د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : مقال قصصي «وجع الصداقة»

د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : مقال قصصي «وجع الصداقة»
د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : مقال قصصي «وجع الصداقة»
إننا نأسف على اقتران الأوجاع بكلمة عزيزة.
صاروا يتهافتون على أضواء "سوء الأخلاق" أينما تشعّ!
وهل بات للأخلاق الذميمة ضوء؟
إن كان من حزن يستحق الحزن فهو على صديقين كريمين انقطعا بعد اتصالٍ، وتجافيا بعد تصافٍ.
كيف ذلك؟
أخبرك بحقيقة كي تستقرّ في ذهنك، خلف كلّ شخص عدة أوجه خفية يحاول ألّا يبديها، إذا ما أردتَ إظهارها فخالفه في الرأي أو تفوق عليه!
من امتنع عن التفكير فقد أضاع ذاتيته، ومن لم يكن ذا رأي فلا يطمحنّ أن يكون ذا شأن، ومن يرد صاحباً يتبعه في جميع أقواله فهو يطلب إمعةً ليس إلّا.
لا يملك الشخص قرار غيره، لكنّه يملك إرادة نفسه!
ها قد ضمه مجلس مع صديق عمره في عالم الوظيفة المليء بالأسرار والمفاجآت.
لا يجد زميلي طريقاً خطه رئيسنا في العمل إلا سلكه، خيراً كان أو شراً، فلا تفرق عنده هذه الأمور.
ما المهم لديه؟
أن يبقى وضعه كما هو دون تغيير، ما يستدعي التعجب من حاله أن المجلس مجلس مناقشة لا إبداء رأي.
يهزني أن أرى الاحترام الظاهريّ في اللئام!
تبقى شخصية هؤلاء هي المسيطرة في أذهان كثيرين، يتأرجحون حتى ولو لم يطلب منهم التأرجح، لا لشيء، وإنّما لأنّ عقولهم لم تعد تستوعب معنى أن يكون لهم رأي مغاير.
في بداية المجلس أبدى صواب رأي مديره، ثم بدا للمدير تغييره، فسرعان ما نزل على رأيه الجديد، في لحظةٍ أشبه بــــ "الأضحوكة" الماثلة أمام عينيك، فالأهم ألا يعرف عني خلاف قوله، فهو الأصلح والأعلم والأصوب دائماً.
يؤسفني أن أراه على تلك الحالة!
حقاً لا أطمئنّ إلى مثل هذه الصداقات!
وفي مكانٍ آخر يجلس رجلٌ بجانب أصحابه في العمل، إلا أنّه أقلّ منهم منزلة، فاستفرغ طاقته، وطور من نفسه، وصقل مواهبه حتى أتيح له الانتقال لعملٍ أرقى، مكث ينتقل هنا وهنالك، وفي كلّ مرة يرتفع ذكره وتعلو قيمته.
ليس أحدٌ من الزملاء الجدد أحبّ إليه من صحبته القديمة.
انتهى به المطاف ليكون ذا منصب، يعتمد عليه أرباب العمل في المهمات، بعد سنواتٍ من كفاحه دخل على أصحاب عمره، كانت فرحته عارمة حين جاءه خبر انتقاله إلى أصدقاء وظيفته الأولى.
سألتقي غدا بالصحبة الصادقة أرباب القلوب النقية!
كانت المفاجأة عند أولّ اجتماع، سمعوا منه، وسمع منهم، القلوب متنافرة، والوجوه متغيرة.
ما الأمر؟
شعر أنّه يعيش غريباً عنهم في عالَمٍ آخر، كأن لم يكن عزيزاً عليهم، ربما لم يخطر ببالهم أنهم سيقابلونه يوماً ما في هذا المكان، وقد امتلك زمام أمرهم.
إنّهم أناس لا يستهويهم تقدم غيرهم، ولا يطيقون صبراً على الإنجازات التي يصنعها آخرون.
ثاروا عليه، ظلّ كعادته يلتمس لهم المعاذير بقاءً على حقوق الصحبة في زمن عزّ فيه الأصيل، لكنّه توصل إلى شيء هام ربما يفيد فيه غيره، وهو أنّ هؤلاء لم يظنوا أن أحداً سيصل إلى ما وصل إليه الكبار في مدة وجيزة.
حاول التماسك فلم يتأثر من طريقة معاملتهم، ألفها مع الأيام.
إنّ الأصل ألا يتغيروا، وإذا تغيروا فلا يحقدون!
البؤسى لمن حقد وخاصم، والنُعمى لمن أحبّ وصافى!
صار يوطن نفسه على الأسوأ حتى لا يصدم بالواقع كثيراً.
إنّ تغير الوجه، وتلعثم اللسان، واللامبالاة حين سماع نجاح مَن حولك دليل عمليّ على أن في قلبك أشياء تحتاج علاجاً!
بِتُّ مقتنعاً أنَّ الصداقة الدائمة نادرة الحدوث، وسبب انقطاعها: حبّ الذات، وأمراض القلوب، وسوء التفاهم، والمسارعة في إصدار الأحكام قبل التأني.
كيف نعامل هؤلاء عندما نكتشف ما يضمرون؟
طوبى لمن يبقى على ودّ أصحابه في ظلّ تغير النفوس الدائم، وسيطرة جانب المصالح في التعامل.