في غفلة من الزمن كُثر عدد النشطاء الحقوقيين والمحللين السياسيين والإسلاميين والخبراء الأمنيين والاستراتيجيين ..الخ . هل نحن نتمتع فعلاً بمنح الألقاب جزافاً ونطلق على كل من هب ودَب لقب كبير ، أم هي جزء من الفوضى العارمة التي أصبحت تحكم حياتنا والعشوائية في كل شئ حتى في مظاهر التبجيل والتقدير . فإذا بحثنا عن السيرة الذاتية لمعظمهم ومؤهلاتهم العلمية وخبراتهم نجد بأن هناك نسبة عالية جداً لا ينطبق عليهم تلك الألقاب ، بل نجدهم أشخاص عاديين .
والسؤال المطروح من منحهم تلك المسميات والألقاب الكبيرة ؟ . أم أننا نتمتع بمنح الألقاب جزافاً ونطلق على هوائنا لقب كبير فنجد هناك من يطلقون منذ عقود طويلة قول ( الباشا ) على ضباط الشرطة ، وأمتد الآن ليشمل أمناء الشرطة ، مع الأيام سنجد فئات جديدة تمنح لنفسها تلك الألقاب .
ومن الألقاب الشائعة بدون ضابط أو رابط التي زادت بعد ثورة يناير لقب المحليين السياسيين والإسلاميين والخبراء الاستراتيجيين والدستوريين والنشطاء والحقوقيين ..الخ ، وبالطبع معظم ممن يطلق عليهم هذه الألقاب لا يستحقون هذا اللقب أو ينطبق عليهم أصلاً . فلا توجد جامعة متخصصة في مصر تخرج هذه الصفات . فنجد لقب المحامي الذي كنا نطلق عليه لقب ( الأستاذ ) ، بدأنا الآن نطلق على البعض منهم لقب المستشار حتى لو كان محامى مبتدئ . أما بالنسبة للقب ( الباشمهندس ) فكثير ما نطلقه على أصحاب الورش وبعض الحرفيين ( الصنايعية ) كالميكانيكي والنقاش والسباك ..الخ وأمتد لنطلقه الآن على سائقين التاكسي بلفظ أخر( هندسة ) فنجدهم سعداء بذلك اللقب فهم مش أقل منهم ! كذلك نجد لقب ( موسيقار ) قد يطلقه البعض على ملحن درجة تانيه أو تالته ولم يلحن فى حياته سوى أغنية أو أثنين .
ومع تزايد الألقاب التي تتكاثر كالفئران والتي يتم إطلاقها جزافاً في كل وقت لقب ( رجل الأعمال ) فيتم إطلاقه على أي شخص في جيبه قرشين زيادة أو على بعض الفئات الضائعة أو الهبيشة وليس على رجال أعمال حقيقيين لديهم استثمارات حقيقية أو شركات تجارية عريقة وأصول مالية... الخ . أما لقب (الدكتور) فحدث ولا حرج فيما يتم إطلاقه على كل ما لديه أي علاقة بالطب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، فيطلق الآن على فني تحاليل أو فني أشعة بالمستشفيات أو الممرض ، كما وصل الأمر بإطلاقه على مدرس إعدادى أو ثانوى .
أما عن الألقاب المعتادة في حياتنا وعلى مدار اليوم هو لقب ( المعلم ) فيتم إطلاقه على السماسرة وأي بياع على عربة كارو سواء ( بائع الجوافة أو بائع الفول والفلا فل وغيرها من البائعين الجائلين ) . فهناك شريحة في المجتمع يتعلقون بأهداب الألقاب ولا يرون لأنفسهم حضوراً إلا من خلالها وبذلك يخلقوا لأنفسهم ألقاب لها قيمة أدبية يستطيع الناس أن تلقبهم بها .. نظام مشي حالك يا سيد ، على رأي المثل (هي الألقاب بفلوس) . صحيح هناك قانون يجرم انتحال صفة الموظف العام والصفة العسكرية ، ولكن الذين ينتحلون صفات غير صفتهم ، ويلقبون أنفسهم بألقاب غير ألقابهم لا يوجد لهم قانون ، وبالتالي مادامت هذه الصفة أو هذا اللقب لم يشكل ضررا على المجتمع من الصعب تجريمه ، لأن المبدأ الدستوري يقول لا جريمة ولا عقوبة إلا على من يتعدي على القانون .
أن انتشار الفوضى في منح الألقاب، أفقدها احترامها وقيمتها الفكرية فلم يعد لها وقعها السابق على الأذن، بفضل هذه الفوضى العارمة التي نعيشها .
نحن نعيش فوضي الألقاب ... ( زحمة يا دنيا زحمة )
بقلم : ألبير ثابت فهيم