين التشوه والضياع مرهون بالحدوث، حدوث أنا الواقع، تتجاذبه قوى حال ومقام، حال فك الشفرة، ومقام بلوغ المعنى، حتى يؤذن لي بالدخول، لأخوض مسيرة الألف عام في حجاب النور، خوض سعي، وخوض تبصر، وخوض خضوع، حتى أبلغ البوابة، فلا يفصلني شئ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من نافذة العصر .. كان الرمز .. وكانت صفات حروفي .. ماثلة في ظمأ للتجلي .. في عطش للحضور .. وكان لكل صفة مظهر من مظاهر التعلق .. ولكل تعلق مرتبة من مراتب التحقق ..ولكل تحقق فتوحات .. فتح يقظة باحاطة زجاجة .. وفتح معلوم باحاطة زيتونة .. وفتح مبثوث باحاطة كاف .. وفي غيابة الجب ألتقطني بعض السيارة إلى احاطة نون .. لامقطوع .. ولا ممنوع .. حتى صارت منازل الكمال في ظاهري .. قبضة من مصباح الدلالة .. وداخل سلة موسي ألقتني مريم في رحاب النهر .. فصرت قطعة من رجاء .. يحيط بي مقام المشاهدة بين الذات والهو .. وعند انشقاق البحر تبدد عجل الخوف أمام ألواح الحكمة فنجوت اليوم بجسدي .. وسقط السامري .. وأمام بشائر النور في اثنتا عشرة عينا علمت مشربي .. وخلعت نعلىّ استعداداً للمعراج المقدس عند هرم الروح .. لتلقي ربتة من يد اللام الأزلي على ماتبقى منى .. ليحتويني عشق ألف عام من الفتح .. من المدد .. خلود مثنى وثلاث ورباع .. تضيع معه الإرادة في معركة التجرد .. وتنفتق من رتقها سماء وأرض .. وتشرق شمس .. وينبت قمر .. فأرى بعين البصيرة .. شفرة الغموض .. التي كانت تغمرني منذ السقوط الأول .. عند الشجرة .. وهي تتفكك من جديد .. ربما أكون !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المكان: لا مكان

الزمان: لا زمان

الوطن: غامض

في قفزة واحدة، تلوح كلمة، يحملها ذراع النون، وجناح الكاف، سيل فياض .. يطفو كسحابة فوق سطح الروح، يحمل مفتاح الحياة .. الميلاد .. الخلود، وحضوراً كحضور الفرح والأمل، كحضور النور والماء، القوة والعفو، بلا حدود فاصلة .. هيولي ممتد ظاهر وباطن، يفتح بوابات منغلقة للوجود، فيستعيد الفتق كل الرتق، حتى يصبح كل شئ حي، يأتيني بقبس، فأصبح ذات مسحورة، متعلقة بسماوات ( الأبد )، لا يسعها إلا الذهول، فتتحول ( الأنا ) .. إلى حياة أخرى، رمز مرسل يتداخل في جينات الخلق، فيصير الكل ( بث ) حاضر، معلوم، يملك لحظة ( الآن )، التي تجمع كل الماضي، وكل الحاضر، وكل أماني المستقبل، داخل ( نقطة ) فيها مصباح، لا أول ولا آخر، لا قبل ولا بعد، نبض لا مقطوع ولا ممنوع ، ولا خوف، ولا حزن، ولا رزيلة، فقط جمال ( زيتونة ) يفوق كل تصور، لا يماثله شئ عرفناه، أو بسبيلنا لمعرفته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سمعته يقول: كلما مر الخاطر بك .. أعرفك أحياناً .. وتعرفني دوماً .. يدركني حضورك المستمر .. ولا أدرك سوى فراغي .. تضحك سيداً .. فأبكي من ضياعي .. وبين الضحك والبكاء .. العرفان والحضور .. تغمرني عباءتك .. تدثرني .. كأنها نمط من ديباج فيه كتاب يقفز بي ألف عام للامام .. إليك ! .. فأقفز أنا ألف عام للخلف .. إلام ؟ .. فيأخذني دثارك ويغطني حتى يبلغ مني الجهد ثم يرسلني ويقفز بي ألف عام للامام .. إليك! .. فأقفز أنا ألف عام للخلف .. إلام ؟.. فيأخذني دثارك ويغطني الثانية والثالثة حتى يبلغ مني الجهد ثم يرسلني .. حتى اقترب أنا .. وتدنو أنت .. وأنت دانٍ حيث العدم وجوداً .. والنار برداً وسلاماً .. ومن بطن الحوت .. أحلم بنجاة يونس .. على أرض أيوب .. مرتدياً قميص يوسف .. ولا أقرب هذه الشجرة !!!!