بعد فوز "ترامب" ثارت التكهنات وتجددت الآمال لدى البعض فى أن يغير مجيئه الأحوال فى منطقة الشرق الأوسط ويوقف رحى تلك الحرب الضروس بل وإن شئت الدقة فقل تلك المجازر الممنهجة التى يرى البعض حتى من اليهود أنفسهم أنها فاقت "محرقة الهولوكست" التى لطالما ابتزوا بها العالم .. والتساؤل الآن هل يغير فوز ترامب الأهداف الأمريكية الثابتة والتى تعد بمثابة نواميس لا يمكن الاقتراب منها أو تغييرها أو حتى إرجائها وهل يمكن إثناء إسرائيل عن المضى فى تحقيق حلمها المعروف "بالملك الصهيونى" من النيل للفرات الإجابة بالقطع لا.. الحقيقة أن هناك مجموعة من الأهداف الثابتة للولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط وأخرى يطلق عليها الأهداف الحركية أو المتغيرة التى يمكن تغييرها من أجل المناورة وانتظار تهيئة الظروف والأوضاع على عكس تلك الثابتة التى لا يمكن الحياد عنها ولو قدر أنملة .. قد أكد "مايكل ورميس" فى كتابه الشرق الأوسط على أن اهتمام الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية يرجع إلى دوافع مادية يأتى على رأسها الاهتمام بنفط المنطقة ومراقبة التوسعات النفطية التى حققتها بريطانيا آنذاك لاحتكار نفط المنطقة.. وحتى لا يشرد ذهن البعض بعيداً بعد فوز "ترامب" من أن يغير ذلك من الوضع المتأزم فى المنطقة نسوق ما قاله "جيفرى مليستين" حول محددات وأهداف السياسة الخارجية الأمريكية الثابتة والتى حصرها فى مجموعة من الاهتمامات والمصالح لكلتا القوتين العظميين فى فترة ما بعد الحرب العالمية والتى حددت علاقتهما بأطراف الصراع .. يأتى على رأسها الإبقاء على إسرائيل فى حالة من القوة والحيوية والاحتفاظ بقدر كبير من النفوذ الأمريكى الاقتصادى والإستراتيجى فى المنطقة وقوة بحرية فى البحر المتوسط تمتد من منطقة القناة بما يتيح لها الوصول إلى مياه الخليج العربى وشرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا .. تلك هى الأهداف الثابتة التى لا تتغير ويلتزم بها أى رئيس أمريكى بغض النظر عن انتمائه السياسى والحزبى إلا أنه لابد وأن تكون تلك المفاهيم السياسية واضحة ودقيقة ومحددة حتى يمكن فهمها بشكل كامل واختبارها على نحو دقيق .. ولابد من الأخذ فى الاعتبار أن العديد من المفاهيم المستخدمة فى العلوم السياسية تتسم بالتجريد إلى حد ما وتتطلب قدراً كبيراً من التدقيق والتفكير العميق من أجل وضوح التعريفات أما المفاهيم المتغيرة فهى قابلة للتغيير إذ أن هناك حاجة إلى أكثر من متغير مستقل لتفسير الظواهر السياسية.. وعلى خلاف ما يتوقع البعض أن وصول "ترامب" إلى سدة الحكم يمكن أن يغير من الوضع كثيراً أو حتى تهدئة المنطقة فقد صرحت "جابيل تالشير" أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة العبرية بالقدس قائلة: لقد تركت إسرائيل إيران بلا عيون وإذا عاد "ترامب" إلى الحكم فقد يميل هو و"نتنياهو" إلى القيام بتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووى الإيرانى .. وقد صرح مصدر مطلع بما يجرى فى ذهن كبار القادة الإسرائيليين شأنه كغيره فى سرد هذه القصة ألا وهى أنه لن يكون هناك أى تقدم فى المفاوضات حتى يرى "نتنياهو" من سيجلس فى البيت الأبيض وفى مكالمة تليفونية مع "نتنياهو" أعرب الرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" عن دعمه للحرب فى لبنان وقطاع غزة وأوصى "نتنياهو" بفعل ما يجب عليه فعله.. وفى مقال "ديفيد