لا يُذكَر العقادُ إلا ذُكرَتْ معه المعارك الأدبية؛ فقد آض الرجل علَمًا عليها، ولولا العقاد – كما يقول أستاذنا الدكتور محمد أبو الأنوار رحمةُ اللهِ عليه– بفقهه الفني وصلابته في الحق الذي يعتقده ما كانت هناك معارك أدبية. وفي حياة العقاد معارك أدبية جَعَلتْهُ نهمَ القراءة والكتابة – كما ذكر عامر العقاد في كتابه «معارك العقاد الأدبية» منها: معاركه مع الرافعي وموضوعها فكرة إعجاز القرآن، واللغة بين الإنسان والحيوان، ومع طه حسين حول فلسفة أبي العلاء المعري ورجعته، ومع الشاعر جميل صدقي الزهاوي في قضية الشاعر بين الملكة الفلسفية العلمية والملكة الشعرية، ومع محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس في قضية وحدة القصيدة العضوية ووحدتها الموضوعية ومعارك أخرى كثيرة جُمِعَتْ في كتاب عامر العقاد.
ما يَعنينا من تلك المعارك أن الذين شنوا معظمها كانت لهم أسبابٌ غير النقد والأدب والحقيقة؛ وجُلُّها أراد أصحابها النَّيْلَ من شخص العقاد؛ إذ كان أعظمَ خطرٍ يهدد مكانتهم، ولم يتمكنوا من إثبات وجودهم في وجود العملاق.
كان السبب الرئيس هو الحد من ذيوع الرجل وتأثيرِه في عقول الناس، وهي تحية معكوسة لو أدركوا ذلك، وحتى لا يتهمنا القارئ الكريم بالحَيْف ومُجانبةِ الصواب، ويظن أننا نُغَلِّب عاطفةَ حبِّنا للرجل ونحن نخط تلك السطور، نكرر هنا حقيقة يعلمها الناس عنا خلاصتها: إننا نُجِلُّ العقادَ ونؤمن بفكره؛ بيد أننا نخالفه في أمورٍ كثيرة، ولسنا ظلَّاً للعقاد ولا لغيره.
نذكر مثلًا واحدًا نبرهن به على أن المعارك مع العقاد –أو بمعنى أدق ضده– لم تكن أهدافُ أصحابها نبيلًة خالصًة للأدب والفكر، بل كانت ضربًا من السَّب المحض - وكما يقول العقاد نفسه عن ذلك: " إنها شهوة تجريح العظماء" – ذكر الرافعي عن كتابه الشهير (على السفود) والذي أطلق على العقاد فيه أشنع الألقاب " إننا أردنا بهذا الكتاب أن نضعَ أنفَ هذا الجبار مقدارَ ساعةٍ واحدةٍ في التراب" ولا يتخيل ذو عقل بحال من الأحوال أن مَن كتب ذلك السُّباب والهراء هو نفسه من كتب (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) و(تحت راية القرآن) بل إن المرء ليزداد عجبُه إذا علم أنه في كتابه الثاني يتحدث عن إعجاز القرآن، ويرد على آراء طه حسين في كتابه المعروف باسم في الشعر الجاهلي.
هذا اعترافُ الرافعيِّ الذي ظن أنه وضع العملاق على سفوده (سيخ الشواء)، وإذا كان مؤلف السفود يظن أنه نال من أدب العقاد وفنه فنحن نؤكد أنه واهم الوهم كله، السفود كاتب جامع لكل وصف قبيح وسُباب شخصي لا علم فيه ولا موضوعية، وهو – في رأينا – نموذج فذ لهدم مبادئ الفكر وأصول النقد، وهو عمل يجافي حسن الخلق وأمانة العلم، وقد صدق شيخنا أبو همام –عليه رحمة الله– عندما وصف ذلك الكتاب بأنه "كتابٌ في الهجاء لا النقد".