" كنت سعيدا بمعاهدة اتحاد المغرب العربي ، لكنها ليست كافية لمواجهة التحديات ، وعلينا ان نكون رؤية موحدة ، فيما يخص المجتمع المغاربي في نهاية هذا القرن وبداية القرن المقبل ، وماهو قائم بين بلدان المغرب حاليا ، هو بداية ضعيفة جدا ، بالمقارنة مع ما يواجهها من تحديات وضغوط الاستعمار الجديد ، الثقافية والاقتصادية والسياسية " .
يخبرنا الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله ، عالم المستقبليات ، بلغة الواثق ، أنه من غير الممكن دخول القرن الواحد والعشرون ، او المساهمة في الاقتصاد العالمي ، او تحقيق اي تقدم تكنولوجي او علمي ، دون نوع من التعاون ، لكننا الان نمر بمرحلة انتقالية صعبة ، والخروج منها مؤكد ، لأنه لايمكن الدخول في أزمة دون الخروج منها ، او البقاء فيها للابد ، لاسيما وثمة مسؤولون يتفهمون الأشياء والقضايا ، والشعوب بدأت تدرك مصالح وضمانات مستقبلها .
" ان الاندماج الاقتصادي لدول المغرب العربي ، اصبح شرطا للبقاء ، بقاء المنطقة وبقاء دولها ، لكن بدلا من السعي نحو هذا الاندماج ، وتعميق مايقرب بين بلداننا ، نتخذ خطوات مايعيق ويعرقل " .
ويخبرنا ان اتحاد المغرب العربي الحقيقي ، سيقوم ليس بعد مائة سنة ، لكن خلال الامد المتوسط ، لانه ليس هناك اختيار اخر لنا ، يقول : " ان علينا الا نتجاهل دور فرنسا ، فيما يجري في منطقة المغرب العربي ، على صعيد كل دولة على حدة ، او على صعيد علاقات دولها ببعضها البعض ، بل ان مايجري كان متوقعا ، منذ اندلاع ازمة الخليج او مانسميه الحرب الحضارية الأولى ، والتي نتج عنها ما اسماه الرئيس الامريكي السابق جورج بوش ، بالنظام العالمي الجديد ، وما اسميه نظام مابعد الاستعمار ، واذا تحدثنا عن الجزائر وحدها في هذه المرحلة ، علينا ان ندرك انها عانت من الاستعمار الفرنسي ، ولايمكن مهما كانت الاتفاقيات الموقعة ، ان تتخلى فرنسا عبر علاقات خاصة مع الجزائر ، لاتشبه علاقاتها مع اي دولة في العالم ، بل ربطت مجموعة من المفكرين والمثقفين معها كمرتزقة ، لذلك شن هؤلاء ومعهم الصحف الفرنسية ، حملة عنيفة على الجزائر ، حين وافق برلمانها على القانون الخاص بالتعريب ، وصورت المسالة وكأنها نهاية العالم " .
ويرى عالم المستقبليات ، ان فرنسا تسعى لتمزيق المغرب العربي ، وربط كل دولة منه بها كمنطقة نفوذ ، وهي تعمل في اطار استراتيجية ، تقوم على اساس ' الاسلام هو العدو الأول " للمغرب ، وفرنسا في هذه الاستراتيجية تحارب الاسلام في المغرب العربي ، الاسلام الذي لايقصد به الدين ، وانما بمعناه الأشمل ، اي قيم واسلوب حياة وفلسفة ومعاملة بين الناس ، اي المفهوم المجتمعي للدين " .
وعلى قادة المنطقة وشعوبها ادراك ذلك ، والا كانوا جزءا من المخطط الغربي ، ضد شعوبهم وبلادهم ، ان عليهم توحيد المنطقة بتجاوز الخلافات الهامشية والغاء الحواجز بين شعوبهم .
