سعيد الشحات يكتب ذكريات صحفية 2..حينما كشف محمود دوريش سر قصيدة "أحن إلي خبز أمي سألته عنها فقال "أمى، أمى، أمى.. كتبت هذه القصيدة فى سجن معصيان بجوار الرملة..لا أعرف كفى، كفى يا أخى لماذا هذه القصيدة بالذات؟

سعيد الشحات يكتب ذكريات صحفية 2..حينما كشف محمود دوريش سر قصيدة "أحن إلي خبز أمي سألته عنها فقال "أمى، أمى، أمى.. كتبت هذه القصيدة فى سجن معصيان بجوار الرملة..لا أعرف كفى، كفى يا أخى لماذا هذه القصيدة بالذات؟
سعيد الشحات يكتب ذكريات صحفية 2..حينما كشف محمود دوريش سر قصيدة "أحن إلي خبز أمي سألته عنها فقال "أمى، أمى، أمى.. كتبت هذه القصيدة فى سجن معصيان بجوار الرملة..لا أعرف كفى، كفى يا أخى لماذا هذه القصيدة بالذات؟

ساد الصمت للحظات بعد أن سألت الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن سر قصيدته «أحن إلى خبز أمى..وقهوة أمى»، وهي القصيدة التي غناها مرسيل خليفة بشجن بالغ..كنت وصديقي الراحل مجدي حسانين في اللقاء معه والشاعر الفلسطيني سميح القاسم في فندق شبرد نوفمبر 1988،وانضم إليه بعد حوالي نصف ساعة  الفنان كرم مطاوع والكاتب يوسف القعيد، والشاعران الفلسطينيين، أحمد دحبور وهارون هاشم الرشيد، لتصبح جلسة حميمية شملت الحديث في الشعر، والفرق في طريقة إلقائه بين درويش وسميح، وقصائد درويش التي لايحب أن يلقيها، وكذلك سميح، وطقوسهما أثناء الكتابة، وحقيقة رغبة درويش في كتابة الرواية، ورأيه السلبي فيما كتبه سميح في ذلك، ورأي كرم مطاوع في أن قصيدة "مديح الظل العالي" لدرويش تصلح مسرحا شعريا، وقضايا أخري.

كان سؤالي عن قصيدة"أحن إلي خبز أمي"الشفرة التي فكت ضجر درويش من ملاحقة الصحفيين له والذي عبر عنه في بداية اللقاء...قال درويش :"أمى، أمى، أمى، أنا كتبت هذه القصيدة فى سجن معصيان بجوار الرملة، كتبت مجموعة قصائد كثيرة من ديوان«عاشق فلسطين» 1964..لا أعرف..لا أعرف، كفى، كفى، يا أخى لماذا هذه القصيدة بالذات؟".

التقط سميح حالة تأثر"درويش" وتدخل قائلا:"هناك لحظات تصبح فيها الشفافية الإنسانية فى أقصى درجاتها، محمود يحب أمه، يخاف على حزنها..الخوف من الموت ليس حبا منه فى الحياة ولاخوفا على نفسه، وإنما كى لاتحزن أمه، يعنى بكلمة أخرى، أم محمود عنده أغلى من الحياة".

كنا ننظر إلي"سميح"، بينما لا ينظر"درويش" إلي أحد..كان يستعيد لحظة القصيدة التي مضت منذ سنوات طويلة، ثم واصل كلامه متأثرا:"هذه جلسة إنسانية حميمية، ممكن أقول فيها شيئا قاسيا أظنه أول مرة..أنا كان عندى مشكلة وأنا صغير، كنت أعتقد أن أمى لاتحبنى، لأسباب شائعة فى البيوت العربية، فأنا الثانى فى ترتيب أشقائى، أخى الكبير تحميه أمى،والصغير يحميه أبي، وأنا ضائع، وعند حدوث أى مشكلة كبيرة، أنا«آكل علقة»، ولأن أبى كان رجلا خجولا جدا، يخدم أولاده بصدق وممن يعتقدون أن التعبير عن الحنان هو حالة ضغف، كنت ألجأ إلى جدى لأبى، كان جدي هو أبى الحقيقى..كبرت ولا أعرف ما إذا كانت عقدتى نحو أمى لها علاقة بإحساسي أنها لاتحبني أم لا؟..استمر الحال هكذا، حتى اعتقلتنى قوات الاحتلال الإسرائيلي أول مرة".

التفت درويش إلى سميح قائلا:"تتذكر يا سميح هذه الفترة"..هز سميح رأسه مسلما، وواصل درويش:"فى يوم مازلت أذكره، أبلغنى سجانى بأن هناك زيارة لى، خرجت لأجدها هى أمى..كانت مفاجأة، دخلت فى حضنها، قبلت يدها ورأسها ووجهها، أمى التى توهمت أنها لا تحبنى هى الآن أمامى، كان إحساسا مفاجئا أشعر به الآن، انفجر حبى لها، ولما انصرفت تأملت قصتي كلها معها، ولم أجد أجمل من الاعتذار لها إلا بكتابة القصيدة، اعتذار عن ظلمى لها سنوات..لم أكن أفهمها كما ينبغى أن يفهم الأبناء أمهاتهم".

سألته:"هل تتذكر ما قالته لك أثناء هذه الزيارة؟..أجاب:"قالت كل ما يشد عزمي، وما يعين فى مثل هذه المحن، أوصتنى بأن أبقى كما أنا، قالت لى:"كن أقوى من سجانك، أحببتها، وتمنيت أن يعود الزمن لأضع كل تصرف منها فى موضعه الصحيح، أحببتها..أحببتها".

خيم التأثر علينا، قطعه سميح قائلا:"لما الإنسان يكبر، هو يصحح مشاعره ومع الكبر نكتشف أننا ظلمنا أهلنا، ونعيد تفسير الأشياء تفسيرا صحيحا، والدى مثلا كانت هوايته الصيد، وكلما كنت أسافر إلى الخارج، أشترى أى شىء له علاقه بأدوات الصيد، كان تصرفى هذا هو فى حقيقته تعويضا واعتذارا منى له عن أى سوء فهم سابق منى نحوه".

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع