كما كانت جائحة كورونا كارثة ومصيبة ووباء على العالم كله ونتائجها وخيمة على البشرية من موت وخراب وإفلاس، هذا بخلاف الخوف والرعب الذي حل في قلوب الناس في كل بقاع المسكونة، هكذا جاءت انتخابات الرئاسة الأمريكية صفعة قوية وقاضية على وجه الديموقراطية والعالم المتحضر خاصة أميركا التي أسقطت معها كل الأقنعة المزيفة التي كانت تدعي بها الحرية والديموقراطية والمبادئ الإنسانية أو التداول السلمي للسلطة.
كنا نظن أن أسلوب وسلوك جماعة الإخوان الإرهابية قاصرة على العالم العربي فقط، لكن أتضح تماماً انتشاره وتوغله وتغلغله في أنحاء متفرقة من العالم مثل وباء الكورونا بالضبط وكما كانت أميركا لها الصدارة في الإصابات كذلك كانت من الدول التي اصيبت بوباء الإخوان وضرب الديموقراطية في مقتل.
قبل كل شئ لن نلقي اللوم أو الخطأ أو الاتهام على البعض جزافاً ولكن بالتريث والتروي نحاول شرح ما حدث بالرجوع قليلاً للوراء حتى نفهم ما يحدث من أمور تتعارض مع روح الديموقراطية أو الأخلاق والأعراف السائدة عند إجراء انتخابات حرة نزيهة بأميركا في الماضي.
أولاً نتعرف على اسلوب ومنهج جماعة الإخوان في التسلق والاستيلاء على السلطة في الدول العربية والتي تم تطبيقها بالضبط بل وبحذافيرها من قبل الحزب الديموقراطي الأمريكي حتى يتمكن من الفوز.
ويتلخص الأمر في ثلاث مراحل بدأت بأسلوب الإغراء والمغازلة والترغيب واللعب على مشاعر الجماهير يليها مرحلة المراوغة والتمكين والاستحواذ ثم مرحلة الوعيد والتهديد والترهيب.
الربيع الأمريكي:
ذكرت في مقالتي بشهر يوليو 2020 ما حدث من انتهاز المعارضة وجماعات الضغط والحزب الديموقراطي حادثة مقتل الشاب الأسود "جورج فلويد" بمدينة "مينا بوليس" على أيدي الشرطة لتكون الشرارة الأولى لإشعال ثورة على السلطة الشرعية والرئيس دونالد ترامب بالضبط ما حدث من استغلال حرق الشاب "بو عزيزي" في تونس ومقتل الشاب "خالد سعيد" في مصر التي استغلتها الميديا واستغلها الإعلام بتوجيه الاتهامات والمبالغة والمزايدة بوجود عنصرية وتفرقة بين أبناء الوطن مما أشعل الموقف بالمظاهرات التي وصلت إلى حد الاعتداء والنهب والسرقة والحرق ولا نغفل ما قامت به رئيسة الكونجرس الأمريكي "نانسي بيلوسي" بالركوع أمام الغاضبين ليس إبداءً للأسف أو الاعتذار لكن لتأجيج وتهييج المتظاهرين بمزيد من الأعمال التخريبية كذلك أسرع كل من المرشح "جو بايدن" و "هيلاري كلينتون" و"أوباما" بنفس أسلوب التلاعب واطلاق الشعارات ودغدغة مشاعر الجماهير وهدفهم المنشود وهو اسقاط "ترامب".
وكما كانت جائحة كورونا هي الفرصة الذهبية الثانية والضربة القاضية وتوجيه الاتهام مباشرة لترامب بأنه المتسبب في زيادة الاصابات وكثرة الأموات كانت أيضاً مسألة التضارب والصدام الواضح بين تصريحات "ترامب" ومسئولي الحزب الديموقراطي المضاد والمعارض بصفة مستمرة مستفزة وفرصة أيضاً، ومن هنا بدأت مرحلة المغازلة والإغراء للفئات المتنوعة والمهاجرين والأقليات بهدف الإثارة والجدل خاصة لهؤلاء الذين هم من أصل أفريقي أو أسباني أو مجموعة "الميم" من المثليين والمتحولين جنسياً وقد ساعدهم في ذلك وسائل الإعلام والميديا منذ اليوم الأول بإطلاق الاستطلاعات والترويج بصورة مثيرة للمرشح الديموقراطي ليس حباً أو تأييداً له ولكن نكاية وكراهية في الرئيس "ترامب" الذي تعامل معهم بصورة جافة وحادة منذ ترشحه 2016 وحتى الآن.