ويذهب الى انه في الوقت الذي قررت المجموعة الاقتصادية الاوروبية ، ايجاد تصور جديد لعلاقاتها مع البلدان الواقعة جنوب حوض البحر الابيض المتوسط ، لا زالت البلدان المغاربية المعنية بهذا التصور ، لم تتخذ اي موقف ، لمواجهة خطة او سياسة او رؤية خارجية ، قد لايستجيب لمصالحها .
كما يطلعنا المنجرة في كتاب " الحرب الحضارية الاولى " ، على ان اشكالية المغرب ، لاينبغي فصلها من اشكالية العالم الثالث ، حيث ان البيئة المحيطة بالنظام العالمي ، لها دور في صنع مستقبل البلدان من حيث التنمية .
وهو من اعتبر منذ سنوات خلت الخوض في " المغرب الكبير عام 2000 " ، ليس بالموضوع السهل ، لكون الدراسات المستقبلية الخاصة ببلدان المغرب الكبير قليلة جدا ، بل حتى المعطيات ذات العلاقة بالحاضر ، لايمكن الاعتماد عليها كثيرا ، او انها غير تامة ، هذا بالآضافة الى غياب كل المؤشرات السوسيو - اقتصادية ، التي تتعلق بالقطاعات الاجتماعية والعلمية والثقافية .
وانجز دراسة رحمه الله ، دراسة مستفيضة عن المغرب العربي الكبير عام 2000 ، ايمانا منه ان التغيير لابد منه ، حيث لايكون تغييرا ذا دلالة ، الا اذا كان يستجيب للحاجات الماسة الواضحة ، ويقود نحو اتجاه مقبول بترحاب ، " فالواقع هو عبارة عن تضامن في الزمان ، يرتكز على المشاركة او التعاون في المجال "
ولم يتردد المهدي المنجرة ، في تقديم عدد المؤشرات التي ستكون ذات تأثير على المغرب الكبير قبل نهاية القرن ، وتتمثل في انشاء دولة فلسطينية تغير اشكالية الوطن العربي و " أفرقة " افريقيا الجنوبية ، التي ستغير علاقات افريقيا مع البلدان المصنعة ، وارتقاء جيل لم يعش فترة الاستعمار الى السلطة في مجموع بلدان العالم الثالث ، التي تحررت من عدد كبير من العقد ، فضلا عن البعد المتعاظم للبعد الروحي ، في انظمة القيم وثورة الاعلام والمعرفة ، والدور الحاسم الذي سيعود للثقافة ، كعامل في التنمية وتحرير المرأة في البلدان المتنامية ، التي ستعبئ موارد بشرية جديدة تثري الابداعية والابتكار ، وايضا الصعوبة المتزايدة امام بقاء الدويلات ، واعداد برامج عمل ملموسة ، قصد اندماج اقتصاد افريقيا مع اقتصاد الوطن العربي ، وتعاون تقني اكبر ( جنوب - جنوب ) .
وهذا التقديم يراه الباحث المستقبلي ، غير كامل وتقريبي اكثر ، حيث يعتبر انه لم يطرح بعض القضايا التي لاتقل اهمية ، كقضية بناء مؤسسات وحدة المغرب المغرب الكبير ، والسلطات الواجب توقعها كمجلس اقتصادي واجتماعي وبرلماني مغربي مثلا ، خاصة ان النظرة للامد البعيد لازالت لم تسجل في خطوات الرجال السياسيين ، الذين غالبا مايشغل بالهم الأمد القصير .
" ولايبقى علينا ، ان نحرر حاضرنا فقط ، بل وتحرير مستقبلنا أيضا ، لان غيرنا منهمك الان في دراسة مستقبلنا ، والتفكير فيه من اجلنا ، كما يجب تجنب استغلال هذا المستقبل لاغراض سياسية ، اي استعماله كهروب ديماغوجي للامام ، لتغطية خسائر الحاضر ، ولنبتعد عن مستقبل التقليد ، الذي لايكون فيه مستقبلنا الا ماضي الاخرين " .