إدوارد فيلبس جرجس يكتب: مصر الـفرعـونـية!

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: مصر الـفرعـونـية!
إدوارد فيلبس جرجس يكتب: مصر الـفرعـونـية!

 

الواقع دائما يفرض إرادته ، لم أكن أفكر أن أكتب في هذا الموضوع الآن أو ربما على الإطلاق ، لأني أؤمن تماما بأن مصر فرعونية ، وهذه لا تحتاج إلى نقاش ،  ولا الأمر بدعة تقبل الفتاوى ، الفراعنة وأثارهم وكتاباتهم موجودة في كل بقعة على امتداد وادي النيل ، أقول ثانية أن الواقع يفرض إرادته ، فهذا الموكب الرائع للمومياوات  أثار في داخلي الإحساس بالعظمة وبأنني أنتمي لهذه الحضارة العظيمة ، ورأيت أن هذا الموكب لا يجب أن يمر مرور الكرام وأن أكتب عنه بكل دواعي السرور ، لكن قبل أن أخوض بل أُسهب في الحديث عنه ، وعن روعة القديم عندما يتقابل مع روعة الحديث  واعتراف وافتخار بأننا ننتمي إلى عظمة هؤلاء الفراعنة ، واعتراف وافتخار بأن كل من ساهم فيه ورث الأبداع والفن ، واعتراف وافتخار بأن كل من فكر في أن يكون هذا الحدث أنه ورث استنارة الفكر من بناة الأهرام وثقافة مضيئة عبر التاريخ  وأيضا كي  أبطل إفرازالعقول المظلمة المنتمية للإرهاب سواء عملا أو فكرا وتحاول دائما أن تنخر في بنيان التاريخ وترفع عقيرة البوم  بأن مصر لا تحمل الهوية الفرعونية ،  لكن مهما حاولوا التضليل عن حقيقة مصر وهويتها الفرعونية فإن أراءهم لا تُعدْ ذات قيمة فالذي يحاول تضليل العقول بأن الشمس تشرق من الشرق ،  يقال عنه أنه مغيب العقل ، ومن يحاول التضليل عن فرعونية مصر فهو مغيب الانتماء والفكر والثقافة والتاريخ . فخر لمصر أمام العالم كله أن تنتمي للحضارة الفرعونية بكل ازدهارها وفي كل مناسبة نعلن هذه الحضارة التي تعود لألاف السنين ، ومن وسط هذا الازدهار العظيم اخترت الشئ القريب مني ككاتب وهو الكتابة والأدب عند قدماء المصريين والذي أخذنا الكثير منه فلقد ظهرت الكتابة لأول مرة مع الأسر الملكية فوجدت العلامات والتسميات للمواد التي وجدت في المقابر الملكية ، وكان هذا الاتجاه هو المقام الأول كمهنة للكتاب ، الذين عملوا من مؤسسة مفتاح الحياة أو دار الحياة ، وقد ضمت دار الحياة مكاتب ومكتبات وكانت أشهر قطع الأدب المصري مكتوبة بالكلاسيكية المصرية مثل نصوص الأهرام ونصوص التوابيت ومعامل ومراصد فلكية ، ولقد كتب الحكيم " بتاح حتب " "وصايا في الأخلاق والتعامل " ويعتبر كتابه في الحكمة من الأدب المصري وهو يعتبر أول كتاب في تاريخ البشرية عن الأخلاق وحسن السلوك ، وعاصر " بتاح حتب " الملك " جد كارع " 2375 _ 2414 ق. م " وعمل وزيرا له . استمرت الكتابة الهيروغليفية الكلاسيكية بكونها لغة وطريقة كتابة حتى حوالي " 1300 ق.