أرجون" حول الأهداف الأمريكية أورد التصريح الذى أدلى به السكرتير الصحفى للبنتاجون العميد بالقوات الجوية "بات رايدر" فيما يتعلق بالأهداف والمسارات الحالية لوزارة الدفاع فى الشرق الأوسط يأتى على رأسها حماية القوات والمواطنين الأمريكيين فى المنطقة وتدفق المساعدات الأمنية الحاسمة إلى إسرائيل للدفاع عن نفسها.. وفى أحد التحليلات حول تداعيات الانتخابات الأمريكية على إسرائيل والمنطقة كتب "لازار بييرمان" قبل الانتخابات قائلاً: لن ينجح "هاريس" أو "ترامب" فى قلب السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وإن كان هناك اختلافات رئيسة إلا أن نتيجة الانتخابات سوف تترك آثاراً بعيدة المدى على مستقبل الولايات المتحدة وهو ما بات يرقبه العالم عن كثب، حيث يتردد صدى السياسة الأمريكية إلى ما هو أبعد من حدودها.. واستطرد "بييرمان" قائلاً: على الرغم من أن أغلبية اليهود الأمريكيين المهتمين بشدة بإسرائيل قد صوتوا على مجموعة من القضايا المحلية لصالح المرشح الديموقراطى إلا أن الإسرائيليين المهتمين فى المقام الأول بتأثير السياسة الأمريكية على الأمن الإسرائيلى يدعمون بأغلبية ساحقة "ترامب".. من بين الموضوعات التى تطرق إليها "بييرمان" هى أن أيا من المرشحين لا يريد أن تصبح إيران قوة نووية وكلاهما يؤيد إبرام صفقة تؤدى إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وتحقيق الاستقرار فى المنطقة حتى يتسنى للولايات المتحدة تركيز اهتمامها على منطقة آسيا والمحيط الهادى والتنافس مع الصين .. وقد صرحت "دانييل بليتكا" أحد الزملاء البارزين "بمعهد المشاريع الأمريكى" بواشنطن قائلة: قبل أن تصبح السيناتور " هاريس" نائبة للرئيس فقد كانت تولى اهتماماً خاصاً لإسرائيل وبصفتها عضواً فى مجلس الشيوخ فلم تكن تهتم كثيراً بالسياسة الخارجية .. واستطردت "بليتكا" قائلة: ولكن بصفتها كنائبة للرئيس ومرشحة للرئاسة قد أعربت مراراً وتكراراً عن رأيها فى إسرائيل والقضايا ذات الصلة بها فقد كانت تدعم بانتظام حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها وتشير إلى مصير الرهائن لدى حماس والجرائم الجنسية التى ارتكبت بحق الإسرائيليات فى الوقت الذى كانت تتحدث بصوت عال عن معاناة الفلسطينيين فى غزة .. وفى إحدى دراسات "مجلس سياسات الشرق الأوسط" تحت عنوان الفشل فى إعادة تنظيم السياسات الأمريكية فى الشرق الأوسط والتى رصدت فشل الجهود الدبلوماسية التى استمرت لقرابة أربعة عقود فى إحلال السلام فى الأرض المقدسة، مما أسفر عن نتيجة مخزية قبل عام من الآن.. وقد حددت الدراسة الأهداف الثابتة للسياسة الخارجية الأمريكية فيما يلى: (1) تحقيق القبول الآمن للوطن اليهودى من قبل الدول والشعوب الأخرى فى المنطقة (2) ضمان توفر إمدادات الطاقة فى المنطقة دون انقطاع لدعم الازدهار العالمى الأمريكى (3) الحفاظ على قدرة العبور للمنطقة للتمكن من تحقيق السيطرة على العالم (4) الحيلولة دون صعود قوة إقليمية مهيمنة أو نشر أسلحة الدمار الشامل (5) تعظيم التجارة وتعزيز الاستقرار وحق الإنسان فى التقدم نحو الديموقراطية الدستورية .. الخلاصة هى أن ترامب لن يأتى بما لم يستطعه الأوائل أى أسلافه من الرؤساء الأمريكيين لسببين وهما الأهداف السياسية الثابتة من جهة وفريق العمل من خبراء السلطة السياسية الذين يخططون ويضعون السياسات الأمريكية والقرارات التى يتخذها الرئيس الأمريكى من جهة أخرى.