سفيان حكوم يكتب : قراءة للغزو الروسي ضد أوكرانيا

سفيان حكوم يكتب : قراءة للغزو الروسي ضد أوكرانيا
سفيان حكوم يكتب : قراءة للغزو الروسي ضد أوكرانيا
في عام 2014 ، وقع مايعرف بالثورة الاوكرانية أو مايعرف بثورة الكرامة ، بعد انتهاء سلسلة من الاحداث العنيفة ، بين المتظاهرين وشرطة مكافحة الشغب  ومسلحين مجهولين ، في قلب العاصمة الاوكرانية كييف ، أدى الى طرد رئيس اوكرانيا السابق فيكتور يانيكوفيتش ، وأسقط النظام الذي جعل من اوكرانيا بلدة تابعة لروسيا الاتحادية تحت حكمها المطلق ، كان سبب هذه الثورة نتيجة حملة اعلامية غربية كبيرة ، بقيادة الامريكيين ، وجهت للاوكرانيين تحت بند الحرية واستعادة الكرامة والانتفاض من التبعية الروسية ، فلقد علم الروس ان امريكا والاتحاد الاوروبي ، كان المسؤول الاول عن خلع اليد التابعة لها في كييف ، واسقاط النفوذ الروسي هناك ، اعتبرت روسيا بذلك ان الاطاحة بنيكوفيتش ، عبارة عن انقلاب غير شرعي ، ولم تعترف بالحكومة المؤقتة التي اتخذها لكلاديو جيش النيتو السري هناك ، والعصبة المجهولة التي اسقطت النظام ، فقامت مظاهرات حاشدة موالية لروسيا ، وضد الثورة تحت الغطاء الامريكي في المناطق الشرقية والجنوبية من البلاد ، وانتهت بآستحواذ روسيا وبالكامل على شبه جزيرة القرم عام 2014 ، وتأسيس دولة مستقلة في الدونيكسيت ولوهانسيت ، الا ان اوكرانيا سقطت في يد الغربيين ومن خلفهم أمريكا ، واصبح بتروشينكو رئيسا لاوكرانيا بفوز ساحق في الانتخابات ، التي اقيمت فورا في 2014 ، واعادت الحكومة الجديدة تعديلات دستورية للدستور الاوكراني الجديد ، وهكذا وضعت امريكا الخناق على روسيا ، وحققت من خلال هذه الثورة ثلاثة أمور : 
1 - عزل اوكرانيا عن النفوذ الروسي 
2 - تحويلها لدولة اوروبية تابعة لها 
3 - تحريض الروس لاقتحامها عسكريا والحصول على الشرعية الدولية لفرض العقوبات مما يضعفها اقتصاديا ولوجيستيا ، وسيلحق الضرر بها عسكريا 
الا ان الروس ، كانوا على علم بخطورة هذه الخطوة على اوكرانيا ، وبالاخص ان تركيا انذاك كانت تقفل البحر الاسود في وجه الروس بأمر من امريكا ، مما عزل الروس سنين طويلة خلف هذه المياه ، وفي ذلك الوقت من عام 2014 ، كان اليساريون هم من يحكمون امريكا كما اليوم ، بقيادة الحزب الديمقراطي ، ولوحظ علنا اعطائهم الضوء الاخضر للروس لدخول شبه جزيرة القرم ، وعلى نفس السياق عزف الاعلام خطاب العقوبات والرد الحاسم ، وماهي الا اشهر وفتحت منافذ العبور لشبه جزيرة القرم ، التي باتت الحل الوحيد للروس من اجل حفاظهم على الامن القومي للبلاد ، بالرغم من علمهم المسبق ، ان احتلالها سيخدم القوة الغربية الامريكية ، وسبعطيها الاعذار لفرض العقوبات ، ولكن مصلحة الروس فيها كانت كبيرة ، ولامفر من هذه المصيدة الامريكية المحكمة ، ولكن امريكا لم تدرك حينها ان الصين ، كانت تجهز لحليف قوي لقيادة العالم ، وان هذا الحليف سيكون روسيا .