م " ووقتها كثرت الكتابة على البردى باستخدام شكل آخر من اللغة المصرية ، ولقد وصلت قواعد اللغة لذروتها في الدولة الوسطى وبعدها وقد تمثلت في قصائد الحب والقصص ، وتطورت في الدولة الحديثة إلى النصوص الشعبية والقبطية . ثم تطورت بعدها تقاليد الكتابة إلى السيرة الشخصية على القبور ، وتعد بردية " إيبوير " قصيدة بكائية التي وصفت الكوارث الطبيعية والاضطرابات الاجتماعية . وازداد تقدم الكتابة بعد ذلك عندما كانت مصر دولة مستقلة يحكمها أشهر الفراعنة مثل " رمسيس الثاني " ، وظهرت أشكال جديدة من الأدب واخترعت الأبجدية . الخلاصة أن مصر القديمة تركت إرثا دائما للبشرية جمعاء وأخذ منها اليونانيون القدماء الكثير وتلاهم الرومان . كما أدت اكتشافات الأثار والحفريات المصرية في مطلع العصر الحديث إلى ظهور علم المصريات والبحث العلمي في الحضارة المصرية . وفي هذا السياق كم أُعجب بالقرار الذي أصدره وزير التربية والتعليم بعد موكب المومياوات بإدخال رموز الكتابة الهيروغليفية وما يقابلها من معاني باللغة العربية في المناهج والتي تهدف إلى إطلاع الطلاب على تاريخهم القديم بهدف المعرفة ورفع الوعي وإثارة اهتمام الطلاب بالكتابة الهيروغلافية والتي كانت من أهم وسائل التواصل مع الحضارة المصرية القديمة وأن خطة تطوير المناهج المستقبلية ستتضمن تطوير وعي الطلاب الأثري والسياحي وأنها ستطبق من العام القادم من الصف الرابع إلى نهاية المرحلة الثانوية . وكما اعتدنا دائما بعد كل شئ مفرح يخرج علينا من البشر من هم مثل " البوم " وشؤمه ليقللوا من من فرحة المصريين ، فلقد خرجت علينا سفاهة العقول الظلامية  لتقلل من شأن انتماء مصر أو بمعنى أدق لتشوه وجه مصر الفرعونية بأحاديث عن الهوية ولكي يجذبوا ما يستطيعون جذبه من العقول البسيطة الفهم ، لقد زعموا بأن مصر هويتها إسلامية وليست فرعونية وهي اللعبة التي اعتادوا عليها ،  الزج بالدين في كل شئ حتى يستميلوا كما قلت العقول البسيطة والتي لا حول ولا قوة لها في فهم الحقائق وكل اعتمادهم على ما يسمعونه من أفواه اعتادت الإساءة لكل ما هو مصري وكل ما هو وطني لأن الوطن لا يعني لهم في أي شئ ، بشر فقدوا الانتماء لأرضهم وهويتهم وأصلهم فأصبحوا بلا عقيدة وطنية ، وهذا الموضوع لن أتناقش فيه ولكن سأترك الباحث في الشئون الدينية " إسلام البحيري "  هو الذي سيجيب من خلال ما كتبه على صفحته كدحض لرأي هؤلاء في شأن هوية مصر قائلاً  : ( بالنسبة للوجوه المقززة اللي بتتكلم على إن مصر هويتها إسلامية فأحب أوضحلك في إيجاز اللعبة اللي اتلعبت من أول عصور الخلافة مش من أول الإسلام لإن الأسلام كدين في " الطبعة الأولى " له ،  لم يكن يريد أبدا أكثر من الإيمان القلبي وليس طمس هوية وحضارة من يؤمن به أما بقى لما هل علينا إسلام الخلفاء والفقهاء من منتصف القرن الأول هنا بدأ صراع الهويات والحضارات وكانت مصر هدف أول للصراع ده من أول إلغاء " عمر بن العاص " لعيد وفاء النيل بدعوى إننا كنا بنرمى فيه فتاة وهي حية _ وده وهم وأسطورة محصلتش _ لحد ما المفسرين والفقهاء قرروا من القرن التاني إن المصريين القدماء كانوا كلهم كفار عبدة أصنام في تفسيرهم