يتبادر إلى ذهن القاريء اشتباك بين هذين اللون من الإبداع؛ وهذا مرده إلى نزعة جدلية مفترضة واتهام ما لتغول الفن على النص؛ ولاجدال في أن العصر الذي نعيشه يرمي بآيات مبهرة من فنون مختلفة؛ لكن ما أعنيه هنا أن الفن من حيث هو حركة ولون وصورة قد أفاد السرد ونحا به جانب الابهار والإثارة؛ لكنه في أحيان كثيرة يخرج عن مقصد السارد من نصه؛ انظر إلى زقاق المدق في السينما وطالعه بعد نصا روائيا؛ ثم ماذا ترى؟
وبالعكس لو قرأت النص أولا وشاهدته فنا حركيا ذا أبعاد ثلاثية؛ أي رأي ستبديه في الحالتين؟
مؤكد أنك ستأتي برأيين مختلفين؛ وهذا مرجعه النظرة السينمائية التي قد تجني على السرد؛ في صورة تسويقية أو مادية؛ يترك لك النص مساحة للتخيل ومحاولة سد الفجوات فيما بين السطور؛ كثير من المسكوت عنه يمثل مقصد الكاتب؛ تجد المتعة في التأويل وحسن التفكير؛ تعيش مع السرد في عالمه الذي رسمه الكاتب وحده في علاقة شد وجذب؛ هذه واحدة أما الثانية فتغدو لغتك ومفرداتك منها أكثر ثراء ويتسع معجمك في متوالية سردية.
تحاول أن تكتب مقلدا؛ وهذه ثمرة القراءة لفحول السرد.
أما في المعالجة السينمائية للنص الروائي فتداخلك عوالم أخرى ومثيرات مختلفة؛ موسيقى ورسم وتصوير وسيناريو؛ الضوء والصوت؛ موهبة الفنان أو عبقريته؛ من منا لايرسم لحميدة وجه معالى زايد؟
أو عباس الحلو أو زيطة صانع العاهات؛
كمال عبدالجواد وشخصية السيد أحمد عبد الجواد.
محمد أبو سويلم في الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي وقد أبدع في تجسيد شخصية الفلاح المصري في مقاومته السراي وأذنابها؛ شادية في شيء من الخوف وكيف رآها البعض الوطن يقاوم!
رأيت السرد لذلك أكثر انفتاحا على عوالم تحمل فكرا وتختفي وراءها ظلالا من الدلالات؛ لن يكتف الساردن بما قدموا فهم أكثر عددا ولا تلاحقهم آلة السينما أو المسرح بما يبدعون.
أما عن الشعر فلم يستطع أحد أن يقدم الشعر فنا سينمائيا؟
لم يحث ذلك حتى الآن؛ نستطيع تقديم السرد وحده بما يمتلكه من نظرة واسعة ومقدرة على التنويع والاثراء.
تتعدد الأصوات داخل النص في حين تبتسر داخل الشعر.
حين درس لنا د.شفيع السيد" تطور الرواية العربية" بتنا أشد تعلقا بالنقد وأكثر انفتاحا على التأويل؛ ماذا يريد نجيب محفوظ من محجوب عبدالدايم؟
هل تراه يتعاطف مع إحسان شحاته؟
ولم محجوب وعبدالدائم وإحسان وشحاته هذه بلاغة المسمى وعبقرية الدلالة؛ هل يلتفت السيناريست لهذا؟
ولا أنكر دور الفن في اظهار روائع السرد وتوصيل النص إلى شرائح متعددة لكنه يخفي وقد يدلس على السارد؛ سوق العصر ذلك المسلسل الرائع كان تأريخا لفترة من تاريخنا؛ لكنه محاط بعالم الرقابة ومحكوم بأطر التأطير في قالب حديدي؛ إننا نراهن على مقدرة الفنان على كشف هوية السرد؛ يدفع بنا إلى القراءة المنهجية؛ فنغدو أكثر وعيا وانتماء.
لقد سرقت الدراما التركية جمهور المشاهدين؛ حسنت تاريخا وأيدت نظاما فيما يتبناه من آراء قد نتفق معها أو نختلف لكنها رسمت صورة بطولية غاية في المثالية؛ وحاولت الدراما العربية مساوقتها أو حتى مخالفتها فكان النص التاريخي مسرحا للشد والحذب وقد يصاب المشاهد بالحيرة؛ يبقى السرد في الحالتين بما يحمله من قدرة ومنطقية هو الحكم.
تبين لنا أن الفن وقد يكون السرد أيضا حمال أيديولوجيا؛ وهذا واقع لاننكره؛ لكن المصادقية في الإبداع وترك مساحة للتفسير.
نمتلك قوة الفن الناعمة التى أهملناها فمن يمتلك مخزونا معرفيا ولا بسوقه إلى العالم عاجز واهن؛ لقد أدهش الإنجليز بروائع شكسبير نصا وفنا؛ ونحن ما نزال نقبع حول خلافيات قد يتجاوزها الواقع.
ثم هناك أعمال إبداعية عجز الفن عن تناولها مثل موسم الهجرة إلى الشمال ومائة عام من العزلة وغير هذين كثير؛ ربما مرده إلى صعوبة النص أو قلة ذات اليد؛ هل نطمع في أن يكون السارد هو السيناريست؟
لو حدث لكنا بين نصين مختلفين ورؤيتين متباعدتين على الأقل.
تظل روائع سرد نجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله وعبد الرحمن الشرقاوي وعبد الحكيم قاسم وفتحي غانم ويحي الطاهر عبد الله وغيرهم بحاجة إلى معالجة درامية من نوع خاص.
أما التركيز على لغة الجسد والإثارة المفتعلة فهذا عمل مضى زمنه في الالهاء والتخدير فنحن بحاجة إلى فن يرتقي بالمشاهد ويكشف عن آماله ويداوي آلامه؛ في عالم حاد الانتماء يستغل كل لحظة في الإبداع.
ويبقى للسرد ألقه وبحثه عن رؤى مستقبلية تخاطب وجدان المتلقي وفكره.