سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 فبراير 1932.. الملك فؤاد يرفض مصافحة طه حسين فى الجامعة.. ويغضب من ضعف هتافات الطلاب له

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 فبراير 1932.. الملك فؤاد يرفض مصافحة طه حسين فى الجامعة.. ويغضب من ضعف هتافات الطلاب له
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 فبراير 1932.. الملك فؤاد يرفض مصافحة طه حسين فى الجامعة.. ويغضب من ضعف هتافات الطلاب له

اتصل وزير المعارف حلمى عيسى باشا، بمدير جامعة فؤاد الأول، أحمد لطفى السيد بك، يخبره بتنظيم احتفال كبير فى الجامعة يشرفه جلالة الملك فؤاد، وحسب كتاب «ما بعد الأيام» للدكتور محمد حسن الزيات، عن «دار الهلال-القاهرة»، طلب الوزير أن «تمنح الجامعة أثناءه درجات الدكتوراه الفخرية لأجانب، منهم إنجليزى وفرنسى وإيطالى وألمانى وبلجيكى، ولمصريين هم الوزير أولا، ثم مدير الجامعة لطفى السيد ثانيا، ثم رئيس مجلس الشيوخ يحيى إبراهيم باشا، ورئيس مجلس النواب توفيق رفعت باشا، وأخيرا لأحد الوزراء الحاليين وهو على ماهر باشا».

 

يؤكد الزيات أن لطفى السيد رد، بأنه من غير المعقول أن يطلب درجة الدكتوراه لنفسه، ففطن الوزير إلى أنه بذلك سيكون من غير المعقول أن يطلب منحها لنفسه، وهو رئيس الجامعة الأعلى، فتم سحب الأسمين، لكن لطفى «أضاف» قانون الجامعة يقضى بعرض هذا الموضوع على مجالس الكليات، وسوف يفعل ذلك، لكنه يلاحظ أن الأسماء المذكورة كلها هى لأنصار الوزارة، ولا تشمل واحدا من المعارضين، «والاقتراح بهذا الشكل يبدو لصالح الحزب الحاكم «حزب الشعب برئاسة إسماعيل صدقى باشا»، فرد الوزير بأنه لا يقبل فى عهده أن ينال أى معارض هذا التكريم، لكن لا بأس من إعطاء درجة أيضا لكل من عبد الحميد بدوى باشا وعبد العزيز فهمى باشا، وهما من أصدقاء طه حسين، أما الأجانب فليس لدى الوزير أسماء، المهم هو الجنسيات، والعجلة فى إتمام الإجراءات، لأن المطلوب أن تمنح هذه الدرجات أثناء الزيارة الملكية».

 

عرض لطفى السيد الأمر على مجالس الكليات، وكان الدكتور طه حسين هو عميد كلية الآداب «أول عميد مصرى للكلية، وتم انتخابه من مجلسها»، وتسلم منصبه فى نوفمبر 1930»، واعترض على طلب الوزير، وحسب الزيات، قال حسين: «مرسوم الجامعة ينص على أن مجلس الجامعة بناء على قرار من مجلس الكلية، هو الذى يختص بمنح درجات الشرف المطلوبة، وليس للوزير أن يقرر شيئا فى هذا، أو أن يقترح شيئا»، وأبدى حسين مخاوفه من أن يكون المطلوب هو استعمال الجامعة فى إقامة مهرجان سياسى كبير للحكومة، كما أبدى دهشته من منح الدرجات لهؤلاء الأجانب دون أن يحضروا بأنفسهم لتسلم درجاتهم، وطبقا للزيات، فإن مدير الجامعة طلب من عمداء الكليات مقابلة الوزير للتحدث فى هذا الموضوع، فذهب الدكتور طه حسين ومعه الدكتور عبد الوهاب عزام بالنيابة عن كلية الآداب، وحاولا إقناع الوزير بالعدول عن طلباته، لكن الوزير أصر، بل تحدث بلهجة الأمر، لكن حسين رد عليه: «عميد كلية الآداب ليس عمدة يا معالى الوزير».

 

انتقل الموضوع إلى مجالس الكليات الأربع التى تتكون منها الجامعة وقتئذ، وهى، الآداب، الحقوق، الطب، العلوم، ويؤكد الزيات، أن مجلسى الحقوق والطب وافقا على طلب الوزير، ورفض مجلس «العلوم» برئاسة البريطانى «بنجهام»، وطلب مجلس «الآداب» برئاسة طه حسين إحالة الموضوع إلى لجنة تنسيق بين الكليات الأربع للنظر فيه».

 

 كان للوزارة ما أرادت، وأقيم الاحتفال فى موعده يوم 27 فبراير «مثل هذا اليوم» 1932، ويؤكد الزيات، أن المختصين اهتدوا بسرعة إلى أسماء العلماء الأجانب، إلا أن العالم البلجيكى المقرر أن ينال جائزة الآداب، لأن كلية الآداب لم تقترح أى اسم، وتعلل وزير المعارف فى خطابه أمام الملك بأن عدم منح الدرجة للأستاذ البلجيكى نشأ عن أعطال فى أعمال البريد، ويذكر «رؤوف عباس فى كتابه «جامعة القاهرة-ماضيها وحاضرها» عن «جامعة القاهرة» عندما أقيم الحفل بحضور الملك، لم يلق أحمد لطفى السيد كلمة ترحيب كما جرت العادة، ولزم جميع الأساتذة المصريين الصمت، فلم يلق أحدهم كلمة، ولعل ذلك كان احتجاجا على فرض تكريم رجال الحكم على مجلس الجامعة».

 

يكشف«الزيات»أنه عند انتهاء الاحتفال لاحظ الملك أن الهتاف لجلالته لم يكن بالحماس الذى يرضيه، ويقول:«أثناء الزيارة سار محاطا برجال الحكومة والجامعة، وهو يحيى الطلاب المجتمعين فى الأماكن التى حددها لهم رجال الأمن، وكان من المنتظر أن يعلو هتاف الطلاب للملك، ولكنهم جعلوا يهتفون للجامعة وأساتذتها»، ويذكر حافظ محمود«أول نقيب لنقابة الصحفيين المصرية «فى رسالة منه إلى صبرى أبو المجد نشرها فى كتابه«ما قبل الثورة» عن «الهيئة المصرية العامة للكتاب-القاهرة»:«لما وجد الملك فؤاد بين أساتذة الجامعة الذين وقفوا فى استقباله الدكتور طه حسين تعمد ألا يصافحه كما صافح الآخرين..ثم التفت إلى وزير المعارف حلمى عيسى باشا وقال بصوت خفيض:«هو ده لسه هنا»، وكانت هذه العبارة كافية لانتحال أسباب إخراج طه حسين من الجامعة»، وبالفعل حدث ذلك يوم 3 مارس 1932 وكانت قصته دراما أخرى.



 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع