الجزائر في مفكرة أمريكا بالسياسة والاقتصاد والثقافة العلمية ،ماذا تريد؟ بل ما المقصود..؟
منذ أيام قليلة قدمت قناتي العربية والجزيرة (العربية تابعة لجهاز استخباراتها الخارجى،"سي آي ايه "والجزيرة تحت طاعة أوامرها) قدمتا مدينة عبدالقادر ومتحف الأمير عبد القادر وتسمى بالإنجليزية Elkader) ) وتقع بمقاطعة كلايتون آيوا بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد اشاد سكانها-بأمر غير مألوف -بالعلاقة الأميركية الجديدة مع الجزائر.. أكيد ان العرض الذي قدمته القناتين من ورائه جهة نافذة في صنع القرار الأمريكي ،وقبله قالت سفيرة امريكا في الجزائر قبل نهاية عهدتها فيها" لدي بنتين واتمنى تزويجهما من جزائريين؟ "وهو أمر غير معهود في الديبلوماسية وان دل على شيئ فانه من غير شك مبني على ما عرفته ودراسته عن الروح الطيبة للجزائرين و تماسكهم الاجتماعي بخلاف الانحلال الأسري في أمريكا والغرب عموما ،وهو من الأماني التي نعتز بها...ثم هناك طلبات تعاون أمريكي جزائري في الاونة الاخيرة لم نعهده من قبل هو أيضا تعاون في المجال الثقافي خاصة بين الجامعات.. ترى هل الموقف الإيجابي للسياسة الجديدة للجزائر وموقفها من الأحداث الدولية وراء ذلك ام هو الحراك السلمي والموقف المشرف للجيش الوطني منه، بل وحمايته له هو الذي اعطى هذه الصورةالرائعة لامريكا والغرب عن الجزائر وشعبها وجيشها المتماسكين حد التلاحم الكلي وهي ظاهرة لم تعرفها الدول الغربية فضلا عن بقية الدول الاخرى وما تنعم به من الأمن والأمان والتطبيق الأخلاقي للديمقراطية وحقوق الإنسان عائد بالأساس الى هذه الصفة المبسوطة في الشارع وامام انظار العالم كله..؟ ام ان امريكا تخلت عن الشرق الاوسط بعد ان ثبت لديها انه على حافة الانهيار أمام إيران بسبب بقائه ضمن الحكم غير الإنساني وبعيد عن الديمقراطية والذي يمتد بجذوره الى العصر الجاهلي؟ ايا كان الامر فان الجزائر بهدوء سياستها وحكمة قادة جيشها واحترام سياسييها لمبدأ الديمقراطية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والتزامها بميراث شهدائها وتلاحم الجيش مع الشعب وعدم التدخل في السياسة تلاحما لا انفصام له مع قضايا الشعب وهو ما لم يكن بمثله أي جيش ،حتى في الولايات المتحدة ايام حراكها...صحيح أن الجزائر ليست دولة صناعية كبرى ولكنها دولة صناعة القيم والمبادئ التي غابت في أمريكا والغرب كله ،وصحيح ايضا ان دولا عدة وفيها من يدعي الانتماء للأمة العربية خططت ودبرت المؤامرات ضدها وما أصابها الا الخطأ في التقدير لان الجزائر ليس في جيشها عصابات تباع وتشترى فهو جيش سليل جيش التحرير والجهاد. وصحيح ايضا ان الرئيس ساركوزي قالها سرا لعبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي وقتها "ان الجزائر هي المقصودة بعد ليبيا " وصحيح ايضا ان ميتران قال" ان تطور أي بلد في الشمال الافريقي سيقضي على مصالح فرنسا ومصالح أوروبا بكاملها وكل الدراسات اثبتت ان الجزائر هي البلد الوحيد المؤهل لإحداث النهضة نظرا لامتلاكه خصوصية التحدي والتماسك بالرغم من أصوله الهجينة" وقد قالها قبله نابوليون بونابارت " الجزائر بوابة إفريقيا" ومع كل هذه المواقف المتطرفة من فرنسا على وجه الدقة فإنها بخلاف امريكا تسعى باستمرار للتقارب اكثر من الجزائر ليس بالتخلي عن مواقفها الاستعمارية لكن يبدو جليا ان الحظ لن يكون معها امام امريكا والصين وروسيا فهل يعني هذا ان الجزائر صارت مركزا للقوى العالمية الباحثة عن عالم جديد استثماراتها خارج إطار حلفائها القدامى في الشرق الاوسط بما