في عام 2016 ، اي بعد عامين من تلك الاحداث ، باتت تحركات حزب التنمية والعدالة ، تخرج عن نطاق معاهدة لوزان 1923 ، وكشفت معلومات مؤكدة ان تركيا تجري اتفاقات اقليمية مع الروس ، وذلك على الصعيد العسكري والاقتصادي ، فقررت الدولة العميقة التركية الموالية للحزب اليساري العالمي ، وبأمر مناشر من الدولة العميقة الحاكمة ، بتجهيز انقلاب عسكري ضخم ضد الرئيس التركي رجب اردوغان ، الا انه باء بالفشل ، وولد شرارة مباشرة للتحرك التركي نحو الروس والصين ، في معسكر الحلف الشرقي المضاد للحلف الغربي الامريكي ، الا ان الروس كان شرطهم الاول والاساسي ، هو فتح البحر الاسود بالكامل ، ولكن الامور لن تجري هكذا بشكل افلام هوليوود ، فالدولة التركية الى اليوم تخضع تحت مضلة حلف النيتو ، بقيادة امريكا ، الا ان العم سام يعلم جيدا كيف يدير الامور ، فقام بقرار سري مفاجئ ، باعطاء الضوء الاخضر للاتراك بفتح البحر الاسود امام الروس ، وفي نفس الوقت قام بحشد قوة عسكرية ضخمة في اليونان ، استعدادا لاي خروج تركي من المظلة الغربية الامريكية ، نحو المظلة الشرقية الصينية الروسية ، والهدف الخفي من هذا القرار هو جر الروس نحو الحرب الاقليمية .
ولنبسط الامور ، تلعب امريكا دوما دور المراقب عن بعد ، ولا تتدخل الا في اللحظات الاخيرة ، اي عند جمع الغنائم ، ففي الحرب العالمية الاولى دخلت قبل اشهر فقط من نهاية الحرب ، وفي الحرب الثانية قامت بدور الداعم الخلفي للروس والاوروبيين ، وفي كلتا الحالتين ، كانت هي الفائزة الاكبر ، فبعد الحرب العالمية الثانية خرجت ابريطانيا منهكة منها ، وتسلمت امريكا قيادة العالم بعدما تخلصت من جميع ديونها باسم الحرب ، ونمى اقتصادها بقوة جنونية ، من الاتفاقيات المبرمة مابعد الحرب ، وخصوصا البترودولار ، اي ان امريكا تهدف لاقامة الحروب ولكن من المقاعد الخلفية ، ولهذا تهدف الى جر روسيا نحو حرب اقليمية .
بعد هذه الاحداث ، وفي مطلع عام 2018 ، ظلت روسيا بدون اي تحرك لاستعادة اوكرانيا ، بالرغم من فتح الطريق لها ، لانها كانت واعية للمصيدة الامريكية ، وفي نفس الوقت اعلن رسميا ان الحلف الصيني الروسي ، وعلى كافة الاصعدة ، بمعنى ان اللعبة صارت تدار على ملعب الاوروبيين ، فقامت امريكا فورا بمحاصرة الصين ، عبر اليابان وكوريا الجنوبية ، والدول الاسيوية ، وفي الوقت نفسه نشرت قوات النيتو ، بالقرب من الاتحاد الروسي ، وفي خطوة غير مسبوقة انسحبت امريكا بالكامل من افغانستان ، بعدما اذاقتها حركة طالبان ويلات الحرب على مدار عشرين عاما ، بدون خضوع ولا انكسار ، الا ان الامريكيين لايدعون اي شي بدون استغلال ، بل يستغلون حتى انهزامهم ، فبعد االانسحاب من افغانستان قاموا بتسليح طالبان بشكل غير مباشر ، عبر وسطاء اقليميين ، من اجل بناء جدار متين في وجه الروس ، اي بنفس الاسلوب القديم الذي اتبعته ضد الاتحاد السوفياتي ، عندما فتحت