أمل جمال تكتب: عن "التي شيرت" الأبيض واصطياد المحبة

أمل جمال تكتب: عن "التي شيرت" الأبيض واصطياد المحبة
أمل جمال تكتب: عن "التي شيرت" الأبيض واصطياد المحبة

30 يونيو2013. تارخ لا أنساه. كلكم تتذكرون الثورة لأول وهلة وأنا أتذكر ما حدث لابني الوحيد. كلكم تتذكرون الشوارع والميادين وأنا أتذكر لهفتي عليه.

كانت أمواج البشر الصاخبة تتدافع في ميدان المحافظة وتفيض في الشوارع الجانبية لا أحد يستطيع أن يقابل أحدا وكأنه يوم الحشر. يومها ذبت داخل الحشد الكبير الآمن لا سرقات.. لا تحرش.

 كنت وجاراتي طوال الطريق إلى المنصورة التي نبعد عنها ثماني كيلومترات لا نتحدث إلاعن الكهرباء وليالينا السوداء وأجهزتنا التي احترقت وطعامنا الذي فسد، عن أنابيب الغاز التي يوزعونها على أعضاء الجماعة ومعارفهم ونتعذب نحن في الحصول عليها، عن المستشفيات وأطفال الحضانات، عن التهديدات من فوق منصة رابعة وعن تعامل أفراد الجماعة لنا بتعال شديد في السوق والمدرسة وحتى بائع العصير الذي قال لي سيدنا وحبيبنا وهو يشير إلى صورة مرسي وردي الغاضب عليه: سيدك إنت واللي زيك. مصر ملهاش سِيد.

 كانت عائلات بأكملها شيوخها ونسائها وأطفالها وشبابها على الطريق في أتوبيسات وعربات نصف نقل ميكروفونات وساوندات وزغاريد وأعلام ترفرف وتشير إلى بعضها البعض. شباب لشابات. أمهات لأولاد. أسرة بكاملها لأسرة بكاملها. بحر بتماوج بكل مخلوقاته المسالمة كانت رغبة الخلاص تولد طاقة هائلة من الأمل جعلتني أنسى ابني الذي يحتفل مع الشباب. والذي اتصل بعد عودتي بساعات فحمدت الله وقلت له بلهفة لا تعد وابق بالمدينة ربما كان الإخوان على الطريق. اذهب إلى بيت يوسف. ثم نمت مطمئنة.

وفي الصباح اتصل ليطمئني عليه قائلا: ماما أنا بخير. لكن التيشيرت الجديد اتقطع وهاجي في قميص صاحبي. فقلت له في ستين داهية بس اتقطع ازاي؟ قالي لما أرجع هاحكي لك متقلقيش. كان التيشرت واحدا من مجموعة غالية اشتراها من سيتي ستارز واختار أجملهم يومها لينزل للاحتفال وكان قد احتفل مع الشباب وبعد محادثتنا التليفونية ركب تاكسي.

نزل على الناصية مشى في الشارع، سمع من يقول بصوت غاضب" واحد منهم أهو" مشى مطمئنا لأنه لم يتوقع أن الأقدام التي تهرول خلفه تريد الإمساك به.

التفت مذعورا ليجد أربعة من الرجال بعصي طويلة كالشياطين يجرون نحوه لحقه واحدا منهم أمسك بطوق التيشيرت فمزقه وتخلص ابني منه وبكل الغل والغضب التف الرجل بعصاه ليقتله فالتف ابني من خلفه وجذبه من ياقة جلبابه الأبيض بقوة الهروب من الموت فأوقعه أرضا وجرى بينما كان الثلاثة الباقون يجرون خلفه. قال لي لا أعرف يا أمي كيف كنت أجرى كالصاروخ لا أعرف كيف تذكرت دروس الكاراتيه لا أعرف كيف واجهت هذا الرجل الكبير وكل هذا العداء وجملة" واحد منهم أهو". كل ما كان يشغلني ماذا فعلت ماذا فعلنا كشعب يا أمي.

كل ما كان يشغلني هو كيف انتقاني وكيف عرف إنني ضدهم لم أعرف الإجابة حتى نبهني صديقى وقال أنظر في المرآة هذا العلم الصغير المرسوم على وجهك هو ما جعلهم يصطادوك. كلما جاء 30 يونيو لا أتذكر سوى أنهم كانوا يقفون على النواصي في الشوارع الجانيبة لاصطياد أبنائنا بتهمة المحبة ودليلهم علم البلاد.