4 أبريل 2021، يوم تاريخي في ذاكرة العالم، هذا اليوم الذي احتفلنا فيه بنقل ملكات وملوك مصر الـ "22" من متحف التحرير لمتحف الحضارة، نقلته 400 قناة تليفزيونية، وعدد كبير جدَا من الإذاعات، والجرائد، والمجلات، بالإضافة إلى وسائل التواصل المحلية والأجنبية، كما تابعه حوالى 5 مليارات مشاهد من كل بقاع الأرض.
جاء هذا الحدث الفريد من نوعه في توقيت حاسم ومهم، فكان – من وجهة نظري المتواضعة – عبارة عن رسالة مختصرة ذات معنى ومغزى إلى كل من يهتم ويتابع الشأن المصري لسبب أو لآخر، كما أن الحديث عن مآثر وبطولات وإنجازات ملكات وملوك القدماء المصريين، يحتاج منا إلى مساحة كبيرة، وهذا ما سأتناوله في مقالات قادمة بإذن الله تعالى.
ولربط الأمور مع بعضها البعض، فلابد من لفت الانتباه إلى خطورة الملفات التي فتحها الإعلام الغربي مؤخرا عما يُسمى بـ "الشعوب الأصلية"، والذى يحتفل به منظموه 9 أغسطس من كل عام بناء على قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة 49/214 المؤرخ بتاريخ 23 ديسمبر 1994.
وتعريف "الشعوب الاصلية" - وفقا لتقرير خاص للجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بالأمم المتحدة – هي "تلك التي، قد توفرت لها استمرارية تاريخية في مجتمعات تطورت على أراضيها قبل الغزو وقبل الاستعمار، تعتبر أنفسها متميزة عن القطاعات الأخرى من المجتمعات السائدة الآن في تلك الأراضي، أو في أجزاء منها، وهي تشكل في الوقت الحاضر قطاعات غير مهيمنة في المجتمع، وقد عقدت العزم على الحفاظ على أراضي أجدادها وهويتها الاثنية وعلى تنميتها وتوريثها للأجيال القادمة وذلك باعتبارهما أساس وجودها المستمر كشعوب، وفقا لأنماطها الثقافية ومؤسساتها الاجتماعية ونظمها الثقافية الخاصة بها، ويقدر تعداد الشعوب الأصلية على صعيد العالم ما بين 300 – 500 مليون فرد".
ومن باب الأمانة الوطنية، وإيمانًا منا بحق شعبنا الأبي في الدفاع عن نفسه ضد كل ما يُحاك ضده من مؤامرات "داعرة - ماكرة" عن طريق تحليل الـ "DNA" لملوكنا قدماء المصريين، بهدف الادعاء بأننا لا نمت لهم بصلة، فيجب الإشادة بقرار قيادتنا السياسية في 6 اكتوبر 2021 بتوجيه وزارة البحث العلمي بالبدء في تنفيذ "مشروع الجينوم البشري المرجعي المصري" ضمن خطة تنفيذية للدولة لعام 2020-2021، وذلك لوأد أي حديث يخص مصر في ملف "الشعوب الأصلية" قبل مولده، فمصر منذ الأزل وإلى قيام الساعة لا يسكنها سوى شعبها جيل بعد جيل، وغير صحيح على الإطلاق أن "المصريين الحاليين ليسوا من نسل قدماء المصريين كما يُروج أعداءنا من وقت لآخر".....!!
وحتى تتضح الرؤية للقارئ العزيز حول هذا المشروع، فإنه يرتكز على ثلاثة محاور مهمة جدًا:
- الأول: بناء جينوم مرجعي مصري يحمل المتغيرات الجينية الطبيعية والأكثر شيوعًا بين المصريين.
- الثاني: دراسة جينوم المصريين القدماء.
