مما لا شك فيه أن المجتمع الآمن هو مطلب الجميع، فالأَمان هو مصدر بناء الحياة في أي مجتمع وتطوره، والإنسان منذ ولادته تكون فطرته جيدة ولا يعلم ما هو الإجرام أو الأذى، ولكن البيئة التي ينشأ فيها هي ما قد تؤثر فيه، وتغرس فيه سلوكيات غير جيدة، مما تجعله ينحرف عن الطريق المستقيم الذي خلقه الله تعالى عليه، فكل شخص يلجأ إلى إرتكاب الأفعال غير المقبولة هو إنسان ضار، وينتج عنه الكثير من المشاكل والمفاسد في المجتمع.
بعض الشباب أصبحوا رهينة ولقمة سائغة بيد الاعداء والمتربصين بأمن وسلامة هذا المجتمع المصري فعمدوا إلى إستغلال ظروفهم بشتى الطرق والوسائل الممكنة لضرب نسيج المجتمع من الداخل بواسطة بعض الشباب ممن انصاعوا لهؤلاء ولغرائزهم الشيطانية عن طريق إغرائهم بالاموال أو بتسهيل لهم وتعاطيهم لأنواع الحشيش والمخدرات المحرمة شرعا وقانونا التي ساعدت وساهمت بشكل كبير على إنتشار الجريمة كون هذا الشاب بعد تعاطيه لها أصبح لايعقل شيئا عن واقعه بل أصبح أشبه بالمجنون الذي لايميز بين الحلال والحرام وبين الخير والشر فيقدم على كثير من الأعمال والجرائم المخلة بالشرع والقانون وبالاعراف المجتمعية السائدة اثناء نشوته تلك ، لكن سرعان ماتذهب عنه تلك النشوة والنزوة فيرى الواقع أمامه وبأم عينه عندها يندم ولكن هيهات هيهات لايفيد الندم ساعة إذ فيصبح مجرما، منبوذا من أهله ومن وعشيرته ومجتمعه ومن نفسه أيضا ومن العالم حوله أجمع.
شهدت مصر في الأيام الماضية العديد من جرائم القتل البشعة، مع زيادة الجرائم في المجتمع بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة بطرق وحشية.
وللأسف الشديد هذا مانعانية اليوم في مصر هذه الدولة المسالمة الطيبة اهلها وناسها من ظهور وانتشار للجريمة بكل انواعها واشكالها في الاونة الاخيرة من قتل واغتصاب ومن ثارات وتقطع للطرقات وتعاطي للمخدرات والممنوعات المنتشرة بين أوساط الشباب اليوم لهي جرائم يندا لها الجبين حقيقة .
فما هي أسباب هذه الزيادة؟ وكيف يمكن العمل على تلك المشكلة؟
1_ضعف الوازع الديني للفرد، والتفكير فقط بإشباع الأنا التي تطالب الكثير من أجلها.
2_الاستخفاف بالحدود والعقوبات والقوانين الموضوعة للحد من انتشار الجريمة في المجتمع.
3_التنشئة الأسرية غير السليمة، وتنشئة الطفل ضمن نطاق عنف وتفكك أسري.
4 _القدوات السيئة للناشئة والذين يعيشون في محيطه، والافتخار بارتكاب الجرائم كأنه إنجاز كبير.
5_عدم الوعي بالأخلاق الفردية والمجتمعية والمعاملات المتفق عليها في المجتمع.
6_يسهم انتشار الجهل والأمية بشكل كبير في انتشار الجريمة في المجتمع.
7_من أكثر الأسباب التي تشجع على انتشار الجريمة هو الفقر وعدم القدرة على الحصول على أبسط الاحتياجات الأساسية.
8_ تعاطي الإدمان على المخدرات أو الكحول، وقد أثبتت دراسة أمريكية أن 93% من الجرائم كانت على يد مدمني مخدرات أو كحول.
9_ الأسباب النفسية لارتكاب الجريمة في المجتمع؛ حيث إن الجنون أو أي نوع من الاضطرابات النفسية قد تؤدي إلى ارتكاب الجريمة.
10 _التحفيز للجريمة عن طريق العنف اللفظي الذي يسهم في ارتكاب الجريمة لأتفه الاسباب.
11 _ارتكاب الجريمة دفاعًا عن النفس أو العرض، وهذا منتشر الحدوث أيضًا
كيف تؤثر الجريمة في المجتمع؟
1_يؤدي انتشار السلوك الإجرامي إلى عدم الشعور بالحماية والأمان، والخوف والفزع بين أفراد المجتمع.
2_إهدار القوى البشرية وعدم الاستفادة منها لارتكابها الجريمة في المجتمع، أو تعطيل الأشخاص الآخرين المنتجين.
3 _التفكك الأسري والانحلال الأخلاقي داخل الأسرة والمجتمع.
4_زيادة العنف اللفظي والجسدي.
5_ الانفلات من تطبيق القوانين وضعف الأحكام الصادرة
كيف يمكن علاج انتشار الجريمة؟
1_الخطاب الواعي عن طريق الأسرة، والمدرسة، والمسجد، وأماكن العمل، والنوادي، ووسائل الإعلام، عن الجريمة في المجتمع، وكيف يمكن تفاديها والمحافظة على الأبناء وحمايتهم منها.
2_التأكيد على احترام القوانين والأحكام الموضوعة، وإفهام الناشئة ذلك وجميع فئات المجتمع بالوسائل الإعلامية. الجاهزية الكاملة ووضع التدابير اللازمة والحماية المتكاملة للممتلكات، والمؤسسات.
3_التدقيق ومتابعة المواد التي تستخدم في ارتكاب بعض الجرائم داخل المؤسسة.
4_اهتمام المؤسسات بنظم المراقبة الليلية.
5_مصادرة أي نوع من المخدرات أو الكحول من التجار والمدمنين والتي تسبب ارتكاب الجرائم، والقيام بحملات لإيقاف انتشار المخدارت.
6_استخدام البحوث العلمية والتقنية في الحد من انتشار الجريمة في المجتمع، واستخدام سبل التكنولوجيا الحديثة للتعرّف على المجرمين وإيقافهم.
7_تفعيل البصمة الأمنية في مناطق الجوازات وحجوزات القطارات وعدم ترك فرصة للمجرمين للإفلات.
8_تطبيق القانون والأحكام حرفيا لكل من تسوّل له نفسه ارتكاب الجريمة عن عمد.
9_التخطيط العمراني الذي يسهم في تطبيق أنظمة الحماية والوقاية من انتشار الجريمة.
10_ أهمية متابعة من لديهم سوابق جنائية وإدخالهم مراكز إعادة تأهيل.
قد يكون أكبر الأسباب في إنتشار الجرائم ، هو ضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدين، فالمجتمع الآن يترنح ما بين الإفراط أو التفريط فإما تشدد واهتمام بالمظهر وليس الجوهر وصحيح الدين، وإما تفريط وبعد عن الدين.
كما أن هناك الكثير من الأخطاء التي تحدث في التربية،
فالتربية هي حجر الأساس في تشكيل الشخصية وتنشئتها تنشئة سوية وغياب دور الآباء في التربية وانشغالهم بالحياة المادية ومحاولة توفير متطلبات الحياة وإهمال الإشباع العاطفي للأبناء، كما أن أخطاء التربية تقود إلى جيل منحرف.
يري معظم الباحثين أن الكثير من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية تعمل علي بث روح الجريمة مما يؤدي إلي انتشار الجريمة وبكثرة في المجتمع، حيث يتم تصوير البطل في صورة بطولية تثير إعجاب المشاهدين بشخصيته، وأيضا الأفلام العاطفية التي تسخر وتستهتر بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة، وأيضا هناك الكثير من الأفلام تصور للمشاهدين إمكانية العيش بدون عمل عن طريق الاعتماد على الحظ والصدفة دون الاجتهاد والكفاح والبحث عن العمل المناسب مما يجعلنا نري هذه النسبة العالية من البطالة.
ولكن أيضا يتوقف كل ذلك علي مدي إمكانية تأثر الفرد بما يشاهده من أفلام، فالمشاهدة تؤدي إلي الانحراف إذا كان الفرد لديه الاستعداد النفسي لذلك أو إذا كانت ظروف البيئة المحيطة به تشجعه وتقوده إلي فعل مثل هذا السلوك، ففي بعض البحوث قام المجرمون الذين كانوا سبب من أسباب انتشار الجريمة بالاعتراف أن ما فعلوه من جرائم نتيجة لتأثر سلوكهم بما شاهدوه من أفلام، فهذه الأفلام ترسم للمجرمين المناهج التي يتبعونها وتوحي لهم بالأفكار، ولكن على صعيد آخر يوجد الآلاف الذين شاهدوا هذه الأفلام ولم يرتكبوا أي سلوك إجرامي.
إن أزمتنا اليوم أزمة أخلاق، وممارستها على أرض الواقع وتعبد الله بها، فالكثير يصلون ويصومون ويقرؤون القرآن ويدّعون الإسلام ويملئون المساجد ثم يخرجون للتقاتل والتنازع والتحاسد فيما بينهم.
يقوم الكثير بالشعائر دون خشوع وتدبر ودون استشعار لعظمة الله فتسوء أخلاقهم وسلوكياتهم في البيت والسوق وفي الوظيفة ومع الجيران، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة» (الترمذي 2003).
وقد أخبرنا رسول صلى الله عليه وسلم: " عن امرأة دخلت النار بسبب حبسها لهرة فماتت من الجوع"، كما يخبرنا في المقابل عن رجل غفر لله له ذنوبه بسبب سقيه لكلب اشتد عليه العطش، قال صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأةٌ النارَ في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» (البخاري 3140، مسلم 2619).
لقد آن الأوان لنستفيد من الأحداث والفتن والصراعات في تأليف القلوب وتقوية الروابط وحفظ الدماء والأموال والأعراض التي استبيحت في كل بلاد المسلمين، يكفى دماء المسلمين التي تسيل اليوم والأرواح التي تزهق والأعراض التي تنتهك، لقد آن الأوان لنستفيد مما يجري في عالمنا اليوم لندرك جيد أن قوتنا وعزتنا في ديننا ووحدتنا ومتى ما تخلينا عنهما لن يكون غير الضعف والذل والمهانة، بل يحتكم الجميع إلى الدين والشرع والقانون يتساوى في ذلك الغني والفقير والحاكم والمحكوم سواءاً بسواء.
والمؤمن لا يرضى أنْ يعيش على هامش الحياة ولا أَن يحْيا بِلا قيم وإنما هو صاحب رِسالة يترجمها عملًا وسلوكا يراه الناس في أرض الواقع صِدقاً وعَدلاً، وقولاً وعملاً، وقِيماً، يتمثَّلُ في مَبْدَأ الأقوالِ قولَ اللهِ تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حسناً} [البقرة:83] ويتمثل في مبدأ الأفعال قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].
ما أحوجنا اليوم دون غيره إلى أخلاق الإسلام فنمارسها سلوكًا في الحياة في زمن طغت فيه المادة وضعفت فيه القيم وفُهمت على غير مقصدها وغاياتها وتنافس الكثير من أبناء هذه الأمة على الدنيا ودب الصراع بينهم من أجل نعمة زائلة أو لذة عابرة أو هوى متبع.
إِنَّ الْمَكَارِمَ أَخْلاقٌ مُطَهَّرةٌ * فَالدّينُ أَوَلُّها وَالعَقْلُ ثَانِيهَا. وَالْعِلْمُ ثَالِثُها وَالحِلْمُ رَابِعُها * وَالْجُودُ خَامِسُها وَالْفَضْلُ سَادِيهَا.
وَالْبِرُّ سَابِعُها وَالصَّبْرُ ثَامِنُها * وَالشُكرُ تاسِعُها وَاللَينُ بَاقِيهَا. وَالنَفسُ تَعلَم أَنّي لا أُصادِقُها * وَلَسْتُ أَرشُدُ إِلا حِيْنَ أَعْصِيهَا.
ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى التقاطع والتدابر والتحاسد على أبسط الأمور وأتفه الأسباب،
ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام ونحن نرى جرأت كثير من الناس على الدماء والأموال والأعراض دون وجه حق أو مصوغ من شرع أو قانون وأصبحت صحف الأخبار والقنوات التلفزيونية والفضائية العالمية لا يتصدر أخبارها في كل يوم إلا أخبار دمائنا المسفوكة وأعداد قتلانا وضحايانا وكوارثنا ومشاكلنا وفي كل أقطارنا ودولنا في عالمنا الإسلامي والعربي الفسيح.
ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته، ونحن نرى قطيعة الرحم وضعف البر والصلة وانعدام النصيحة وانتزاع الرحمة والحب والتآلف بين كثير من الأبناء والآباء والجيران والأخوة وبين أفراد المجتمع الواحد.
ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته؛ لتستقيم أمورنا وتصلح أحوالنا وتضبط تصرفاتنا ويحسن إسلامنا ويكتمل إيماننا فلا ينفع إيمان أو يقبلُ عمل أو ترفع عبادة بدون أخلاق تحكم السلوك وتوجه التصرفات،
وقد مدح الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اختاره واصطفاه بقوله سبحانه : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، ولا يمدح الله نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء إلا وله مكانة عظيمة عنده تعالى و وصف الله عز وجل عباده بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا .
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا .
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا .
إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا .
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا .
وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:63-68].
يجب علي الدولة اتخاذ كافة الوسائل الوقائية والعلاجية والعقابية للحد من انتشار الجريمة في المجتمع، ومن أهم العوامل الوقائية هي التربية الدينية والحد من البطالة ومحاربة الفقر وإيقاف التمييز العنصري وتحسين توزيع الدخل واستخدام التقنيات المتقدمة استخداماً فعالاً في نظم المحاسبة المالية لرصدها ولسهولة مراجعتها.
وأيضاً هي دعوة ورسالة للإعلام وكل الإعلاميين والصحفيين ولكافة الخطباء والمعلمين والموجهين وكل المثقفين والمفكرين والنشطاء والشحصيات الاجتماعية المؤثرة ، وكذلك اولياء الامور ان يتقوا الله في ابنائهم وشبابهم وعليهم تقع مسؤولية التوجيه والارشاد والمتابعة لهم لما فيه مصلحتهم ومصلحة مجتمعهم فهم نواة هذا المجتمع وعليه يعلق المجتمع كل اماله وتطلعاته فبهم وعليهم يقوى الصف والنسيج الاجتماعي ، وبهم كذلك يتفكك ويتصدع الشرخ والنسيج المجتمعي .