سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 27 يناير 1952 من حرق القاهرة؟.. جهات التحقيقات تبدأ فى البحث عن إجابة.. والملك فاروق يقيل حكومة النحاس

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 27 يناير 1952 من حرق القاهرة؟.. جهات التحقيقات تبدأ فى البحث عن إجابة.. والملك فاروق يقيل حكومة النحاس
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 27 يناير 1952 من حرق القاهرة؟.. جهات التحقيقات تبدأ فى البحث عن إجابة.. والملك فاروق يقيل حكومة النحاس

بين الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا والساعة الحادية عشرة مساء يوم 26 يناير، 1952، التهمت النار قلب القاهرة.. «راجع، ذات يوم، 26 يناير 1952»

 

فى المساء وبعد أن قررت الحكومة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس باشا فرض الأحكام العرفية، عقد الملك فاروق اجتماعا حضره «فؤاد سراج الدين باشا» وزير الداخلية، لبحث إقالة الحكومة، وفى اليوم الثانى 27 يناير، مثل هذا اليوم، 1952، تقرر إقالتها، وتواصلت التحقيقات فى الأيام التالية بحثا عن إجابة للسؤال: «من قام بهذه الجريمة؟

 

ولأن الإجابة عن هذا السؤال بقيت لغزا تاريخيا، تعددت الاجتهادات، وتوزعت الاتهامات، وهناك من رآه «محلى محض، وأهلى صرف» كما قال عبدالرحمن الرافعى، وهناك من رفض اتهام الشعب المصرى، ووجه الاتهام إلى الاحتلال الإنجليزى وألقى بالمسؤولية على الملك فاروق، كما فعل المؤرخ الدكتور محمد أنيس فى دراسته «حريق القاهرة»، والكاتب الصحفى جمال الشرقاوى فى كتابه الاستقصائى المهم «حريق القاهرة، قرار اتهام جديد».

 

يذكر «الرافعى» فى كتابه «مقدمات ثورة 23 يوليو»: «الحقيقة المؤلمة أن هذا الحريق هو عمل محلى محض، وأهلى صرف، ولقد عشت فى هذه الحقبة من الزمن وشهدنا الحريق بأعيننا، وأمكننا أن نتبين صورة صحيحة من حقائقه وملابساته، ورأينا الغوغاء يشعلون النار جزافا فى المحال التجارية دون مبالاة أو اكتراث، رأينا اللهب يتصاعد إلى عنان السماء دون أن نلاحظ أى مجهود ولو يسير من رجال البوليس وضباطه فى منع الحرائق، ورأينا بأعيننا المحتشدة على الأرصفة وقت اشتعال النيران مبتهجة مغتبطة، رأيناها تنظر بعين الحقد والغضب إلى رجال المطافئ وهم ذاهبون بسياراتهم لإطفاء الحرائق، ولم ينجهم من الغضب الشعبى إلا إيماءات منهم بأنهم لن يعملوا على إخمادها، ولاحظنا أن هذه الإيماءات كانت تقابل من الجمهور بالهتاف والتصفيق، وتحققنا أن بعض المتظاهرين كانوا يقطعون خراطيم المياه ليمنعوا رجال المطافئ من أداء واجبهم، وهذه المشاهدات دلتنا مع الأسف على أن الحريق انبعث من النفوس المريضة من بين المواطنين».

 

يرد «أنيس» على رأى «الرافعى» قائلا: «الذين خططوا لحريق القاهرة وباشروا تنفيذه هم الجهة الأكثر كسبا من هذا الحريق أى الإنجليز»، ويذكر جمال الشرقاوى: «هى مجموعات خاصة، معدة ومدربة، وموزعة وفق خطة محددة»، ويتفق الاثنان على أن «المخابرات البريطانية» هى العقل المفكر والمدبر، ويطرحان أدلتهما.

 

طرق «الشرقاوى» كل أبواب القضية، واشتبك مع معلوماتها بحثا واستقصاء فى كتابه الذى تبلغ صفحاته 996 صفحة.. يذكر شهادات شهود عيان قابلهم وناقشهم منهم الكاتب القصصى محمد صدقى، الذى قال: «الذين كانوا يحرقون كانوا جماعة محدودة، يلبسون ملابس العمال، ولكنهم ليسوا عمالا، كانوا يعملون فى صمت، وينثرون البودرة ويشعلون الكبريت بعد أن يكونوا قد حطموا الأبواب بالبلط، التى جاءوا بها معهم».

 

أما أبو الخير نجيب، رئيس تحرير «الجمهور المصرى»، فقال: «الذى أحرق القاهرة، كما شاهدت بعينى فرق من الشبان يرتدون ملابس تشبه ملابس العمال، فى أيديهم جرادل يخرجون منها كورات ملتهبة ويلقون بها داخل المنشآت وعليها، وقد تابعت عمليات الإحراق المنتظمة والمنظمة التى كانت تنتقل من منشأة إلى منشأة بطريقة دقيقة، لم يتعرض لهم أحد من رجال البوليس، وكان هذا مما جعل جماعات الإحراق تؤدى عملها التخريبى فى أمان وهدوء، وقد لاحظت أن الجموع بدأت تتجمع لكى تتفرج على عمليات الإحراق دون أن تشترك فيها».

 

وفى تحقيق كتبه «صلاح هلال» بجريدة «أخبار اليوم»، 15 مارس 1952، أجاب أحد مصادر التحقيق عن سؤال «من الذى أحرق القاهرة؟»: «إنهم ليسوا أكثر من 50 شخصا على أى حال هم الذين نستطيع أن نقول عنهم، لقد كان لكل منهم هدف يسعى وراءه.. أما الجموع فلم يكن لها هدف تسعى وراءه.. والحقيقة التى رأيتها بعينى، تنطلق فعلا بأن أحدا من الذى اشتركوا فى الحوادث لم يفكر فيما يعمل على الإطلاق.. كان هناك محرضون، وكانوا قلة تعد على أصابع اليد الواحدة فى كل حادث، وكان هؤلاء هم الذين يبدأون بدخول مكان الحادث ويشعلون النار ثم يتركونها إلى غيره، ووراء هؤلاء مباشرة كان هناك عشرات من الصبية الصغار من ذوى الجلاليب، كان منظر النار يسعدهم وكان عدم المقاومة يدفعهم إلى زيادة التحطيم، ولم يكن أحد من هؤلاء - كما رأيت بنفسى - يمد يده ليسرق قبل الخامسة مساء، عندما جاء إلى قلب القاهرة الأشخاص الذين تخصصوا فى السلب والنهب والذى يعيشون فى العزب والأوكار، أما بقية الجموع فكانت عبارة عن متفرجين، لا عمل لهم إلا الشغل للفرجة فقط، فى صمت، ودون إبداء الأسباب».

 

تؤكد الشهادات السابقة أن فرقا خاصة هى المسؤولة، فما هى؟  


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع