د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: معالم وتاريخ (بيت السناري)

د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: معالم وتاريخ (بيت السناري)
د. محمد فتحى عبدالعال يكتب: معالم وتاريخ (بيت السناري)

يعتبر بيت السناري واحدا من التحف الأثرية المملوكية شديدة الثراء ويقع البيت في حي الناصرية بالسيدة زينب في نهاية حارة منج (نسبة لأحد علماء الحملة الفرنسية)

من هو السناري الذي يحمل البيت اسمه وكذلك يحمله أحد الشوارع بالحي اللاتيني بباريس ؟
لا تحمل كتب التاريخ كثيرا من التفاصيل عن إبراهيم كتخدا السناري سوي أن أصله من برابرة دنقلة بجنوب شرق السودان وأنه قدم لمدينة المنصورة في بداياته ليعمل كبواب وهناك تعلم القراءة والكتابة وانكب على كتب السحر والتنجيم حتى أصبح عرافا مشهورا يكتب ويقرأ التعاويذ.... ولأنه عاش في زمن المماليك وهو العصر المظلم الراسخ على تلال من الجهل فلا غرو أن يصعد نجمه ويحتل السناري مكانة عالية بعدما أجاد وأتقن لغات هذا العصر من النفاق والكذب والتدليس علاوة على الشعوذة فدخل في البداية في خدمة مصطفى بك الكبير وتعلم اللغة التركية لغة المراسلات مما مكنه من الإنخراط في صفوف المماليك كواحد منهم ولكنه يرتكب خطأ كبيرا حينما يصبح أداة مصطفى بك في التشهير بمراد بك الكبير والذي أصبح له ولاية مصر فيصبح السناري مطلوبا ومطاردا من جانب مراد بك وبعد وساطة حدثت المصالحة بين السناري ومراد بك وهنا لعب الزهر لعبته! فتحول السناري من عدو إلى رفيق لمراد في غدوه و ترحاله ثم نائبا عنه مما رفعه إلى مرتبة الأعيان وأصبح يمتلك مماليك وخدم علاوة على ثروة طائلة فبني بقسط منها ثلاثة قصور فخمة كان بيتنا هذا واحد منها ولقد شاء القدر أن يحفظ ذكرى هذا البيت فيما زال أثر البيتين الآخرين.. وليس هناك ما هو أدل على المكانة الفائقة للرجل من حجم الأوصاف التي حملتها حجة بيته والمحفوظة بوزارة الاوقاف هو فخر الأماثل وكمال الأعيان العظام عين أعيان ذو القدر أولي الشأن الفخام الجناب المكرم والمخدوم المفخم الأمير إبراهيم كتخدا المعروف نسبه الكريم بالسناري كتخدا افتخار الأمراء العظام كبير الكبرا أولي الشأن الفخام صاحب العز والقدر والمجد والاحترام المقر الكريم العالي حايز أنواع كمالات المفاخر والمعالي أمير اللوى الشريف السلطاني والعلم المنيف الخاقاني مولانا الأمير مراد بيك محمد أمير الحاج الشريف المصري سابقاً دامت عزته وأبدت سيادته وأعز جناب الواقف المشار إليه أعلاه آمين) .ولكن ما هو الدور الحضاري الذي لعبه هذا البيت؟...لم يسكن السناري بيته في السيدة زينب سوى أربع سنوات فقط فبعد مجئ الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت صودر البيت الفخم وتحول إلى مجمع علمي يقيم به أعضاء لجنة الفنون والعلوم ومن ضمنها المصور أريجو صاحب الرسومات الرائعة وكانت اللجنة برئاسة جاسبار مونج الذي اشرنا إليه من قبل وتحمل الحارة اسمه وانقسم معهد بيت السناري إلى أربعة أقسام هى الرياضيات والاقتصاد والآداب والفنون وانتهت أعمال هذه اللجنة بوضع كتاب وصف مصر أحد أشهر مؤلفات الحملة عن مصر...
يبقى السؤال أين ذهب السناري.؟
هرب السناري مع المماليك إلى الصعيد مع مجئ الفرنسيون واجاد لعبة التخفي عن الأنظار والتي كان يتقنها حتى رحلت الحملة الفرنسية عن مصر واستتب أمر الحكم في مصر للمماليك والعثمانيين وسرعان ما يدب الشقاق بين الطرفين ويحاول كل طرف الاستئثار بالحكم دونا عن الآخر ويلجأ العثمانيون إلى خدعة للقضاء على المماليك فدعاهم حسين باشا القبطان العثماني إلى وليمة بسفينته بأبي قير للتفاوض مع القائد الانجليزي وفي رواية أخرى للقاء السلطان وما أن أصبحوا في السفينة وكان من بين أمراء المماليك السناري حتى توجسوا من نوايا حسين بك فحاولوا الفرار غير أن مدافع العثمانيين عاجلتهم من كل جانب فقتل عدد كبير من المماليك من بينهم السناري وكأننا في بروفة مصغرة من مذبحة المماليك التي نفذها محمد علي باشا بعد ذلك ودفن السناري بالإسكندرية. وهكذا شاءت الاقدار أن يتحول سكن واحدا من الدجالين إلى منارة ثقافية باقية إلى الآن في خدمة الإبداع والثقافة
بعد رحيل الحملة الفرنسية عام 1801 توقف نشاط بيت السناري وفي عام 1916، تم استئجار البيت لجاياردون بك كمتحف باسم بونابرت وعرض فيه مجموعته الخاصة عن الحملة الفرنسية ثم أُخلي في سنة 1933. وفي فترة الستينيات تحول إلى مركز للحرف الأثرية التابع لهيئة الآثار. أصاب البيت الكثير من الضرر بعد زلزال 1992 فقام المجلس الأعلى للآثار بالتعاون مع البعثة الفرنسية بالقيام بأعمال ترميم المنزل في عام 1996.وحاليا انتقلت تبعية البيت لمكتبة الإسكندرية ليعود للبيت رونقه في خدمة العلم ونشر الفنون و الثقافة

 


د. محمد فتحي عبد العال