في ذلك اسرائيل وبالتالي تكون الجزائر هي محور التقارب في ظل النظام الدولي الجديد المتعدد الأقطاب والذي بدأت معالمه تطفو على السطح مما يعني هبوط دول وصعود اخرى مكانها ،هذا هو الرأي الصائب اليوممن وجهة نظرنا، وقد اعتمدنا فيه على التحليل وليس المعطيات ومن هنا يمكننا القول وربما بالتأكيد وطبقا لمجريات السياسة العالمية الجديدة التي صنها بعنف فيروس كوفيد على مستويين اثنين.. أولاهما :على المستوى الاقتصادي العالمي وما يعانيه من انكماش بلغ اوجه على الطيران المدني والمصانع وحتى البنوك، في فرنسا وحدها خسرت ايرفرانس العام الماضي 8 مليار دولار وفي الثلاثي من العالم الحالي حوالي مليار أورو ،وثانيهما: على المستوى الاجتماعي اد انهارت القيم الديمقراطية فقد تم تسريح الآلاف من العمال والموظفين من وظائفهم وليس بالإمكان استعادتهم في اقرب الاجال بل ربما لسنوات مقبلة..من هنا يبدو جليا ان الغرب علم ان عصور الكذب التي عاشها تحت شعارات" حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية" ولم تطبق اصلا لا في بلدانها ولا في خارج بلدانها انتهى دوره وان الحقيقة هي وحدها من تقود الامم والشعوب ولا مجال للادعاء زورا بحقوق الانسان من جديد،وقد ظهرت الحقيقة حين ظهرت العنصرية بوحشية في كل من فرنسا وأمريكا وبريطانيا ،حيث استعمل السلاح ضد مواطنيها حين طالبوا بالمساواة وخرجوا في حراك شعبي حتى ان بعضا من هذه الشعوب طالبت بمعاملتها بمثل معاملة الجزائر حراكها السلمي وكأنها تقول لقادة دولها انتم اعداء الديمقراطية وليست الجزائر...ان الجزائر ليست بحاضرها فقط بل بماضيها الجهادي وقد دفعت ثمن تحررها من الاستعمار الفرنسي ارواحا بشرية لا يحصيها الا خالقها والدول بمثل هذ ه المسيرة الجهادية لا يمكنها الا ان تكون بديلا بحريتها لادعياء الحرية، ادعياء بلا موقف ولاثابت تاريخي حين نفيى الاميرعبد القادر الى دمشق خلف وراءه من اهله من يحارب هناك جنبا الى جنب مع الجيش السوري ضد الاحتلال الفرنسي فكان الموقف الجهادي قولا وصدقا وفعلا ،وحين تحررت الجزائر فتحت ابوابها للمناضلين من كل انحاء العالم ليخاطبوا شعوبهم دون قيد او شرط وان يتعلموا في ثكناتها العسكرية في انتظار يوم الحسم وعلى راسهم الرئيس نيلسون مانديلا الذي اصبح لاحقا رمزالسلام العالمي..بالتاكيد ،فان للجزائر اذا تخلصت من الهيمنة الاقتصادية الفرنسية ستكون صوتا فاعلا ان على المستوى الوطني اوعلى المستوى الدولي فرصيدها السياسي والحضاري والجهادي يمكنها من ان تكون في مستوى الدول الفاعلة سياسيا واقتصاديا ،من هنا يمكن فهم هذاالتسابق الدولي لاحتضانها ان بالتواصل السياسي معها اوبالتواصل الاقتصادي.. ان الخروج من تبعية المؤسسات الاقتصادية الفرنسية يعني ببساطة الخروج الى عالم اقتصادي متنوع محليا وعالميا، والنتيجة الاستقلالية في المجال السياسي.في الارتباط بفرنسا الارتباط بربان سفينة ضاعت منه البوصلة، لم تعد فرنسا الجنرال ديغول ولا إمبراطورية الثقافة و السياسيين لقد وصف بعض الصحفيين الفرنسيين فيما كتبته صحيفة " لومانتي "الفرنسية بشأن التدخل الفرنسي في الصومال.."تحرك القوات الفرنسية والقوات الإفريقية التي تنظم إليها لن يكون له معنى إلا اذا اقترن بالاستثمار بقوة في تقاسم جديد للثروات في أفريقيا
فرنسا رغم علاقاتها التاريخية بإفريقيا اخطات خطاين خطا الاستعمار وخطأ ما بعد الاستعمار بمحاولات بسط نفوذها بما يشبه القوة العسكرية على موارد هذه الدول ثم عودتها الى مايشبه الاستعمار وبالقوة العسكرية ايضا وبدا ساستها وكأنهم اميون..
