دكتور رجب إبراهيم أحمد يكتب : الشعر صورة الحياة

دكتور رجب إبراهيم أحمد يكتب : الشعر صورة الحياة
دكتور رجب إبراهيم أحمد يكتب : الشعر صورة الحياة
 
 
 
 
 
 
 
لم يكن الشعر يوما من الأيام لوصف الناقة، ولا الوقوف بالأطلال، ولا ظعون الحبيبة، ولا المدح للتكسب، لم يكن لهذا فحسب، بل كان الشعر وسيظل مرآة صادقة تعكس كل القضايا الإنسانية دقَّت أو جلّت. والشعر مشتق من مادة "شعر"أي أحس وتفاعل مع ما شعر به، واختلج صدره، فلا يكون الشعر شعرا إلا إذا عبر عن تفاصيل الحياة بأفراحها وأتراحها.
 ويعيش العالم بأسره أزمة كبرى، وحربا ضروسا مع وباء"كورونا" فصار العالم معه:
كأنَّهُ فَارِسٌ لا سَيْفَ فِي يَدِهِ     
وَالْحَرْبُ دَائِرةٌ والنَّاسُ تَضطَرِبُ
أوْ أنَّهُ مُبْحِرٌ تَاهَتْ سَفِينَتُهُ
والْمَوْجُ يَلْطِمُ عَيْنَيْهِ وَيَنْسَحِبُ
أوْ أَنَّهُ سَالِكُ الصَّحْرَاءِ أظْمَأهُ
قَيظٌ، وَأَوْقَفَهُ عَنْ سَيْرِهِ التَّعَبُ
 وإنه غير خاف على الغبي والنبيه، والحليم والسفيه، أن الأدب العربي عامة، والشعر خاصة سجلت أبياته  تلك التجارب الواقعية في صورة تجارب شعرية فنقلت لنا واقعا مريرا للطاعون وآثاره.
وممن ضربهم الطاعون قديما بيده، وعضهم بأنيابه، الأدباء والشعراء والخطباء، حتى صار جزءا من تراجمهم، فلا يكاد يخلو كتاب في التراجم، أو تاريخِ الأدب العربي من إشارة خفيفة، أو ظاهرة إلى الوباء، وما نتج عنه من أسباب أودت بحياة ذاك الأديب، أو هذا العالِم.
وعني الأدب منذ القدم بالحديث عن الكوارث سواء كانت على المستوى الشخصي أو القبلي، أو الوطني، أو الإنساني.فعلى المستوى الشخصي يرصد الشعر مأساة امرئ القيس في مرضه حين قال:
فَلَو أَنَّها نَفسٌ تَموتُ جَميعَةً   
وَلَكِنَّها نَفسٌ تُساقِطُ أَنفُسا
وَبُدِّلتُ قَرحاً دامِياً بَعدَ صِحَّةٍ
فَيا لَكِ مِن نُعمى تَحَوَّلنَ أَبؤُسا( )
ومن الشعراء الين اصطلوا بنار الوباء الشاعر الجاهلي الذي أدرك الإسلام فأسلم أبو ذؤيب الهذلي،خويلد بن خالد،فقد قتل الطاعون خمسة من أولاده في سنة واحدة، فجزع لذلك، ورثاهم بقصيدة مشهورة معلومة قوامها تسعة وستون بيتا مطلعها:
أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُ   
وَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُ
قالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِباً
مُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُ
أَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني غُصَّةً   
بَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُ
وَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُ
فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُ
وَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَها   
أَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ( )
فأبيات هذه القصيدة جرت على ألسنة الناس مجرى الحِكم إلى اليوم فهي مشحونة بمشاعر مختلفة متباينة إزاء هذه الفاجعة التي عاشها أبو ذؤيب.