موهانداس كرمشاند غاندي ٢ أكتوبر ١٨٦٩ - ٣٠ يناير ١٩٤٨ تم تشريفه رسمياً في الهند باعتباره أبو الأمة؛ حيث أن عيد ميلاده ٢ أكتوبر، يتم الاحتفال به هناك كـغاندي جايانتي، وهو عطلة وطنية، وعالمياً هو اليوم الدولي للاعنف.
قام غاندي باستعمال العصيان المدني اللاعنفي حينما كان محامياً مغترباً في جنوب أفريقيا، في الفترة التي كان خلالها المجتمع الهندي يناضل من أجل الحقوق المدنية. بعد عودته إلى الهند في عام ١٩١٥، قام بتنظيم احتجاجات من قبل الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة. بعد توليه قيادة المؤتمر الوطني الهندي في عام ١٩٢١ ، قاد غاندي حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر، وزيادة حقوق المرأة، وبناء وئام ديني ووطني، ووضع حد للنبذ، وزيادة الإعتماد على الذات اقتصادياً. قبل كل شيء، كان يهدف إلى تحقيق استقلال الهند من السيطرة الأجنبية. قاد غاندي أيضاً أتباعه في حركة عدم التعاون التي احتجت على فرض بريطانيا ضريبة على الملح في مسيرة ملح داندي عام ١٩٣٠ ، والتي كانت مسافتها ٤٠٠ كيلومتر. تظاهر ضد بريطانيا لاحقاً للخروج من الهند. قضى غاندي عدة سنوات في السجن في كل من جنوب أفريقيا والهند.
ولد غاندي في بوربندر بولاية غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.
وفي لندن حيث درس القانون، أصبح غاندي نباتياً. كما أنه اكتشف المسيحية، وقرأ الإنجيل بتمعن شديد مستلهماً منه دروساً ومواعظ كثيرة في الأخلاق وفي السياسة. وعن الفترة التي أمضاها غاندى في جنوب أفريقيا يقول حفيده راجموهان :عاش جدي في أفريقيا الجنوبية عشرين عاماً ومنذ وصوله إلى هناك، وجد نفسه مجبراً على مواجهة العنصرية، وثمة حادث لا يزال ماثلاً في ذاكرة الهنود؛ حدث ذلك في القطار يوم ٢١ مايو ١٨٩٣ وكان غاندي في الرابعة والعشرين من عمره آنذاك، وكان من ركاب الدرجة الأولى، غير عارف بأن القوانين العنصرية تحرّم عليه ذلك؛ وقد قام أحد الركاب البيض بالتبليغ عنه. وبالرغم من أن غاندي كان قد دفع ثمن تذكرته، وكان يرتدي بدلة ثمينة، فإنه طرد بالقوة من عربة الدرجة الأولى. الشعور بالإذلال والمهانة الذي انتابه جراء ذلك الحادث هو الذي دفعه إلى النضال من أجل حقوق الهنود الذين كانوا كثيرين في جنوب أفريقيا في ذلك الوقت. ولكن كيف يتخلص من الاحتلال؟ البعض نصحوه بضرورة اللجوء إلى الكفاح المسلح. غير أنه رفض ذلك رفضاً قاطعاً. ولعل قراءته لأعمال الروائي الروسي العظيم تولستوي هي التي "أنقذته من داء العنف" كما سيذكر ذلك فيما بعد. لذا دعا إلى النضال بالطرق السلمية، وأسس حزباً، وأصدر جريدة حملت اسم"رأي الهند" وشيئا فشيئاً أصبح مناضلا سياسياً معروفاً، ومحاميا ناجحاً!". ولكن لماذا اختار غاندى النضال السلمي؟ عن هذا السؤال يجيب راجموهان غاندي قائلاً: "لقد تأثر جدي كثيراً بأفكار الكاتب الأمريكي دافيد تورو، صاحب فكرة "العصيان المدني". ومثله، كان يعتقد أن المواطنين لهم الحق والواجب في عصيان القوانين اللاأخلاقية. وفي النهاية كان غاندي يرى أن النضال السلمي هو التكتيك النضالي الوحيد المحتمل ضد الإمبراطورية. فقد كان يعلم أن كل حركة مسلحة في مواجهة القوة العسكرية البريطانية مآلها الفشل.
وكممارس للأهمسا، أقسم أن يتكلم الحقيقة، ودعا إلى أن يفعل الآخرون الشيء ذاته. عاش غاندي متواضعاً في مجتمع يعيش على الاكتفاء الذاتي، وارتدى الدوتي والشال الهنديين التقليديين، والذين نسجهما يدوياً بالغزل على الشاركا. كان يأكل أكلاً نباتياً بسيطاً، وقام بالصيام فترات طويلة كوسيلة لكل من التنقية الذاتية والاحتجاج الاجتماعي
أسس غاندي ما عرف في عالم السياسة بـ"المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف (الساتياغراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولاً ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
قرر غاندي في عام ١٩٣٢ البدء بصيام حتى الموت، احتجاجاً على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود؛ مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى "اتفاقية بونا" التي قضت بزيادة عدد النواب "المنبوذين" وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.
بانتهاء عام ١٩٤٤ وبداية عام ١٩٤٥ اقتربت الهند من الاستقلال، وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس
وتم ذلك بالفعل في ١٦ أغسطس ١٩٤٧ ، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حداً تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير، وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام ١٩٤٨ / ١٩٤٧ ، وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالباً بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية إحترام حقوق الأقلية المسلمة.
نذر غاندي حياته لإيجاد الصواب أو (صاتيا باللغة الهندية)، وتعلم من أخطائه؛ لهذا السبب عمل على الوصول للصواب فاعلاً اختبارات على نفسه من أجل ذلك. وأطلق على سيرته الذاتية (قصة خبراته مع الحقيقة)، وأعلن غاندي أن المعركة الأهم هي هزيمة شياطينه، مخاوفه، وهواجسه. ولخص غاندي أول معتقداته في الله هو الحقيقة. وبعد ذلك تغيرت هذه العبارة وأصبحت (الحقيقة هي الله) بمعنى أن الحقيقة في فلسفة غاندي هي الله.
ولغاندى الكثير من الأقوال الحكيمة و التى تعكس تجارب حياته وعمق فكره ورقى فلسفته منها علي سبيل المثال:
- يصبح الإنسان عظيماً تماماً بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه الإنسان.
- العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها.
- علينا احترام الديانات الأخرى، كاحترامنا لديننا فالتسامح المجرد لا يكفي.
- ليس كل سقوط نهاية، فسقوط المطر أجمل بداية.
- هناك محكمة عليا أعلى من محاكم العدل والتي هي محكمة الضمير، إنّها تعلو بكثير كل المحاكم.
لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه.
وبالفعل، في ٣٠ يناير سنة ١٩٤٨ أطلق أحد الهندوس المتعصبين ويدعى ناثورم جوتسى ثلاث رصاصات قاتلة سقط على إثرها المهاتما غاندي صريعاً عن عمر يناهز ٧٨ عاماً. تعرض غاندي في حياته لستة محاولات لاغتياله، وقد لقي مصرعه في المحاولة السادسة. وقال غاندي قبل وفاته جملته الشهيرة: (سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون، وفي النهاية ستنتصر).