د. مريم المهدي تكتب: رعب تداعيات ازمة الغاز في أوروبا.. والصين وأبرز المستفيدين والخاسرين

د. مريم المهدي تكتب: رعب تداعيات ازمة الغاز في أوروبا.. والصين وأبرز المستفيدين والخاسرين
د. مريم المهدي تكتب: رعب تداعيات ازمة الغاز في أوروبا.. والصين وأبرز المستفيدين والخاسرين

يتابع العالم، في رعب وهلع، غرق أغنى مناطق العالم، وأكثرها تقدماً، في أزمة الطاقة الشديدة، والتي اندلعت فجأة، ودون شروط خاصة مسبقة فيما يبدو.

تضاعفت أسعار الغاز عدة مرات منذ بداية جائحة كورونا وحتى الآن في أوروبا، مما يضع القارة العجوز أمام جملة من التحديات المفصلية التي تؤثر على مختلف القطاعات، مع زيادة الطلب على الغاز الطبيعي المسال حول العالم.

ارتفعت أسعار الغاز بنسبة تصل إلى نحو 400 بالمئة هذا العام في أوروبا، مدفوعة بانخفاض المخزون مع زيادة الطلب مع عودة النشاط الاقتصادي الصناعي. وتشير تقديرات   وكالة الطاقة الدولية إلى احتمالات  تواصل استمرار ارتفاع الأسعار خلال الشهر المقبل أيضاً وقبيل حلول فصل الشتاء، بما يزيد الضغوطات على المستهلكين كما تواجه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أزمة تتفاقم يوماً تلو الآخر مع تصاعد أزمة الغاز، وبشكل خاص بالقارة الاوروبية . 

ما أدى إلى توقف بعض شركات الصناعات الكيماوية. وعلى الرغم من انخفاض طفيف في الأسعار بعد الذروة، وفي ظروف شتاء بارد هذا العام، قد تواجه أوروبا كارثة   اقتصادية واجتماعية.  كما تواجه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة أزمة تتفاقم يوماً تلو الآخر مع تصاعد أزمة الغاز، وبشكل خاص بالقارة الأوروبية    

وفي  الصين ، وعلى خلفية ارتفاع أسعار الفحم، تواجه أكثر من نصف مقاطعات البلاد قيوداً على إمدادات الكهرباء، التي تؤثر بالفعل على إنتاج البلاد وصادراتها. وعلى الرغم من  الإجراءات العاجلة التي اتخذتها الحكومة، إلا أن الصناعة والسكان قد عانوا من انقطاع الكهرباء في عدد من المقاطعات الشمالية، التي تتعرض لطقس بارد.  

بعد الصين، ظهرت مشكلات الطاقة في الهند أيضاً. لم يسلم لبنان هو الآخر من انقطاع التيار الكهربائي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وربما لن تكون تلك هي آخر منطقة أو دولة سنسمع منها   قريباً هذه الأخبار. 

 

:  بداية تصارع التضخم العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأثره على المنطقة العربية

بداية تسارع التضخم العالمي نتيجة ضخ البنوك المركزية لأكبر دول العالم دولارات ويورو وين ويوان غير مغطاة على المدى الطويل. كذلك أصاب الحجر الصحي المصاحب لوباء كوفيد-19 الخدمات اللوجيستية، وسلاسل الإنتاج، وخلق نقصاً في البضائع، على خلفية أن فائض الأموال غير المغطاة لا يمكن إلا أن يؤدي إلى زيادة في أسعار كل السلع.

فقد ارتفع مؤشر أسعار الغذاء العالمي بنسبة 27% لهذا العام، وهو ما لم يكن عليه الحال في الأربعين عاماً الماضية.

  أما المنطقة العربية لا تتمتع باكتفاء ذاتي فيما يتعلق بالطعام، وفي حال انقطاع الإمدادات لأي سبب من الأسباب، حتى ولو لفترة قصيرة، ستصبح هذه المنطقة مسرحاً لأزمة غذائية وإنسانيةا حادة. بل إن وقوع تلك الأزمة لا يحتاج حتى إلى توقف كامل للتجارة، وإنما يكفيه الجمع بين الزيادات في الأسعار مع نقص بسيط في الغذاء، لتنطلق شرارة الأزمة

 

: الحبوب والغذاء سلع استراتيجية وسلاح اقتصادي ووسيلة دعم الحلفاء ربما تكون أكثر من الطاقة 

وهذه هي الظروف التي تظهر هذا العام: فوفقاً لتقرير وزارة الزراعة الأمريكية لشهر سبتمبر، سيبلغ إنتاج القمح العالمي لهذا العام 780 مليون طن، والاستهلاك العالمي هو 790 مليون طن. في الوقت نفسه، من المتوقع أن ينخفض المحصول في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وروسيا مقارنة بالعام السابق. وعلى الرغم من أن جزءاً من الفارق سيتم تغطيته من المخزونات القديمة، إلا أنه من الواضح تهيئة الظروف لعجز ومزيد من النمو في أسعار الخبز.