الطريق امام من كانت تسميهم بالمجاهدين انذاك ، لعبور ارض الافغان ، والروس يعلمون جيدا ان دخولهم عبر افغانستان ، هو طريق للجحيم ، فهذه ارض كسرت اعظم دولتين في العالم ، فاظهرت طالبان عدم فهمها للعبة الامريكيين ، واستغلوا السلاح بايديهم لحماية البلاد ، وعدم انخراط في حرب تخدم الامريكيين كما كان ، فالخطة الامريكية باتت مكشوفة الان ، وبدأت القوة الروسية الصينية تكبر وبشكل عميق في العالم ، الامر الذي قد يطيح بالقوة الغربية الامريكية والى الابد ، فلجأ الامريكيون الى اتباع سياسة جديدة ، وماكرة جدا ، لجر الروس نحو حرب في مستنقع جديد ، وذلك بطريقة الاستفزاز عن طريق نشر قواد حلف الشمال الاطلسي النيتو ، على الحدود الروسية في تهديد علني للأمن الروسي في مطلع 2022 ، وفي الوقت نفسه ضغطت على اوكرانيا للدخول تحت مظلة النيتو بحجة حمايتها من الروس ، وهو ماسيجبر الروس على التحرك الفوري ، لمواجهة هذا الأمر الخطير الذي يهدد الامن القومي لها بشكل صريح ، وهنا لم يبق امام الروس سوى ضم اوكرانيا للاتحاد الروسي ، وبهذا تربح امريكا عدة نقاط مهمة  متتالية  : 
1 - جر الروس نحو الحرب 
2 - جعلهم تهديدا عسكريا على رقاب الدول الاوروبية ، التي باتت تخرج عن سيطرة الامريكيين 
3 - جعل الدول الاوروبية تحت تهديد يدفعهم التوجه نحو امريكا 
4 - قيام امريكا بمحاولة اغراق دول اوروبية في حرب طويلة ، ضد الروس ومن ورائهم الصين ، وذلك من خلال الدعم المادي بالاسلحة والمعدات ، ولعبة الحرب بالوكالة 
5 - توليد حرب عالمية ثالثة ، تكون امريكا طرفا غير مباشر فيها ، بينما يصطدم الاوروبيون مع العرب في حرب ضد الصين وروسيا ، تكون فيها بلاد العم سام هي الرابحة الاكبر ، عن طريق اضعاف وانهاك كافة القوى ، لتبقى سيدة العالم مرة جديدة على العالم 
الا ان حكام العرب عند هذا المنعطف ، سيلجئون الى المظلة الشرقية تحت قوة الصين وروسيا ، لذلك ستلجأ امريكا الى عزلهم مسبقا ، وتسليم الدول للاسلاميين ، فهي تعلم جيدا ، ان عقيدة الجهاد الاسلامية هي الوحيدة القادرة على ايقاف الصين والروس ، وأرض الافغان خير شاهد وبرهان .
الا انني اعتقد ، هذه الخطوة ستكون الشرارة الكبرى لقيام القوة الاسلامية من جديد ، واما بالنسبة لاوروبا فهي لاتثق البتة في امريكا ، وايضا لاتستطيع الخروج عن ارادتها ، فلقد طالبت مرارا صناعة الاسلحة المتطورة ، الا ان الامريكيين رفضوا هذا الطلب خوفا من استقلال الاتحاد الاوروبي وانهيار الحلف الامريكي ، وأما النقطة :
6 - والاخيرة : فهي لعبة الاقتصاد ، فلقد ساهمت هذه الازمة التي افتعلتها امريكا ، في رفع اسعار الغاز والقمح والعديد من السلع الرئيسية ، التي ستحقق منها قريبا مليارات الدولارات .
ومما اتضح ، فان امريكا هي من تريد ادخال روسيا في هذه الحرب ، وكبش الفداء هنا هو اوكرانيا التي اصبحت ضحية لهذا الخلاف ، او بالاحرى لهذه اللعبة .