منذ بداية ( عهد ) الانتخابات الأمريكية وبأسلوب راقي ومحترم وراقي يقف المهزوم ليعلن هزيمته ويهنئ الرئيس الفائز ليلة إعلان النتيجة ولكن المرة السابقة وضعت هيلاري كلينتون أساساً للمماطلة والتبرير وعدم الاعتراف بالهزيمة بعد اكتساح ترامب للانتخابات ورفضت الاعتراف إلا في اليوم التالي مما أعطى للمظاهرات فرصة لأن تقوم خاصة في كاليفورنيا ونيويورك وقد أدعت حصولها على أصوات الشعب الأمريكي أعلى من ترامب فكانت بداية كسر مبدأ الديموقراطية وهذا ما حدث من عدم اعتراف ترامب بهزيمته الآن وتقديم الشكاوي والدعاوى القضائية والتشكيك في العملية الانتخابية بالتزييف مما تم إعادة فرز الأصوات بولاية جورجيا وأيضاً أعطى فرصته لقيام المظاهرات المؤيدة لترامب وأخرى المؤيدة لبايدن مما ينذر بوقوع صدام واشتباكات خاصة بعد اسراع "جو بايدن" بإعلان فوزه قبل إعلان النتائج الرسمية وهذا يذكرنا بما فعلته جماعة الإخوان ليلة الانتخابات المصرية والاسراع بإعلان فوز "مرسي" والتهديد ببحور الدم في حالة هزيمته ضد المرشح "أحمد شفيق" الذي كان الأقرب للفوز.
ملاحظات على الانتخابات الأمريكية:
- لعل من أسباب هزيمة ترامب تعمده بصفة مستمرة التصدي بطريقة جافة وحادة للمراسلين والمذيعين مما أحدث عداءً وكراهيةً بينهما وجعل أكثر من 90% من وسائل الإعلام ضده وأظهرته بصورة سيئة وكريهة للمجتمع الأمريكي وأتهمت علانية بالسلطوية والديكتاتورية التي تتنافى مع مبادئ الديموقراطية.
- ممارسة ترامب لهوايته اليومية بأطلاق تصريحات سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو اللقاءات التي جعلته دائماً تحت المجهر للمتربصين وصائدي الأخطاء والقيام بتأويلها وإثارة الجدل واللغط على كل كلمة أو لفظ أو جملة خاصة أن آرائه وتصريحاته في معظم الأحيان لا تحمل عبارات رقيقة أو مجاملة ولو سياسية ملتوية التي يجيدها زعماء الحزب الديموقراطي.
- اعترافه أكثر من مرة وبصفة عامة بأنه ليس سياسياً باعتباره مواطن أمريكي يرغب في ارجاع هيبة ومكانة الدولة الأمريكية كدولة عظمى جعله دائماً في حالة صدام وخلاف وصراع من لاعبي السياسة المحترفين، ومعروف أن السياسة لغة التلاعب والمراوغة واللف والدوران وعبارات المجاملة والغزل التي لعلها كانت من احدى أسباب فشل ترامب في الفوز بولاية ثانية.
- جرى العرف عند اختيار نائب للرئيس أن يكون مساعداً له صفات موازية ومتوازنة لكسب الأصوات ولكن الأعين والمفاضلة والاختيار متجهاً نحو الرئيس أولا والنائب في الدرجة الثانية مثال اختيار أوباما الشاب الأسمر نائباً له كبيراً في السن من البشرة البيضاء وهو جو بايدن وفشل الأخير في تحقيق أي منصب أعلى طوال مشواره السياسي والذي تجاوز أربعين سنة مما يثير الاستغراب والعجب أن يتحول إلى سدة الحكم ليكون أول رئيس أمريكي عمره 78 عاماً وأكبر الرؤساء الأمريكان سناً على الاطلاق، وأيضاً مما يثير الشك والريبة أن تكون النائبة له امرأة ذات أصول أسيوية سوداء وهي "كامالا هاريس" ذات ستة وخمسين عاماً والمعروفة بآرائها المتطرفة والمشاغبة مما يجعل وجودها يأخذ الأضواء والشهرة حتى من الرئيس نفسه خاصة لو كانت النية ترشحها في الانتخابات عام 2024 مما يؤثر سلباً على تواجد الرئيس "جو بايدن" نفسه أمام شعبه أو العالم ويضعف من شخصيته ويؤثر على تصريحاته بالتأكيد.
