بهجت العبيدي يكتب : ما بين عدة طلاق "إسلامية في اليابان" وإنها تدور وستظل! .. العلم ورجال الدين!

بهجت العبيدي يكتب : ما بين عدة طلاق "إسلامية في اليابان" وإنها تدور وستظل! .. العلم ورجال الدين!
بهجت العبيدي يكتب : ما بين عدة طلاق "إسلامية في اليابان" وإنها تدور وستظل! .. العلم ورجال الدين!


قامت الدنيا ولم تقعد في العالم الإسلامي حينما فبرك أحد المواقع العربية "بوست ٢١" خبرا على عكس حقيقته، هذا الخبر  والذي جاء تحت عنوان  "عدة طلاق إسلامية يابانية" وتداولته عدة حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية عربية مصحوبا بخبر يزعم أن اليابان "أقرت قانونا جديدا" يمنع المرأة من الزواج بعد 100 يوم من طلاقها لمنع اختلاط الأنساب. 
انتشر الخبر بكثافة عبر المنصات الإلكترونية وسارع بعضهم إلى الاحتفاء به باعتباره شبيها بعدة الطلاق في الإسلام، ليس شبيها فحسب بل نزولا من اليابان الدولة المتقدمة علميا على ما ذكره القرآن الكريم في هذا الشأن، واعتبره هؤلاء المحتفون به دليلا قاطعا على صحة الرسالة الإسلامية، وكأني بهؤلاء في شك من دينهم ويبحثون عما يؤكده لهم، أو كأنهم في حاجة إلى دليل يلقون به في وجوه المنكرين لهذا الدين، وما لبث أن صححت المواقع اليابانية الناطقة باللغة العربية هذا الخبر، بل أكدت أنه جاء على عكس القانون الذي تعمل اليابان على إقراره، وأنه لا حاجة للمنفصلة عن زوجها للمكوث مئة يوم - المذكورة في القرآن الكريم، لكي يحق لها الارتباط بشخص آخر. 
المحتفون بالخبر المفبرك رأوا أن القرآن قد سبق العلم، الذي لم يذكر في خبر اليابان، في تحديد الفترة التي تؤكد خلو الرحم من الحمل ومن ثم تكون الطريقة الأنسب لإثبات النسب، ونتساءل: ماذا لو استطاع العلم، وأظنه استطاع، أن يثبت خلو الرحم من الجنين بعد ساعة من الانفصال، هل يمكن في هذه الحالة أن نغير تلك الفترة التي حددها القرآن الكريم؟!. ونجيب نحن على هذا السؤال الصادم ونقول: بكل تأكيد لا، فسيظل البقاء على هذه المدة باعتبارها تعبدا من السيدة المسلمة لربها الذي أمرها بذلك وانتهى الأمر.
ونحن لن ندخل مع هؤلاء في جدل عقيم، بل نطلب منهم بهدوء شديد عدم ربط الدين بالعلم، فلكلاهما مجال يختلف عن الآخر، فالأول روحي تعبدي، والثاني يخضع كل شيء للتجريب، ويضع كل شيء تحت مجهر البحث، وفي ربط أحدهما بالآخر الضرر كل الضرر، فسيعيق الدينُ الذي يقدم إجابات كلية العلم الذي يبحث في الجزئي ويقدم نتائج نسبية قابلة للدحض، وسيحطم العلمُ الدين إذا اتخذه مجالا للبحث والاختبار.
ولقد أحسن العلم حينما لم ينظر إلى تلك الأجوبة الكلية التي يقدمها الدين، أو بالأحرى رجال الدين المحدودي، بطبيعة الحال، المعرفة العلمية، فانطلق دون أن يلتفت لمقولة كاهن ولا لفتوى شيخ، ولا لرأي رجل دين، بعدما استطاع أن يتحرر من سلطة الكنيسة في أوروبا والتي كانت تكبله تكبيلا. فكان نتيجة لذلك أن تقدمت أوروبا ومن سار على نهجها تقدما كبيرا، حيث تم تحرير المجتمع من السلطة الدينية والتي تتحكم في كل صغيرة وكبيرة ومازالت تسيطر على عديد المجتمعات. 
ليس من السهل على الناس تقبل أفكارا غير تلك السائدة في زمانهم، خاصة تلك الأفكار التي تصبغ بصبغة دينية مقدسة، وتحميها العقلية الدينية والمؤسسة الرسمية تلك التي تسعى دوما للحفاظ على سيطرتها المطلقة على عموم الشعب، فتحارب كل ما هو جديد، وتقف بالمرصاد لكل من يأتي بفكرة يمكن أن تزعزع تلك المكانة التي يحتلها الكهنوت الديني. 
