صور ومشاهد المجتمع التي تتجلى في شوارع المدن سيما الفقيرة منها والمكتظة بالسكان هيب الادق وعلى شرح ما بلغت اليه اساليب حكم إدارة الدولة .. اذ ان رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب, بل في وعي الناس ) .. هكذا صدح جان جوك رسو - قبل قرنين من قرون ثور العوملة - يعلم الناس كيفية ممارسة التحضر وعيش الحضارة بشكل يزيح النفاق والقبح عن سلوكيات البعض ممن صبغوا وجه المجتمع بتعابيرهم وخططهم البشعة مستمرئين كل الوسائل بما يفضح الغايات والوسائل .. حتى غدت المجتمعات تنطق بما طفحت حد الاشهار الذي تحولت فيه الملفات الى ظواهر اجتماعية خطيرة وامراض سرطانية ناخرة لم يخلو فيها شارع وساحة ومكان للعبادة او للهو ... الا وقد تفتقت ارضه بعشرات المتسولين ممن صعب علينا ادراك حقيقة ماساتهم او توظيفهم – هنا تكمن علة اخطر – بعيدا عما نرى .
التسول هو استجداء واستعطاف الناس واستهداف جيوبهم عبر طرق شتى تستخدم بها أساليب العاهات والترحم بأكثر المشاهد ماساوية .. للأسف الشديد فان الكثير من طغاة الامة سيما أولئك الذين يحصدون الأموال بطرق غير مشروعة بضخامتها وترهلها وتكرشها لدرجة استعصى على شعاراتها ان تغطي عواهنها وابتذلاتها .. أولئك الذين لا يتعظوا ولا ياخذوا الدروس الحياتية محمل الجد حتى صح بهم القائل ( مَن يَخبُرِ الدُّنيا ويَشربْ بكأسِها يَجدْ مُرَّها في الحلو والحلوَ في المرِّ ) .. متصورين خلودهم الابدي بعد سانحة الظروف السياسية التي اتاحت لهم حيازة وامتلاك المقدرات، فشحوا بالتعاطي وشذوا عن قواعد العدل الإلهي والاجتماعي لدرجة لم تعد في أموالهم حصص للفقراء .. حتى ظهرت طوابير الاستجداء تفضح وتفصح عن فسادوية فواحش الثراء التي يعد التسول احد اهم مظاهر تجلياتها . برغم كل الشعارات المزيفة والدكاكين المؤيدة ..
وقد كتب احدهم يصف متسولة ومكانها وقيمة محاصيلها من الاستجداء : ( ان هذه المتسولة قدمت عرضا مثيرا كي تبعد منافستها من هنا .. لقد اغرتني بخمسة ملايين دينار شهريا مع ما يطيب لنفسي .. كي ازيح المتسولة عن باب رزقها ... ) ..
يا للهول .. انها ترتكز على ثلاث امراض مجتمعية خطيرة الوعي فيها يوضح ان التسول ظاهرة مؤجندة بمعزل عن العوز سيما ونحن نعيش في زمن القرية العالمية والمصالح المعولمة ... لقد وعدته بخمسة ملايين دينار : ( أي ان العملية ربحية والتعبير عنها بالملايين يخرجها عن اطارها الفردي وخطها التسولي .. ثم انها تعد ذلك باب رزق : - أي ان التسول له ساحات بيعه وشراؤه وعرضه وطلبه ومقتضياته التي تتيح للإنسان ان يدافع عن رزقه ويستخدم كل الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك الغرض تحت شعار – قطع الاعناق ولا قطع الارزاق - .. ثالثا انها تعرض عليه ما لذ وطاب أي تغريه بل ترشيه وتدخل القضية بجانب آخر يضع الملف كله على كف عفريت وغدة تتطلب الاستئصال لا الترقيع ) .