لقصة النبي موسى مع الفرعون الغريق مرورا بالدولة العثمانية اللي كانت كل مشكلتها هي الحضارة المصرية وصولا لنكبة السبعينات لما الرئيس _ المؤمن خالص _ كان شايف أن عرض المومياوات في المتاحف حرام وبعدها فتح علينا " ماسورة مجاري " السلفية اللي دمرت وشوهت الشخصية المصرية كلها مش بس هويتها ، اللي حصل امبارح ده عظمة من ألف وجه أكبرها إنك تنشئ أجيال على نضيف شايفه كل العظمة والسمو في هويتها المصرية ومؤمنة بالإسلام أو بغيره كدين لا يطمس هويتها .)  إلى هنا انتهي ما كتبه الباحث الديني إسلام البحيري وهو كاف لأن نقول أن هوية مصر هي الهوية الفرعونية والإسلام والمسيحية أديان وعقائد بها وهذا لا ينقص منهما بل المصداقية دائما تعطي احتراما أكبر لأي رأي وما يتبعه من نتائج . هذه المقدمة  ليست سوى لمحة بسيطة عن حضارة عملاقة غير كافية على الإطلاق لهذا المجال المتسع جدا وهو مجال الهوية المصرية وانتمائها للهوية الفرعونية ومجد وحضارة هؤلاء الفراعنة الذين ما زالوا يبهرون العالم حتى الآن بما وصلوا إليه ويكفي أنه حتى الآن يتعجبون كيف تم بناء الإهرامات بتفريغ الهوائ بين الصخور فقط وأنه لم تستخدم أي مواد لاصقة وأنه لعجيب حقا . أنتقل الآن بكل الفخر ودواعي السرور إلى موكب المومياوات الذي بهرني كما بهر العالم كله وكما ذكرت كان سببا في أن أكتب في موضوع لا نقاش فيه عن فرعونية مصر أو مصر الفرعونية . حدث كبير وعظيم ، موكب نقل ملوك وملكات مصر إلى متحف الحضارة من المتحف المصرى بالتحرير.. كل التفاصيل تسلم بعضها وتصنع جمالا وتثير فرحا ، وتم ترتيبه وإخراجه بشكل مبهر يليق بعظمة الحدث وقيمة مصر بحلقاتها التاريخية ، الاحتفاء بالعظمة ممثلة فى ملوك وملكات مصر القديمة ، هو تأكيد لهوية مصرية استطاعت أن تهضم كل العصور والأفكار لتنتج حضارتها الخاصة ، والواقع أن الاحتفالية كلها تمت فى وقت دقيق ، ووسط أحداث متعددة ألقت بظلالها ولا تزال على الحاضر، وكأنما نستمد قوتنا من مبادئ وحضارة الأجداد . لم أكن أتخيل يومًا أن تلتقي الأزمنة في عالم البشر، لكن ما حدث في الموكب الذهبي لنقل المومياوات تجاوز الزمن ، فقد التقت حضارة الماضي العريق بملوكها العظام في موكب مهيب تجلت فيه عظمة المصريين بحضارة مصر الحديثة في روعة التنفيذ والإخراج لهذا الموكب الذي تعلقت به أذهان العالم وهم يشاهدون ملوك وملكات مصر يستقرون في مقرهم الأخير بالمركز القومي للحضارة بالفسطاط ، وكان في استقبالهم الرئيس عبد الفتاح السيسي الحريص على استكمال بناء مصر العظيمة ، لتظل شامخة صامدة تتحطم عليها كل أحلام الغزاة ، وكل مخططات أهل الشر، فإذا كان القدماء قد بنوا حضارة نتحاكى بها وشاهدة على عظمة الأجداد ، فإن الأبناء حافظوا على هذا المجد بل حافظوا على هوية هذا البلد العظيم ، الذي لم يستطع أي أحد أن يطمس هويته ، سيظل موكب نقل المومياوات عالقًا في أذهان كل من تابعوه فهو يعتبر الحدث الثقافي