- والثالث: هو البحث عن التغيرات الجينية المرتبطة بالأمراض الشائعة لدى الشعب المصري تحت إشراف مجلس إداري من ممثلي مؤسسات وطنية وعلمية، تنبثق منه لجنة علمية لوضع الخطة التنفيذية ومتابعتها، إضافة للجنة وضع معايير أخلاقية وقواعد خصوصيات المعلومات، وسيجري إنشاء المعمل المركزي للمشروع داخل مركز البحوث الطبية، والطب التجديدي التابع لوزارة الدفاع، وسيشرف المركز على التنسيق بين المجموعات البحثية المشاركة، المكونة من عدة جامعات ومؤسسات علمية مصرية.
مشروع من هذا النوع الخطير، سيكون بالتأكيد أمن قومي مصري مليون في المائة، بل وعمل استراتيجي لا يستهان به، لأنه ببساطة، سيكون نواة لإنقاذ المصريين من الأمراض المعاصرة، سواء أكانت ذلك بفعل فاعل، أو طبيعية، كما سيستخدم لاكتشاف ومواجهة الحروب: البيولوجية، والجينية التي يمكن أن نتعرض لها، فضلًا عن إمكانية استخدامه لوقف عبث الصهاينة وعملائهم برفات أجدادنا، والتشكيك في حضارتنا، وكذلك لدحض الإشاعات والأكاذيب التي يروجونها ضد ملوكنا قدماء المصريين، ومحاولة الترويج بأننا كـ ( مصريين ) لا ننتمي لتلك الحضارة العظيمة والفريدة؛ التي علمت الدنيا كلها أبجديات العلوم: الإنسانية، والطبية، والهندسية، والفلكية، والفلسفية و....وبذلك سنضمن سلامة أبحاثنا الجينية من تلاعب أصحاب النوايا السيئة الذين يخططون ليل نهار للإضرار بماضينا، وحاضرنا، ومستقبلنا ضمن مشروع عالمي مشبوه تقوده قوى البغي والظلم العالمية تحت مسمى "الشعوب الأصلية.....!!
ونظرًا لأن مصر لم تتطرق بشكل رسمي من قبل لهذه القضية المهمة، خاصة في ظل جائحة كرونا التي يدور علاجها حول أبحاث الجينات، فالاهتمام من قبل أحد أهم الجهات المعنية بالأجندة البحثية بمصر هو أمر محمود ومفرح، ولكن يتغير شعوره إلى الحيرة الفعلية على خلفية طرح عدد من الاعتبارات السياسية التي قد ترتقي إلى حد المخاوف حول أبعاد القضية البحثية التي تتطلب تكامل التخصصات المتشابكة والعابرة، ومن أجل الحيطة والانتباه واستحداث سياسات للحماية والممانعة لإكمال المجهود البحثي في أمان، بعيدًا عن أية اعتبارات مستقبلية مهددة، يمكن رصد أبرزها في الآتي:
1-الأبعاد السياسية لأبحاث الجينوم البشري ومفهوم الشعوب الأصلية: الاتفاقية الأممية عام 1991 للشعوب الأصلية وما تتضمنه من إشكاليات حال توظيفها.
2-التتابع الجيني واختراع طرائق جديدة عام 2010:2015 لتحرير الجينومات البشرية وتغيره في ظل ظهور فيروسات ناقلة مبدئيا للعلاج بالجينات.
3-علم الدراسات الوراثية لليهود ومحاولات إثبات أنهم أصل شعوب المنطقة.
4-المطالبات بإشراك الشعوب الأصلية من العلماء في أبحاث الجينوم لإثبات حقوقهم.
5-تحول نتائج الحمض النووي إلى مكاسب سياسية على الأرض.
من هنا يتضح أن هذا المشروع هو لغلق باب خلفي وتبعاته غير المحمودة، لذا من المهم أن تتم بشكل رسمي لا مجال فيه للتلاعب، خاصة في إطار الإشارة لرغبات أجنبية بإجراء الأبحاث على المصريين العاملين بالخارج.
