كل الأديان منذ بدأت الإنسانية خطواتها على الأرض تؤكد أن الشيطان كان من أهم المخلوقات المقربة للخالق وأنه كان في صورة ملاك جميل لكنه بعد خلق آدم غار واستكبر فحلت عليه اللعنة، وفي نفس الوقت ، في نفس اللحظة، في نفس النص، تصف كل الأديان منذ عشرات الآلاف من السنين الشيطان بصورة مرعبة قبيحة، بل أن التاريخ الإنساني، الخيال الإنساني، الإيمان الإنساني، يصوره دوماً بقرون وآذان طويلة ويخرج ناراً من فمه، رباه !!، كيف اجتمع هذان الوصفان النقيضان في قلب الإنسانية منذ خلقها الأول وحتى يومنا هذا!، خاصة في قلوب المؤمنين الذين آمنوا بكل دين ظهر على وجه الأرض منذ نشأتها، بل وكيف لم يسأل أحد منهم قط عن هل الشيطان جميل كان ملاكاً ثم عصى فتشيطن أم أنه قبيح كما تصوره خيالاتنا؟ وهل معنى كونه شريراً أن يكون بشعاً وقبيحاً مملوءاً بالقيح والنار!!، إن أعظم البشر الأشرار وأكثرهم دموية في تاريخ الإنسانية كانوا يحملون جمالاً ووسامة، وليس معنى كونهم أشراراً أن يكون انطباعنا عنهم مبني على القبح والدمامة، سيداتي سادتي: الشيطان مخلوق من أجمل مخلوقات الخالق، يتمتع بمظهر ملاك، كان في يوم من الأيام يحظى بحب الخالق ورعايته وعنايته، كان قبل أن يصبح شيطاناً يرجو رضا خالقه ويصلي له في كل وقت، بل كان أحد أهم وأجمل المخلوقات المدللة من خالقها على الإطلاق.
لم يخبرنا أحد ممن يعبدون " الشيطان " هذه الأيام أو ممن يدعون أنهم يجلسون معه ويقابلونه أو ممن يدعون أنهم حلفاؤه الذين يضعهم هو موضع رعايته وعنايته، لم يخبرنا أحد منهم أنه في إحدى اللقاءات التي إلتقاها معه سأله عن تفاصيل سيناريو عصيانه وخروجه من الجنة وعلاقته بآدم وحواء وكيف تكلم مع الله قبل خلق آدم وبعد خلقه، بالتأكيد هناك تفاصيل دقيقة لم ترد في الكتب المقدسة ويعرفها الشيطان ( الخالد ) بالطبع لكونه كان بطل تلك الرواية ونجمها الأكثر شهرة، لم يخبرنا أحد ولن يخبرنا أحد، فلا أحد رأي الشيطان ولا قابله ولا حالفه ولا بايعه ولا شئ، كل ما في الأمر هو احتيال إنساني على النصوص المقدسة من بعض الشواذ ومن معظم رجال الدين أصحاب اللحى الذين ظهروا طيلة تاريخنا الإنساني منذ ( هبوط ) آدم وحتى يومنا هذا، بل أنه قد تم التحدي ملايين المرات على أن يثبت من يدعي انه حليفاً للشيطان ويجالسه ويخاطبه أن يثبت ذلك ولو بأبسط الإثباتات لكنه لم يفعل والتاريخ ملئ بكثير من تلك الحكايات بل وواقعنا المعاصر أيضاً فقد حاول الكثير أن يتحالف مع الشيطان وأن يعبده وأن يكون خادمه، تابعه، عبداً له مقابل أن يراه ويتلقى الأوامر منه شخصياً، شفاهة، شفاهة، وجهاً لوجه، لكن لم يحدث شئ، لم يظهر، لم يأتي، وكأن الشيطان ليس له وجود !!، هل حاولت أن تتحدى الشيطان وجهاً لوجه، أن تناديه في جوف الليل أو في فترات النهار، أن تدعوه لتراه ويراك، حاول، جرب، اطلبه إن شئت، في أي وقت شئت، لن يحدث شئ، لن يظهر شئ، مجرد أوهام تملأ رأس الإنسانية منذ بداية الخلق وليس لها وجود ( واقعي ) مرئي محسوس ملموس.
خرجت كل الأديان والقيم من منطقة الشرق الأوسط، وأعتنقها العالم كله من أقصى الأرض لأقصى الأرض، وكذلك خرجت كل الرذائل والشذوذ الجنسي والإلحاد من نفس منطقة الشرق الأوسط والتي يمارسها اليوم معظم سكان الأرض من أقصاها لأقصاها، أليس هذا غريباً؟، هذا التناقض العجيب ألا يبدو غريباً؟، أين الشيطان إذن من كل تلك المسائل؟.
ذات يوم من عام 2006 بالقاهرة العاصمة المصرية اتصل بي صديق يعمل بالسياسة وله منصب حزبي رفيع المستوى، كان عليه أن يذهب لمقابلة أحد ( العارفين ) الذين يدعون علاقتهم بالشيطان، وأنه قادراً على فعل أي شئ كأن يجعلم مليونيراً أو أن يرسل أليك كل ليلة امرأة ( حسب الطلب ) تشبه أي جميلة من جميلات السينما العالمية لتمارس معها الجنس !، وأنه الوحيد في العالم القادر على إنهاء جميع مشاكلك حتى ولو كانت مرضاً عضالاً لاشفاء منه !!
كان الهدف من الزيارة هي أن يبتعد الشيطان عن ابن أخو هذا الصديق السياسي بعد تأكده من أن ( إبن الأخ ) هذا قد وقع تحت سيطرة ( عمل سفلي ) أعدته له امرأة شريرة قريبة له سافرت خصيصاً لإعداده في الهند كي تتحول حياة هذا الشاب الصغير لجحيم لا يمكن نسيانه !!
ذهبنا للصحراء في أطراف محافظة بصعيد مصر، اتفقنا سوياً على ألا يتفوه أحد منا بكلمة واحدة، فالهدف هو استدعاء شيطان صغير يدلنا على طريقة فك هذا العمل السفلي مقابل عتقه من العبودية لهذا الساحر الذي ذهبنا إليه على أن يأخذ الساحر منا في سبيل عتق هذا الشيطان الصغير من خدمته مبلغ يصل لمائة ألف جنيه، لأنه حسب قوله – قول الساحر أو العراف – فإن هذا الشيطان الصغير هو أشطر شيطان عنده وأن عتقه من الخدمة خسارة كبيرة وعظيمة، ووافق صديقنا السياسي وكانت بصحبته أم الشاب المسكين الثرية والتي وافقت على أي مبلغ مادام ذلك سيخفف من معاناة ابنها.
كان هذا العراف أو الساحر من أشهر العرافين في مصر الذين تأتي إليهم المشاهير من جميع أنحاء العالم، ويأتمر بأمره فنانين وسياسيين ولاعبي كرة وملوك ورؤساء وكأنه نبي، بل أنه في إحدى سفرياته لدولة من دول روسيا الاتحادية قوبل وكأنة هبط من السماء بجناحي ملاك وليس من إحدى نجوع صحراء مصر بالصعيد!!
ساعة كاملة وهو يتمتم بعبارات كل كلماتها مفهومة ولكن العبارات نفسها غير مفهومة، رفضنا أن نشرب القهوة، رفضنا الكلام والشراب، كان ينظر إلينا وكأنه يستجدي كلمة، بينما لم يتكلم أحد.
فجأة صرخ فيه صديقي ( السياسي ) عن سبب عدم حدوث أي شئ، ساعة كاملة أو تزيد قليلاً ولم يحدث تغيير، لم نشاهد عفريتاً، جناً، ولا حتى شيطاناً عجوزاً أوشك على الموت.
بكلمات يائسة رد ( العراف) بأنه لم يجد شيطانه الصغير حتى الآن لعله يلعب في مكان ما على كوكب ما من كواكب الكون، إنه شيطان صغير ماكر، شيطان صغير شقي، إنه لا يجد سوى شيطانا عمره ثمانية ألاف عام وهو شيطان لن يستطيع فعل شئ لنا اليوم.
أخرج صديقي ( السياسي ) مسدسه الشخصي المرخص من جيبه، ولم أكن على علم بأنه يحمل مسدساً، ثم أشهره في وجه العراف وهو يصرخ في وجهه ويأمره بأن يأتي بهذا الشيطان العجوز، فجأه تحول الصديق ( السياسي ) المهذب إلى أحد جبابرة التاريخ، صرخ مره أخرى بانفعال شديد في وجه العراف: هذا الشيطان الذي عمرة ثمانية آلاف عام من المؤكد يعلم كل شئ عن كنوز الفراعنة المدفونة في ارض مصر ولا نستطيع العثور عليها، استدعيه الآن وأمره أن يدلنا على أماكن هذه الكنوز وإلا أفرغت رصاص المسدس في رأسك الآن، استدعيه واطلب منه أن يرينا وجهه فنحن لانخاف منه ونريده الآن في التو واللحظة.
كانت أم الشاب المسكين في حالة ذهول وكادت أن يغشى عليها، أما الساحر فقد كاد أن تنتابه أزمة قلبية أمام ( مسدس ) صديقنا السياسي الغاضب، كرر صديقنا السؤال بغضب على العراف واضعاً اصبعه على زر زناد المسدس: أين العفريت، أريد هذا العفريت، لماذا لا تأتي به؟، تحدث، لكن العراف لم يتفوه سوى بكلمة واحدة، لا استطيع، لماذا؟، فلم يرد، إذن أنت دجال، محتال، نصاب، ثم وضع فوهة المسدس على جبهته وهو يأمره بأن يردد ورائه: أنا نصاب، محتال، أنا ابن كلب دجال، وهنا تراجع صديقنا ووضع المسدس أمامه على طاولة صغيرة ناظراً للعراف الدجال وهو يتحدث كأنما يدافع عن نفسه فوق خشبة مسرح أمام ملايين المشاهدين:
منذ أكثر من 35 عاماً وأنا أحاول أن أتحالف مع الشيطان ليجعلني ثرياً ومشهوراً، سافرت كل البلدان التي عرفت ان بها أشهر العرافين وعبده الشيطان، قرأت كل الكتب المتعلقة بهذا الأمر، مارست كل التعاويذ، تبولت على كل الكتب المقدسة، نادينه في جوف الليل والنهار، عشت في الصحراء أعواماً، مارست كل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، رجوته أن يأتي، يصبح لي رباً، معبوداً، إلهاً، سجدت بالساعات يومياً لعله موجوداً فيرأف بحالي ويظهر لي ويلبي لي رغباتي، لم يحدث أي تغيير، حتى وصل بي الأمر أن كنت أشتري بعض أطفال الشوارع بالمال من بعض تجار الأعضاء البشرية وقتلت ثلاثة منهم في جبل الموتى بواحة سيوة تقرباً للشيطان لعله يأتي أو يظهر أو يعطف على حالي، لكن لم يحدث، 35 عاماً حاولت وناضلت وكافحت والنتيجة كانت دوماً صفراً كبيراً، شاع اسمي بين أصحاب المهنة ( مهنة السحر والكهانة ) وببعض المهارات الشخصية أوحيت لهم بأني الذراع اليمنى للشيطان وأنه من فرط محبته لي يرسل لي ابنته الصغرى رائعة الجمال لأعاشرها كلما رغبت في ممارسة الجنس، فحولوني لمعلم، جعلوني كبيرهم، ولما تعلمت الكثير من الكتب، صدقني الناس ومن ثم أصبحت على ما أصبحت عليه، أصبحت أشهر عراف في المنطقة، أتقاضى الملايين، أما مسألة شياطين وجن وعفاريت، فأنا لم أحظ طيلة حياتي بمعرفة أحدهم أو مقابلة أحدهم، ووصلت لحقيقة واحدة مفادها أننا نحن الشيطان، أو ربما ( أن كان موجوداً وحيُ يرزق ) ربما نحن اليوم أساتذته يتعلم منا مالم يخطر بباله على الإطلاق طيلة مرحلة خلوده.
للحديث بقية