لقد كان السيد" دو فيلبان "واضحا حين وصف الحرب على ليبيا بقوله "هذه الحرب تفتقر إلى اي هدف ولم يتوفر لها أي شرط من شروط النجاح وقد وصف بعض الصحفيين الفرنسيين " ألان جوبي" ب "وكالة الأنباء حصرية لأخبار الثورات العربية خصوصا في سوريا كونه يستند على "الفايسبوك " في دعم موقفه "إمام وزراء خارجية الدول التي يتصل بها لإقناعها بتأييد مشروع القرار المعد من فرنسا وأوربا بل إن الاخطر من كل ذلك ما كتبته صحيفة " لومانتي "الفرنسية بشأن التدخل الفرنسي في الصومال.."تحرك القوات الفرنسية والقوات الإفريقية التي تنظم إليها لن يكون له معنى إلا اذا اقترن بالاستثمار بقوة في تقاسم جديد للثروات في أفريقا أما فرنسا الآن فإنها تنفخ في الرماد و لكن خارج كل احتمالات النجاح بل يمكن اعتبارها مخترقة وبشكل بائس من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وإذا كانت الجزائر فعلا قد أجلت زيارة وزيرها الأول إلى الجزائر بسبب بعض التحفظات غلى مستوى الوفد المرافق له فان اتجاهها نحو القوى الصاعدة وأمريكا يصير امر مقضيا.وما قاله."بيير بول لوروا بوليو" قبل قرن ونيف :لم تاخذ به السياسة الفرنسية لاحقا قال " لو كان جميع سكان الأهالي في الجزائر مثل القبايل،حينها يمكننا القول: أن المسألة الجزائرية ستكون سهلة ومنتهية"
أكيد لسنا من أولئك الذين يركزون على بناء حضارتهم على المال بل من أولئك الذين يصنعون قوتهم ،إن ، في الحضارة أو في التاريخ ، من ثوابتهم وقداسة جهادهم ، ذلك أن الحضارة لا تصنع في منشآت هي أشبه بسوق البازار السياسي، ولا تقوم على أرصدة مالية في بنوك مجمدة بل على وعي شامل يأخذ بالجزء لصالح الكل وبالكل لصالح الجزء، وفق منطق السلامة كتابة والتطبيق لها واجب ...
نحن إذن نبني قوتنا ووعينا وفق منطق التاريخ لا خارجه ، لأن من يؤمن بأن الفراغ يصنع القيم بناء على صناديق الأموال التي توزع في الفناء الخارجي وأهم ، بل تبنى على فهم عناصر البناء والقوة التي تحكم الذات وتؤمن لها الاستدامة وهذا هو سر ما نحن عليه من أمن وأمان وربما احد الدوافع الامريكية والاوروبية للتقرب اكثر من الجزائر حتى وان ادعى البعض خلاف ذلك..طالما ان هذا البعض يؤسس من الفراغ نظرية الفراغ سواء آمن بذلك ام لم يؤمن.. فالطريق نحو بناء الذات لا يعترف بالمجازفة في الرأي ، ومن يتحكم في الحوافي و يطوعها لصناعة النصر هو بالتأكيد القادر على تطويع الواقع لفكرة الصعود بعمق الذات نحو التحول العام صوب التاريخ.