ومن ثم هناك خطورة كامنة بشأن أبحاث الجينوم المرتبطة بالجنس اليهودي والادعاء بكونهم "شعوبا أصلية"، خاصة في ظل سهولة وانتشار تحليل الحمض النووي وامتلاك الشركات الأجنبية خارج مصر هذه البيانات وإمكانية تزويرها، للادعاء بأن الخرائط الجينية للمصريين، ممن أجري تحليل الحمض النووي لهم أنهم مصريون، خاصة في ظل حصول الممثل الأمريكي صمويل جاكسون عام 2018 على جنسية الجابون عقب إجراء اختبار الحمض النووي الذي أثبت أنه جابوني الأصل بنسبة 80% ومن ثم منحه رئيس الجابون الجنسية السياسية للبلد، الأمر الذي يطرح إشكالية تحول الاختبار لقرينة اكتساب حقوق سياسية وقانونية بالتبعية....!!
لذا نكرر الإشادة م بقرار وزارة البحث العلمي بالبدء في هذا المشروع بأيدي مصرية خالصة، مع التشديد على إشكالية السرية لهذه المعلومات خشية من تسييسها واكتساب حقوق سياسية وقانونية بالتبعية لأعداء مصر.....!!
الكتابة عن تحليل الحمض النووي والجينات والشعوب الأصلية، و..... بقية هذا الـ "العك"، ذكرني بحوار صحافي؛ قد أجريته منذ 12 عام تقريبًا مع أمين سابق للمجلس الأعلى للآثار، والذي أصبح وزيرًا للآثار فيما بعد، وهو د. زاهي حواس، سألته عن حقيقة الاتفاقية الموقعة بين "الآثار" وإحدى الجمعيات الأمريكية؛ على إجراء دراسة عن المومياوات المصرية، وتحديدًا للأسرتين: 18 و19.....؟!، فأجاب:
-"هذا الكلام حدث منذ 2005، ونحن الآن في 2010، أي أنه قديم جدًا، فالجمعية الأمريكية، صورت فقط مومياء الملك توت عنخ آمون، ونحن الذين قمنا بالدراسة كعلماء آثار مصريين، وذلك ضمن عمل أطلقنا عليه "المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية"، ووقتها اتفقنا مع هذه الجمعية على أن تصور الدراسة مقابل أن تمنحنا جهاز أشعة مقطعية ثمنه 5 ملايين دولار"، سألته:
"لكن هناك من يؤكد أن المشروع لم يقف عند توت عنخ آمون، بل امتد إلى أسرته كذلك"؟، أجاب الوزير:
-"نعم هذا صحيح، فقد استكملنا الدراسة على عائلة هذا الملك ووقتها سألت شركات عالمية ترغب في تصوير تلك الدراسة عمن يدفع أكثر وتقدمت شركة تسمى "الديسكفر شنال"، وأبدت استعدادها للدفع أكثر، وبالفعل جهزت لنا معملين لتحليل الـ "DNA" أحدهما في بدروم المتحف المصري، والآخر بكلية طب القاهرة العام الماضي، وقد دفعت هذه الجهة أيضًا أجر علماء الاتفاقية، الذين عملوا في هذه الدراسة"، سألته:
"المعلومات التي وصلتنا تفيد بأن تحليلات الـ ""DNA تستخدم لخلق فجوة بين جينات المصريين القدماء والحاليين لأسباب لا تخفى على عاقل"؟، فأجاب الوزير:
-"أشدد على أن هذا الكلام يصب في خانة "نظرية المؤامرة"، ولذلك أريد أن أوضح لك أننا لم نكن نعلم أي شئ عن والد ووالدة الملك توت عنخ آمون، وباستخدام هذا التحليل توصلنا إليهما، وهذه هي القصة الحقيقية كاملة من استخدام تحليل الـ"DNA"، سألته:
"وما ردك على من يرى وجود خطورة من تحاليل الـ"DNA" على تاريخ وآثار مصر من الجانبين: السياسي والديني".....؟؟، فأجاب الوزير:
-"هذا الكلام غير صحيح أيضًا، لأنني عندما أنوى عمل مشروع كهذا، فإنني أستخدم التحليل السابق ذكره، وهذا يكلفني مبالغ كبيرة جدًا، الأمر الذى جعلني أعتمد على التمويل الخارجي مع الحرص الشديد على ضمان حقوقنا كاملة من جميع الجوانب، ونحن من نقوم بهذه الدراسة وليس الأجانب، هم فقط يصورون، وهذا ليس عيبًا، فنحن نتقاضى مبالغ ضخمة نظير تلك التسجيلات، أما عن موضوع الاستغلال عالميًا ضد مصر، فأنا أقول بأن هذا الأمر يفيد مصر ولا يضرها".
