الضجة التي أثيرت مؤخراً حول أحد الأفلام السينمائية، تقودنا إلي حقيقة مفادها أننا وليس أحد غيرنا من نصنع من الحبة قبة ونحيل النملة إلي فيل، وتؤكد ضمنياً علي أن التقليد ليس دائماً مفيد!
الفيلم السينمائي ياسادة هو عمل فني، منتج متاح ومعروض للمشاهدة، إذا أعجبك شاهده وإن لم يعجبك فاتركه، وخلصنا علي كده وانتهي الموضوع .
أما أن نغضب ونثور وننشغل بسفاسف الأمور ونعطي الأشياء أكبر من حجمها، أو نضعها في غير نصابها فهو أمر غير مفهوم أو مقبول أو مبرر، ولست أدري لماذا نغضب، وكيف يحق لنا أن نغضب ونحن من فعلنا بأنفسنا ما لا نرتضيه لنا ولا تقبله أنفسنا!
أنا لم أفاجئ بالفيلم، ولا بالمشهد الذي حواه الفيلم، والذي قامت الدنيا من أجله ولم تقعد، لأني نظرت للموضوع علي أنه فيلم سينمائي لا أقل أو أكثر، وليس في كل ما قلته الآن أي انتقاص من العمل أو إساءة إلي طاقمه، ولكنها الحقيقة أقولها، "هو فيلم" مقتبس من السينما الإيطالية، ومكتبتنا الفنية عامرة وذاخرة بالعشرات من الأعمال السينمائية والتليفزيونية والإذاعية المقتبسة، والمستوحاه، والمنقولة عن الروائع العالمية، كذا الروايات المسرحية!
سيدتي الجميلة مثلاً، التي قدمها الثنائي الرائع الراحل الأستاذ فؤاد المهندس والست شويكار الله يرحمهم الاتنين في أواخر الستينات، لم تكن غير إقتباس لرواية (Pygmalion) لجورج برنالد شو، وليس في الإقتباس عيب إذا ما روعي "عند التعريب" أن تكون الفكرة هادفة، والهدف نبيل، والقصة متلائمة وملائمة لطبيعة مجتمعاتنا الشرقية، موائمة لعاداتنا وتقاليدنا العربية .
ولم تكن سيدتي الجميلة وحدها هي التي صادفها النجاح وحظيت بحب واستحسان الجمهور عند عرضها، فقائمة الأعمال المقتبسة طويلة، قد لا تسعها الذاكرة أو يكفي المقال لسردها!
وعلي سبيل المثال لا الحصر، فيلم شمس الزناتي مثلاً مقتبس من (The Magnificent Seven)،
والإخوة الأعداء من (The Brothers Karamazov) وسلام ياصاحبي من (Borsalino) ، وأمير الإنتقام، ودائرة الإنتقام، وأمير الدهاء من (Le Comte de Monte-Cristo) .... الخ الخ
أعمال أعجبتنا، صفقنا لها وعلقت بأذهاننا، لأنها راعت عند تمصيرها جانب من عاداتنا وتقاليدنا " اللهم إلا وجود بعض المشاهد ببعضها " قد لا يروق للبعض منا مشاهدتها، ولكن الحبكة الدراميا إقتضت وجودها فتمت في أضيق الحدود، وتغافلنا عنها "مختارين" وقبلناها عند تلقينا للعمل، كونه كان أقوي في مجمله من أن تفسده أو تنتقص من جودته وجود تلك المشاهد في سياقه!
أنا شخصيا " إتكعبلت" قبل سنوات ولا تستغربون العبارة، لأنها هي التوصيف الأمثل والوصف الحقيقي والدقيق لما حدث معي!
أنا فعلاً "اتكعبلت" في المسلسل، ولست من هواة مشاهدة الأفلام أوالمسلسلات، وعادة ما أركن إلي القراءة وسماع الإذاعة، ولكن حدث أن شاهدت بالصدفة حلقة من مسلسل تليفزيوني كان إسمه (رجل الغراب)!
أعجبتني الحلقة فتابعت المسلسل، كانت الفكرة جديدة، والممثلون رائعون ومتمكنون والصورة جميلة والديكور هايل، كان العمل في مجمله جميل، لم ينتقص من استمتاعي به، سوي وجود بعض مشاهد شرب البطل للخمور، وقيام أبطال آخرون بإقامة بعض العلاقات غير المقبولة، ولكن كان العمل رائع كما قلت، وكان مقتبس هو الإخر أظن من مسلسل " كولومبي" .
علي أية حال ..
ما أردنا قوله خلال السطور السابقة، أنه هنالك شعرة فاصلة بين الإقتباس المتاح، والنقل والتقليد غير المفيد أو المباح، إقتبس كل ما شئت، واستوحي الأفكار كيفما أردت، فليس في الأمر أي عيب أو نقيصة، ولكن لا تنقل نقل مسطرة، فما هو مقبول لمجتمع، قد لا يتناسب مع غيره .
حفظ الله بلدنا، وأعان قائدنا قائد جمع الحق والإيمان .