هو باسيل بن توما بن جرجس أيوب. ولد في أوائل شهر آيار سنة 1861 في مدينة حلب، اختاره السيد أغناطيوس جرجس الخامس بط ريرك السريان الأنطاكي دون بقية أقرانه وأربابه وأرسله إلى مدرسة الشرقة بلبنان فقرأ اللغات السريانية والعربية والإيطالية ثم رحل عنها إلى مدرسة الآباء اليسوعيين ببيروت ، فدرَّس فيها لغات شتى، ومعارف كثرى، وهذه اللغات هي اللغة العربية والفرنسية واللاتينية واليونانية ومن المعارف البيان والخطابة والمنطق والفلسفة .
وبعد ردهة من الزمن عاد إلى مدرسة الشرقة، فقرأ فيها اللاهوت النظري والأدبي، وتخرج في الطقوس البيعية إلى أن جاء إلى حلب، فرقاه فيها البطريرك المشار إليه إلى الدرجة الديانية ثم إلى درجة الكهنوت سنة 1885 وجلاه باسم توما على اسم أبيه.
وقد قضى باسيل أيوب قرابة سبع وعشرين سنة في خدمة العلم والتعليم في أحد أهم معاهد مدينة الشهباء العلمية، وكانت المدارس تتسابق في الحصول على موافقته للعمل فيها؛ وذلك لما عرف عنه من طريقة سهلة للتدريس، قدرة فائقة على تيسير العسير من المواد وتقريبها لأفهام الطلاب، فكثر تلاميذه، وزاد عدد متعلميه فلا يكاد يرى بين أدباء الشهباء من ابن خمس وأربعين سنة أو دونها من لم يقرأ شيئا عليه ويأخذ من درر لفظه، ومكنون لغته.
وقد جعل ذلك بيته مقصدا لمحبي العربية، وكعبة لقاصدي البلاغة والفصاحة وجمال الأسلوب، فاختلف إليه أبناء الأدب ليعرضوا عليه ما نثروه من مقالات وخطب، وما نظموه من قصائد ومقطوعات وموشحات، وهو يستمع إليهم، ويقبل عليهم ببشاشة وجه، وابتسامة ثغر دونما سآمة، أو ملل أو كلالة.
وعلى صعيد عمله الأدبي والصحفي فقد عمل مراسلا لجريدة البشير البيرونية من حلب زهاء نيف وعشرين سنة، وأسس ناديا سماه "نادي الأدب"ضم فيه من الراغبين والمريدين والباحثين عن بلاغة العرب وأسرارها، فشغلهم بإلقاء الخطب ودرس العلوم عن الملاهي المحرمة، والملاعب الشائنة للآداب.
والجدير بالذكر أن أيوب امتلك مكتبة قيمة حوت أمات الكتب وأنفسها في شتى العلوم، ومختلف المعارف فقد كان همه الأكبر في جمع الكتب المفيدة، فتح أبوابها لطالبي الثقافة، وراغبي العلم، المطلع مهم والمستعير فيهم..
وهكذا، عاش باسيل أيوب حياته ممسكا بالورقة والقلم،منكفئا على كتابه، معتليا منبره حتى داهمه مرض طال أمده، واشتد معه صبره، صابرا إثره قلبه، إلى أن أراحه الموت عصر يوم الخميس الخامس من تشرين الأول 1911 ودفن صباح يوم الجمعة في غاية التهيب والاحترام.
وبموته فقدت الشهباء إماما وحجة في اللغة العربية، كان مرجعا فويا، وحجة دامغة في حل معضلاتها، كما فقدته الصحافة فقد قام بحقوقها مدة ربع قرن، كان فيها مصدرا للأخبار الصادقة، والمقالات الهادفة، ونشر على صفحات مجلة"المشرق"وغيرها من الصحف ما تشهد به الصحافة الصادقة.
وأما عن آثاره، فقد خلَّف آثارا علمية، وترك مقالات أدبية مثل كتاب "شبكة بطرس" يزخر بنحو مائة وخمسين موعظة لا تزال قيد خطه، كما أنه ترك ديوان شعر رقيق عنوانه:"عرف الصبا" ويقع في نحو مائة صفحة، وكتاب" موارد السلوان لمتناولي القربان" وكتاب"تحقيق الأمنية في عبادات الوردية" .
ولم يقف إنتاجه عند هذا الحد بل كانت له آياد بيضاء في الترجمة والتصرف في العبارات الأجنبية حيث يصوغها صياغة فنية فريدة في عربيتها حتى يظن القارئ أنها هي الأصل وليست الترجمة.
ومن ذلك رواية "فابيولا" أو "بيعة الدياميس" المطبوعة في مطبعة الآباء الفرنسيين في أورشليم وهي بقلم الكردينال نقولا وسمن.وقد راجعها بعد ذلك على الأصل الإنجليزي وأضاف إلى حسنها رونقا وطلاوة، فزادت بذلك حسنا وحلاوة.
وله روايات أخرى مترجمة بقلمه أيضا :"خالدة" أو بيعة قرطجنة، و"شهبج الجلجلة" أو مجموع تقاليد شرقية عن حياة السيد المسيح وموته ومنها:"قرة العين في رواية إلى أين" ورواية"الكفارة" ورواية"غد الطوفان" وفيها حكاية أحوال الأعصر الأولى في بابل ومصر، وله أيضا نحو ستين رواية تمثيلية بعضها من تأليف وبعضها مترجم بقلمه..
-وكان له الفضل في نهضة المسرح الحلبي وذلك بعد رحيل نعمة الله جاد حتى عام 1919 فأعاد الحياة الفنية للمسرح على يده ومجموعة من خيرة الكتاب والمترجمين الحلبيين إذ أسس نادي شبيبة السريان الكاثوليك في منزله الخاص وأسماه آنذاك نادي الأدب، ثم تبعه بتأسيس العديد من الفرق المسرحية كانت أولها فرقة عيد، ونجمة سورية التي قدمت في بداية العشرينيات من القرن الفائت مسرحياتها الكوميدية على يد بائع السوس الجوال عيدو السواس وصديقه عيدو التنكجي.
ومما ينسب له جمع الأمثال الجارية على ألسنة القوم في وطنه وطبعها بعنوان:"المنتخب في أمثال حلب" وله غير ذلك من الرسائل والفكاهات والمطارحات الأدبية والآثار الجليلة التي تخلد ذكره الحسن بين علماء عصره.