وتعقيبًا على إجابات الوزير، سألت عدد من خبراء الآثار، ومنهم صديقي عالم الآثار المعروف، د. عبد الرحمن العايدي، فأجاب:
-"لقد اشترطت الجمعية الأمريكية محل الحديث أن تعمل أشعة على ملوك الأسرة 18، وأخذت عينات من الحامض النووي لهؤلاء الملوك "D.N.A" حتى يقارنوها بالحمض النووي للمصريين المعاصرين"......!!، لافتًا إلى "أن هذا العمل من الناحية العلمية، وبعد مرور آلاف السنين، وما تعرضنا له - كمصريين بفعل التغييرات الديموغرافية - لا يمكن أن يؤدى لنتائج دقيقة، وأعضاء هذه الجهة، ومن يمولها ويقف خلفها يعرفون ذلك جيدًا، لذا فإنني أؤكد على وجود نوايا خبيثة لتحقيق ثمار بشكل أو آخر لتحقيق هذه المؤامرة من خلال الادعاء بأن "الفراعنة ليسوا مصريين".....!!، وأردف:
-"وبالفعل استطاعت الجمعية الأمريكية أن تصل إلى هذا التزييف، وهذا التزوير من خلال ادعاءاتها، وذلك من خلال أبحاثها العلمية الكاذبة التي أجرتها على مومياء الملك توت عنخ آمون"..... !!، وتساءل العالم الأثري
-"لكل ما سبق يجب أن نسأل أنفسنا عن النتيجة التي عادت علينا من هذه الاتفاقية سوى الآتي":
-أولا: قمة الإهانة لنا كمصريين عندما يشترطون علينا دورًا معينًا في هذه المؤامرة، وهو تنظيف الجهاز الذى تستعمله الجمعية الأجنبية، ونقله من مكان لآخر كلما استدعى الأمر ذلك.....!!
- ثانيًا: للجمعية الأمريكية حق البحث العلمي، والتصرف في جميع المعلومات التي تتوصل إليها على هواهم، وبما يخدم أغراضهم.....!!
- ثالثًا: بعد أن تحصل هذه الجمعية على ما تريد، وتحقق الأهداف التي خططت لها، ستترك لنا الجهاز الذى تستخدمه في فحص المومياوات وثمنه – كما أشيع - 750 ألف دولار.....!!
بعد رأي "العايدي"، سألت عدد آخر من خبراء الآثار عن هذا الأمر، فأكدوا أن "من خلال هذه الأبحاث، تمكن اليهود من نشر أبحاثهم، وادعوا – كذبًا وفجورًا عن طريق إعلامهم المُضلل أمام العالم أجمع - أن الملك توت عنخ آمون لم يكن مصريًا.....!!، كما نشروا على مواقعهم صورًا تدعى أنه "قوقازي الأصل"، وذلك في محاولة بائسة ويائسة منهم أن الملك توت كان عبرانيًا"......!!، وأن الملك العظيم رمسيس الثاني، هو من أخرجهم من مصر، و...... إلخ هذه السخافات التي يتشدقون بها في كل وقت وحين دون كلل أو ملل، ومن يطلع على كتب بعض علمائهم وخبرائهم في هذا المجال، سيتأكد مما أشرنا إليه، مؤلف "إسرائيل في مصر" نموذجا.....!!... جزء من كتابي الجديد "وقود الحرب العالمية الثالثة".. وللحديث بقية.