- سعة عدم انتخاب اللوبي اليهودي لترامب حيث تم توجيه أصوات اليهود حوالي 75% منها لجو بايدن ضد 25% فقط لترامب بالرغم من تنفيذ كل وعود ترامب من تأييد مطلق لإسرائيل والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس حيث وضح تماماً حصولهم على أقصى ما يتمناه المرء من أحد وربما اعتبروه كارت محروق ويحاولون على عقد صفقات جديدة وأخذ وعود أخرى أكثر من المرشح الجديد "جو بايدن" تلك هي اللعبة السياسية القذرة التي يشترى ويباع فيها كل شيء ومدى التخلص من إنسان لصالح آخر دون مراعاة للمبادئ الأخلاقية.
- تحول العملية الانتخابية بطريقة غريبة ومختلفة هذا العام أساسها ليس المنافسة الشريفة والأخلاق العامة واحترام الآخر واظهار مزايا كل مرشح وأهدافه ووعوده لصالح الوطن ولكنها كانت بهدف الانتقام وتصفية الحسابات والعداوة وهي مسألة واضحة وظاهرة لكل عين وأمام الجميع، وما فعلته نانسي بيلوسي وأوباما وكلينتون وبايدن فضح هذا الأسلوب وحزب الديموقراطية والمبادئ الانسانية الأخلاقية مما يجعلها من أسوأ الانتخابات على الإطلاق والاختيار ليس للصالح أو للأصوب أو للأحسن.
- يتبادر سؤال مهم، لماذا تؤيد فئات وطبقات كثيرة متوسطة الحال ترشح دونالد ترامب ببساطة شديدة ظهر في معظم الأحوال تأييده لبناء الأسرة والمحافظة على المبادئ الأخلاقية في حدود القيم الدينية بخلاف ما يفعله زعماء الحزب الديموقراطي لنشر الفوضى والاباحية تصل لدرجة السماح للأطفال أن يتحولوا من جنس لآخر دون معارضة الأهل كذلك اعطاء مزايا للجماعات الشبابية والممثلة للمثليين والمتحولين، ووعود أخرى لمتعاطين المخدرات والسماح بتداولها بحرية تامة كما فعلت ولاية أوريغون مؤخراً أو أختيار حاكم لولاية ديلاور من المتحولين جنسياً.
- من غرائب الأمور الإعلان مؤخراً عقب الانتخابات شركة فايزر الأمريكية لصناعة الأدوية عن لقاح ضد فيروس كورونا في توقيت مثيراً للشك حيث أعلن المرشح الديموقراطي عن قدرته في القضاء على الوباء فور توليه الحكم كأنه تكالب لجهات معينة ضد استمرار ترامب لتولي ولاية ثانية.
- الديموقراطية بين انتخابات الرئاسة في أمركا ووقوعها في مأزق سقوطها الذريع وبين توحش وسائل الإعلام وتأثيرها على آراء الجماهير لصالح مرشح ضد آخر بصورة فاضحة ومكشوفة جعلت النتائج تأتي على عكس التوقعات بينما نرى الانتخابات التي جرت في مصر لمجلس النواب في مرحلتها الأولى تمت على أروع ما تكون الصورة في تطبيق الديموقراطية.
- العلاقة بين هزيمة ترامب في أمركا وهزيمة مرتضى منصور في مصر منذ أربعة سنوات أطلقت نظرية ( ضاضا ) كانت سبباً في اكتساح مرتضى منصور في انتخابات مجلس النواب المصري يكاد أعلى الأصوات هو زميلة توفيق عكاشة الذي اطلقت عليه نظرية (عكشة) وأثناء انتخابات أميركا 2016 تبنى ترامب نظرية ( ضاضا ) وكسب الانتخابات بينما تبنت هيلاري نظرية ( عكشة ) وكانت سبباً في هزيمتها ولكن انعكس الأمر وخسر كل من ترامب ومرتضى الانتخابات لأن النظرية فشلت ولم يقتنع بها الجمهور في تطبيقها عملياً.
خلاصة القول:
أمامنا الآن موقف صعب ومتشابك أمام أصرار ترامب على عدم الاعتراف بهزيمته والاتجاه العام لتقديم شكاوى وتحويلها للمحكمة الدستورية العليا للفصل ولا نعلم النتيجة التي ربما تقلب الأوضاع وتتغير النتائج ولكنها تعتبر صفعة قاضية للديموقراطية وصدمة مؤسفة لمعظم الشعب قد تتحول لصدام مدمر ومخرب قد تصل لحرب وسط اشاعات وتصريحات متضاربة وتدخل إعلام منحاز بدوره القذر في اشعال الموقف الذي لا يعلم إلا الله مداه وتأثيره في المستقبل البعيد، حقاً الديموقراطية في خطر الآن في أمريكا.