ليست الأفكار فحسب التي تحاربها العقول المغلقة لرجال الدين على مر العصور، بل حتى تلك الحقائق والنظريات العلمية والتي يمكن إثباتها إثباتا لا يقبل الشك من الناحية العلمية، ولكن لأن الغالبية العظمى من الناس لا تستطيع أن تفهم النظريات والحقائق العلمية، وليس لديها القدرة على البحث للوصول إلى المعارف العلمية فإنهم يسيرون معصومي العينين وراء من يمنحونهم ثقتهم من رجال الدين. 
هذا الأمر منتشر في البيئات المتخلفة والمجتمعات البسيطة، أما تلك المجتمعات التي خطت خطوات كبيرة في التقدم والرقي، فإن شعوبها لا تلجأ لرجال الدين فيما ليس للدين فيه من شيء، لأنها وضعت الأمور في نصابها الصحيح، فلم يعد لرجل الدين أن يبدي رأيا يلبسه لباس القداسة في النظريات العلمية ولا الحقائق الكونية، ومن هنا انطلقت هذه الدول في طريق العلم لا يلويها عن السير فيه إلى أقصى مدى رأي رجل دين ليس له في الأمر من شيء. 
وهذه الدول لم تفصل بين هذه الأمور: الدينية والعلمية في يوم وليلة، ولكنها خاضت في سبيل ذلك حربا ضروسا على مدار قرون من الزمان، كانت السيطرة فيها مطلقة للكهنوت الديني، ففي العصور الوسطى سيطرت الكنيسة سيطرة مطلقة على حياة الناس في كل تفاصيلها وهو ما كان له أثر سلبي هائل على حياة الناس من ناحية وعلى العلوم والبحث العلمي من ناحية ثانية، وكان كل شيء يقاس على الدين أو بالأحرى على فهم رجال الدين، ذلك الذي وقف عقبة كؤود أمام التقدم والتطور، فالكتب الدينية ليست كتب علم: فيزياء أو كيمياء أو فلك أو طب، ولكنها كتب هداية وتعبد، أما العلم فسبيله هو البحث والدرس والنظر، ليس في الكتب الدينية، بل في الكون.
ولعل في محاكمة جاليلو جاليلي خير مثال على ما نذهب إليه، فلقد رفضت الكنيسة ما توصل إليه العالم الفلكي الذي تبنى نظرية كوبرنيكس والتي تؤكد أن الشمس هي مركز الكون وأن الأرض ليست سوى كوكب يدور حولها، عكس ما كان يعتقده رجال الدين الذين كانوا يؤمنون أن الأرض هي مركز الكون، وهذا الجديد الذي أتى به جاليليو جاليلي لم يرق لهم، وما كان منهم إلا أن حاكموه وأصدروا حكما مخففا بإقامة جبرية للعالم الكبير، ليس ذلك فحسب بل لقد توجّب على جاليليو في أعقاب صدور الحكم المخفَّف تلاوة نص «الأبيورا» (الإقرار بالذنب)، الذي صاغه خصومه، وهو جاثم على ركبتيه: «في كنف المجمع المقدّس المهيب أعلنُ التخلّي عن الفكرة الخاطئة أن الشمس هي مركز الكون وأنها ثابتة لا تدور، وأقرُّ بأن الأرض مركز الكون، كما أتخلّى عن القول بالنظرية المشار إليها أو الدفاع عنها أو تعليمها تحت أي شكل كان، قولاً أو كتابة. سأسعى جاهدا لإزالة هذه الشكوك من عقول غبطتكم ومن ذهن أي مسيحي ورع، وبقلب خاشع وإيمان صادق أقرّ صواب الخطايا والهرطقات المشار إليها وألعنها وأمقتها، وأقسم ألاّ أردّدَ شيئا من تلك المهاترات مستقبَلاً شفوياً أو كتابياً»، بما يشبه ما قاله الراهب المتمرد جوردانو برونو سنة 1600 أمام حكم حرقه الصادر عن محكمة التفتيش: «لعلّكم برهبة أشدّ مما أكابد تصرّحون بحكم الموت عليّ». تلا جاليليو جاليلي الإقرارَ بالذنب القسري، وما إن أنهى نص «الأبيورا» المُمْلى عليه حتى غمغمَ بكلماته الشهيرة: «مع ذلك فإن الأرض تدور».