إبراهيم محمود هارون يكتب : الإنسان و النسيان

إبراهيم محمود هارون يكتب : الإنسان و النسيان
إبراهيم محمود هارون يكتب : الإنسان و النسيان
من فترة طويلة أكتشفت أنني خائنا طيلة هذه السنوات، وخيانتي كنت أزاولها منذ سنين، وإن سألتني عن وقتها، سأخبرك لا تتعجل، فالآن مشغولاً أمارس خيانتي، فأنا أبدأ فيها عند خروجي صباحا من منزلى، وأنتهي منها في منتصف الليل، ربما تتعجب وتنذهل لما أقول؟ أخبرني هل هي ملكة جمال أم أنها من الحوريات، فمع من تمارس خيانتك!!! تمهل سأخبرك سأخبرك .  هي الحياة، فالحياة تنسينا الأهل والأقارب والأصدقاء؛ لترمينا في سباق  لاينتهي حتى نغدوا في نهاية المطاف كأي آلة قد تعطلت، ورميت في منفى الخردوات، ومهما ازدحمت عليك فخصص وقتاً للأحباب الذين تمثل لهم أهمية كبيرة في حياتهم؛ لكي يغتنموا وقتك وانتباهك بتفان والتزام وبحماس، فلا تتحجج لهم بأعذار ( ليس لدي وقت، في وقت لاحق)، فللمحبة ثمن غالي، فيجب عليك تخصص وقت معين لهم، فعندما يرن هاتفك، وأنت منهمك ومشغول، ويكون المتصل أحد أحبابك، فلا تبقيه على الهاتف، فأما أن تتنحى وتترك كل شيء، وتمنحنهم انتباهك أو تعدهم بالاتصال بعد إنهاء العمل، واحرص على أن تفعل ذلك، ففي يوم من الأيام سيرحل أحبابك وتندم على عدم قضاء وقتاً جميلاً معهم، وتتمنى حينها رؤيتهم ولو للحظة؛ لتعوض كل ما فات، لكن هيهات أن يعود، لذلك احرص على تخصيص الوقت لأحبابك، ولا تنشغل بتفاصيل الدنيا المتعبة، وليكن من آلان ، الحياة أصبحت كالسوق ندخله لنتمتع بما فيه من مقتنيات نود شراؤها، ولكن لا ندرك بأن كل شي له حساب، فهدفنا أن نتحصل على كل شيء بدون مقابل، ونسينا أمرا مهما يجب علينا الاهتمام به، ألا وهو زيارة الوالدين؛ لأنهم لهم فضل ومكانة عليا في قلوبنا، فأصبحنا لا نتذكر من علمنا، وسعى لأجلنا رقينا ونجاحنا. 
  فلو أدركنا معنى الملذات لتركناها زاهدا، ولكن نحن الآن على عكس ذلك؛ لأننا لم نعرف معنى الزهد الحقيقي، فالزهد هو أن تزهد فيما تحب قليله وكثيره؛ لكي تصبح نقياً تقياً، ولتساعد الفقير الذي يريد شراء الدواء و الخ .
   سؤالنا لأنفسنا لما أخذتنا الدنيا التي يُقلبها الله كيفما شاء، فالله فرض علينا أمورا يجب أن نتبعها، ونخشى أن تلهينا أعمالنا، ومصالحنا عن ذكر الله، ونكون من الذين:{ نسوا الله فنسيهم }، وهو أكبر خسران في الدنيا، ويجب علينا أنا ندرك أن كل شيء مقدر ومقسوم من الله كما أخبر عنه في قوله:{ إن كل شيء خلقناه بقدر } ، فإذا رسخ هذا المعني في أفئدتنا لكُنا خير الناس إيمانا، وأدبا مع الله، فتأمل معي هذه الدنيا إذا رأينا رضى ما كتبه الله لنا، تالله سنعيش فيها سعداء متوكلين عليه في قضاء حوائجنا، فتطمئن قلوبنا، و ترتاح عقولنا من التفكير بالمستقبل، ونعيش عيشة هناء وسعادة، و تصبح نفوسنا محمودة .
    ولكن إذا نسينا أن الله جعل لهذه الحياة قواعد نسير عليها،  فإننا خاسرون، وأيضا لو صار سعينا في هذه الحياة من غير تقوى الله، وننسى أن الله هو المعطي والمانع، فسوف نركض فيها ركض الوحوش التي تلتهم كل شيء أمامها، فهي لا تتناول إلا ما كتبه الله لها، فبهذه تكون نفوسنا مذمومة غير محمودة . 
  قفز ذهني إلى أمر مهم ألا وهو أن نجعل الإخلاص في حياتنا، وعلمنا، وعملنا، فلو عملنا بإخلاص يبارك الله في كل ما يهبه لنا، و نتنعم فيما يقدره لنا، ونشكره على رزقه لنا في السراء والضراء،ونكتسب رضى الله و رضى الوالدين، ورضى الناس، ونعيش في صلاح، و فلاح بتوفيق من الحق سبحانه، ونهتم بأولادنا، ونراعى مرضانا، ونزور والدينا، ونجلس مع أحبابنا، فبالإخلاص تسمو أخلاقنا وتضل سيرة حميدة، ونؤمن بأنه لا سباق للحياة؛ لأن الرضى هو أساس الحياء .