الأثري الأبرز في القرن الحالي حتى هذه اللحظة ، حيث شمل نقل 18 ملكًا وأربع ملكات ، معظمهم من ملوك "الدولة الحديثة" وقاد الموكب الملك  " سقنن رع تاعا الثاني "، الذي حكم صعيد مصر حوالي 1600 قبل الميلاد وهو آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة ويُعتقد أنه لقي حتفه عندما تهشمت جمجمته أثناء المعارك ضد الهكسوس . وشمل العرض أيضًا مومياوات رمسيس الثاني وسيتي الأول وأحمس- نفرتاري، بينما كان رمسيس التاسع ، الذي حكم في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، في نهاية الموكب . جاءت الاحتفالية معبرة عن الحضارة المصرية ، وتم إعدادها بدقة وبراعة ، يستحق كل من شارك فيها تحية ، لأنه نجح فى إنتاج صورة تليق بالحدث ، نعم كان المشهد مبهرا ، من ميدان التحرير والمتحف المصرى ، إلى مسيرة نقل الملوك والملكات ، التصوير المبهر، واختيار الموسيقى والأوركسترا والمطربين وكلمات الأغنية، التى جاءت باللغة المصرية من نص مكتوب للإلهة «إيزيس» ، من جدار معبد فى الأقصر وتحولت إلى ترانيم قدمتها السوبرانو المصرية أميرة سليم، مع موسيقى  أوركسترا القاهرة السيمفونى، ونجح المخرج فى ظهور الحفل بهذا الشكل الذى يليق بعظمة الحدث . مازالت أجواء الحفل الأسطوري لنقل المومياوات والرحلة الذهبية عالقة في أذهان الجميع ، ومازال العالم يتحدث عن عظمة مصر، حيث تبرز الصحافة الأجنبية المشاهد المبهرة ، ويتداول رواد السوشيال ميديا صورًا ولقطات جديدة، تبرز عظمة المصريين .الجميل في الأمر، أن هذا الحدث لن يكون الأخير، وإنما هناك العديد من الأحداث العالمية التي ينتظرها العالم بشغف ، من قلب القاهرة النابض بالسحر والجمال والأصالة والتاريخ ، ما بين افتتاح المتحف الكبير، واستمرار تطوير القاهرة الخديوية وسور مجرى العيون وغيرها من المناطق، حيث تمتد يد التطوير لتطول كل شبر في أرض المحروسة ، ليضاف على الجمال جمالاً، لعودة السحر والجمال للقاهرة من جديد . وأظن أن حدث اكتشاف المدينة الذهبية في الأقصر يمثل حدثا عظيما في ذلك الوقت بالذات .  بالتأكيد الحديث يطول ويطول ولن ينتهي لأن القادم أفضل وأفضل في عالم الحضارة ، لكن قبل أن أنهي كلماتي أود أن أضيف ضحكة ساخرة أو سخرية ضاحكة عن عقل هو وأمثاله المفروض أن ينظم لهم موكبا تحت عنوان موكب التخلف الأسود ، ليبرز هذه النوعية من البشر التي لا تزال مغيبة عن العصر تماما وأحد أمثالها داعية الإرهاب " وجدي غنيم " الذي ترك عظمة الحدث كلها وتساءل بكل ما في عقله من جهل " ازاي مصر تنقل الموتى وتخرجهم من قبورهم ؟! وكيف نظهر شعورهم وهو يقصد شعر الملكة " تي " ، هذا المشعوذ وأمثاله ينظر إلى التاريخ المصري على أنه كفر ، ويرون الأثار حرام والتماثيل أصنام والفن نوع من أنواع الهرطقة والشرك ، ولَطَف الله بعقول لا مكان لها سوى سرايا المجانين. 

 

إدوارد فيلبس جرجس

edwardgirges@yahoo.com

********************