مدحت بشاي يكتب : دراما التنوير فريضة وطنية

مدحت بشاي يكتب : دراما التنوير فريضة وطنية
مدحت بشاي يكتب : دراما التنوير فريضة وطنية
في زمن اندلاع الغضب الينايري ، لاشك هناك ملاحظات ( ينبغي التوقف عندها لتجاوز سلبياتها ونحن على عتبات الجمهورية الجديدة ) حول توجهات وأفعال صدرت من جانب بعض من أُطلق عليهم " النخبة المصرية " ، فمنهم من توهتهم حالة التمترس خلف فكرة إيديولوجية جامدة ، ومنهم من اتخذوا من الأداء الحنجوري سبيلاً لكراسي الميديا التلميعية وصولاً لأهداف سلطوية وانتهازية خاصة ، ومنهم من نصبوا ذواتهم أوصياء على فكر وأحلام شباب الثورة فتحدثوا وأفاضوا بالنيابة عنهم ، وآخرون دفعتهم أهداف خاصة لظرف تاريخي ، ومنهم من حركتهم دوافع فكر موتور وعبثي ، أو من ساقتهم معارفهم المحدودة لتعاليم الأديان إلى الانحياز لانتماءات طائفية ومذهبية لجماعات تديين البلاد والعباد عبر الدعوة هنا أو التبشير والمتاجرة بالأديان ..
ولكن يبقى للإبداع ورموزه المصرية الأصيلة  المطلوب دعوتهم من جديد للقيام بإعلان مقاومة من يشوهون الواقع ،والدعوة إلى قراءة وطنية تحفيزية لتركيبة شعبنا العظيم وتاريخه الحافل بالعطاء الوطني  ..
لاشك أن الفنون المصرية وأهل إبداعاتها  لن يتراجع دورها التاريخي والحضاري في إحداث التغيير ، ولنعلن معًا :  لا لوضع الشمع وطمس ملامح الإبداعات التاريخية .. لا للتديين الجبري الشكلي .. لقد قال الشعب كلمته بحضوره العظيم يوم 30 يونيو  ، والفنان ثوري حتى يبدع ، وإبداعاته دائماً محفزة ودافعة  للتغيير ..
نعم ، لن يتوقف المتنورون عن أداء دورهم التاريخي فى اظهار الحقائق للناس وبالطبع سيخرج بين حين وآخر متبلدى المشاعر وسطحى التفكير ليدفعوا في وجوهنا بمخرجات نتاج عقولهم المتحجره فى الميدان, ولكن الفكر الانسانى النير البديع سيظل دومًا منارة للشعوب .
إن الذين يعتقدون بتراجع قيم التنوير في بلادنا يُغفلون أن التاريخ يسير عبر موجات الحماسة لمشروع التنوير و في أحيان أخرى يواجه بموجات  الاعتراض عليه مقابل الإعلاء مجددًا من شأن الفكر التقليدي الاستقراري والقيم المرتبطة به، كما حدث عبر حقب متتالية ،وهو مايعد بمثابة مانشيتات عارضة عبر صراع تاريخي يتطلَّب المرور بحقب زمنية  تَطُول أو تَقْصُر، تختفي ثم تعود، وذلك حسب أشكال وطرائق وخطوات البناء وكيف نتعامل مع مشروع التنوير الذي نأمله ، وكيف نخطط لدعمه .. ومعلوم أن على التنويري والإصلاحي أن يدفع من جهده ووقته وفكره وحياته ثمن تحقيق تلك الاستضاءات التنويرية ، وهو ما أكد عليه الرئيس " السيسي " في مداخلاته الأخيرة إلا أنه وعد بمساندة أهل الإبداع الوطني الصادق ..
لقد أكد الرئيس " عبد الفتاح السيسي " في أكثر من مناسبة دعوته لأن تلعب القوى الناعمة دورها في دعم رسائل الوعي الوطنية ونشر استضاءات التنوير ، وقد كان الكاتب والسيناريست الرائع " عبد الرحيم كمال " صاحب دراما "القاهرة كابول" هو أول من أعلن الرئيس دعم إبداعاتهم وأشاد بتلك التركيبة الإبداعية الداعمة لإثراء الفكر التنويري وإحياء الوعي بقضايا الوطن ..
نعم ، لقد قدم لنا العمل صيغة درامية ذكية وثرية عبر تناول مجموعة حواديت مشوّقة في حداثة التركيبة وفي رصدها لتفاصيل مثيرة لمسيرة أربعة أصدقاء يقطنون منطقة لها بعد روحي وجماهيري معروف ، وهم يمثّلون أربعة أنماط مختلفة .. الإرهابي ورجل الأمن والفنان والإعلامي ، وانشغل الكاتب بطرح علامات استفهام حول العديد من القضايا السياسية والإنسانية والاجتماعية التي تشغل الشارع المصري ويطرحها أهل النخبة المخلصين عبر تفاعل درامي وتشابك فكري بين الأربعة ، وبينهم وبين الناس ومع مؤسسات الدولة ، والتطرق بشكل خاص إلى ظاهرة الإرهاب، في محاولة لكشف أبعادها ونشأتها ومخاطرها وتركيبة عناصرها ومخططات عصاباتهم ..
ونعود لحكاية الأصدقاء الأربعة ، لقد عاشوا طفولتهم معًا كجيران في أحد شوارع حي" السيدة زينب" ، وتلقَّوا نفس مستوى التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية بحكم ظروفهم الإنسانية والمادية المتوسطة والمتقاربة، مُتنقّلين في الأزمنة بين السبعينيات والعام 2011، لاستعراض الاختلافات التي طرأت على شخصياتهم مجتمعيًا وإنسانيًا لدرجة قد تصل حدّ التناقض، وتثار علامات الاستفهام من خلال الأحداث: ما الذي جرى لتلك الشخصيات؟ وما هو انعكاس تلك التغييرات التي تعرّضت لها مثل تلك النماذج على الوطن؟.. 
يتحوّل أحدهم ليصبح أحد التكفيريين، فيما يصبح الثاني رجل أمن مُكلّفا باعتقال الأول ..من جانب آخر يطلّ الثالث باعتباره رجل الإعلام الانتهازي الذى يُسلّط الضوء على تلك الحالة وغيرها لتحقيق نجاح جماهيري..
بهذه السرديّة الجدلية، يتم تناول الصراع الدرامي وبيان وجهة نظر المجتمع المصرى والعربى حول الإرهاب وجذوره وغيره من المواضيع الشائكة، واستعراض رأى الدين الحقيقي في مقابل دين هذا التكفيري الإرهابي فى هذه القضية..
وأعتقد ، ونحن على عتبات جمهورية جديدة لابد أن تلعب القوى الناعمة والدراما المصرية في المقدمة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك الذي تزدهر وتتنوع فيه أشكال تقديم الدراما  بزخم هائل ، والتي نعلم  دورها بشكل عام في تنمية الوعي ، ونأملها داعمة لإثراء حالة الاندماج الوطني بين الناس في بلادي و أن تحفل بالمناسب والهام من الأعمال الداعمة لتصويب الخطاب الثقافي والديني  المأمول الذي تعكف على تشويهه جماعات الشر الظلامية عبر منابرهم المفسدة  ، وكل عام والوطن والمواطن المصري بخير وسعادة ..