ومع ذلك، هناك عامل آخر أيضاً. الحبوب والغذاء، وعلى أقل تقدير، بالأحرى ستكون سلعة استراتيجية حتى أكثر من الطاقة، وربما تستخدم بنجاح أكبر كسلاح اقتصادي، أو وسيلة دعم للحلفاء

وقد رأينا، أثناء الحجر الصحي خاصة نهاية العام الماضي، وعندما بدأت أسعار المواد الغذائية في الارتفاع، كيف فرض أكبر منتجي الحبوب حظراً أو قيوداً على التصدير، من أجل ملء السوق المحلية، وخفض الأسعار لسكانها. في حالة اندلاع التضخم العالمي المفرط، غالباً ما سوف يكون قرار تصدير الغذاء إلى الخارج ذا طبيعة سياسية، وسيتم اتخاذه اعتماداً على العلاقات بين البلدان. على سبيل المثال لا الحصر، وعلى خلفية ما نلاحظ من الاحتكاك الراهن بين فرنسا والجزائر، وفي سياق أزمة الغذاء العالمية، قد يؤثر ذلك أو حتى سيجعل من المستحيل توريد القمح الفرنسي إلى الجزائر

 

* الصراع الأمريكي الصيني وانقسام العالم إلى معسكرات :

علاوة على ذلك، فمع اقتراب الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى المرحلة الساخنة، ينقسم العالم إلى معسكرات بكل ما تحمله الكلمة من معنى العزلة عن المعسكرات الأخرى، بما في ذلك القضاء على الروابط التكنولوجية والاقتصادية.

لهذا، توقفت الصين عن شراء الفحم الأسترالي، وتوقفت الولايات المتحدة عن إمداد محطات الطاقة النووية في الصين باليورانيوم، بينما تحاول أوروبا، وإن لم تنجح، تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

كذلك فإن حصة روسيا في إنتاج القمح العالمي كبيرة بشكل غير متناسب، فهي تصدّر الآن الحبوب، بما في ذلك إلى حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل، لن تكون الحبوب التي  تنتجها الولايات المتحدة وحلفاؤها كافية لجميع أفراد معسكرها 

 

 

أبرز المستفيدين من الأزمة :

مصائب قوم عند قوم فوائد، يُنظر إلى تلك الأزمة باعتبارها فرصة للمصدرين، الذين يتأهبون لاغتنام الفرصة لتحقيق مكاسب استثنائية خلال تلك الأزمة، والاستفادة من الارتفاع العالمي لأسعار الغاز، وعلى رأسها روسيا، وتنضم إلى القائمة الولايات المتحدة الأميركية، والنرويج،  وأستراليا، وكندا، وهولندا، وماليزيا، والجزائر، ومن الممكن إن يلعب العامل الجغرافي دوراً مهماً في ذلك الأمر، في دولة مثل أستراليا- على سبيل المثال- من أكبرالدول المصدرة للغاز،  لكن العامل الجغرافي ليس في مصلحتها بالنظر إلى تكلفة النقل، وهو جزء مهم ورئيسي في أي جدوى اقتصادية، وأن دولة مثل مصر يمكنها الاستفادة من تلك الأزمة أيضاً، لاسيما أنها تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأصبحت لديها قدرة تصديرية، وبالتالي فإن مصر كموقع جغرافي وقدرات واضحة، يمكنها أن تكون مستفيدة من ارتفاع أسعار الغاز على المستوى العالمي، وبشكل خاص في ظل وجود علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول الاتحاد الأوروبي، تنعكس على العلاقات الاقتصادية والتجارية. فدول الاتحاد الأوروبي هي دول صناعية في المقام الأول، وتعتمد على الطاقة بشكل كبير جداً، وبالتالي فإن الأزمة الراهنة يمكن أن تعزز من دور مصر وتعود عليها بالإيجاب، كما يعود على دول أوروبا أيضاً التي تئن مع نقص الإمدادات

 

 

: تداعيات  الأزمة عالميا 

وأخيرا  إن أزمة الطاقة في أوروبا من الممكن أن تمتد، لتشمل بقية بلدان العالم، حيث سيؤدي الشتاء القارص المقبل إلى دفع الطلب على الغاز الطبيعي فوق العرض المتضائل بالفعل، مما يتسبب في وقوع المزيد من البلدان ضحية لنقص الطاقة في الصين، وقد يضطر القطاع الصناعي بما في ذلك مصانع الخزف والزجاج والأسمنت إلى رفع الأسعار، وستعاني الأسر فى البرازيل من ارتفاع أسعار الكهرباء، والاقتصادات التي لا تستطيع تحمل ارتفاع تكاليف الوقود، مثل باكستان وبنجلاديش قد تصاب بالشلل مع بلوغ الطلب الآسيوي ذروته في الصيف، سيبدأ الطلب في الانخفاض في الخريف، وبالتالي قد تجذب أوروبا أخيراً إمدادات الغاز الطبيعي المسال مرة أخرى، وقد يمنحها هذا الأمر حالة من الاسترخاء في نوفمبر ٢٠٢١، ولكن سيظل السؤال الذي يطرح نفسه: هل تنطلق أزمة الغاز إلى دول العالم؟