بمعزل عن التخريف والتسخيف وتجفيف منابع الفكر وخلق خصومة وهمية لتبرير مشاريع وتحقيق مصالح دولية ، او حزبية ، او شخصية على حساب الامة التي تبقى دوما مشغولة بمعارك جانبية لا ناقة ولا جمل فيها .. جعلت من كل التغيرات الحاصلة بتركيبة أنظمة الحكم متشابهة لا يتبدل فيها سوى الشكليات بما يخدم منظومة الحكم والاجندات التي أتت به . هذا ما قرأناه وتتبعناه تاريخا في الواقع العربي – في اقل تقدير - خلال مائتي سنة خلت .. تبين من خلالها ان السلطات بذات العقلية والمنهجية فيما الشعوب بحال سيء لا يتناسب مع تضخم ثروات السلطان .
قبل (2500 ) سنة تقريبا تم الإطاحة بحكومة روما الدكتاتورية وطرد الملك تاركونيس واعلان الجمهورية وتشكيل مجلسي الشعب والشيوخ ومنح السلطة الى قنصلين يتم انتخابهما من قبل مجلس الشعب لقيادة الحكم الجمهوري لمدة سنة واحدة ، فيما يقوم مجلس الشيوخ بتقديم المشورة غير الإلزامية .. واذا ما تعرضت الجمهورية لخطر ما ووجدوا قصور في أداء القنصليين يتم تجميدهما فورا وتعيين ما يسمى بمكتب الدكتاتور الذي يمنح صلاحيات واسعة لغرض قيادة الدولة ودرأ الاخطار على ان لا تزيد مدة حكمه اكثر من ستة اشهر باسوء الأحوال ... شريطة ان تكون السلطة الدكتاتورية تحت المراقبة وفي خدمة الامة ..
في اغلب دولنا العربية وبعد تتبع التاريخ الحديث والمعاصر لم نجد تغيرات جوهرية على طريقة أنظمة الحكم وكذا تحسين واقع الحال الشعبي والاجتماعي العام . فعلى سبيل المثال في الشرق العربي خلال مائة سنة مرت من تغير نظام الحكم العثماني الوراثي الى الملكية حتى نظام جمهوري .. ثم ما يسمى بالنظام البرلماني الديمقراطي وكتحصيل حاصل لا يحتاج الى شرح الواضحات ولا الفاضحات .. فان كل الأنظمة كان لليد الخارجية والاقليمية تاثير بل دورا كبيرا في ذلك .
هنا لسنا بصدد تقييم الأنظمة وأداء الحكام ، بقدر ما نريده من اظهار الأساليب المتشابهة فيها .. فوجدنا ان التغيير شمل المسميات والاليات ، وكذا التلاعب ببعض الشعارات وإعادة صياغتها وطرحها بما يتناسب مع المرحلة دون مس الجوهر ، كذلك تم تغيير بعض الألوان ورمزيتها حسب كل مرحلة وبعض المقتضيات الاخراجية للمشهد العام بما يتناسب مع الشعارات المطروحة خارجيا وداخليا .
فكلما يحدث التغيير أي تغيير وان بدى بفارق جذري عن سابقه تتضح حقيقية امره حسب ما مخطط له من قبل اجنداته وخطوطهم الحمراء التي لا يمكن تجاوزها تحت أي عذر ومسمى كان .. بصورة تفرغ محتواه وتجعله مجرد ديكور لا حراك إيجابي فيه لصالح الدولة والشعب ، فالحكام الجدد من سياسيين او عشائريين او حزبيين يمنحوا الحق المطلق لهم ولاتباعهم حصرا وعلى طول الخط .
قطعا ان طبيعة الحكام على الاغلب تكون جشعة لا تشبع ولا تتعلم من دروس التاريخ وتجاربه ولا تتعظ من عبره .. سيما في ظل انعدام الرقابة وصمت القوى الخارجية التي لا تتدخل ما دام الحكام يخضعون ضمنا – بعلم او بدونه – لاجنداتها والسير في ركابها وخططها .. لذا فانهم واتباعهم يستحوذون على مناصب الدولة العليا مع بقية الوظائف والدرجات الخاصة وكل أنواع الثروة أراض ومزارع وقصور ومواقع تجارية ومؤسسات مدنية وفنادق ومولات .... والكثير مما يشكل عصب الحياة الاقتصادية والمكانة الاجتماعية .. فيما الشعب ينزوي مرة أخرى يترقب ويؤدي مناسكه وشعائره داعيا الله ليل نهار ليزيح كابوس السلطة الجديدة .