سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 22 ديسمبر 1956.. القوات الفرنسية والإنجليزية ترحل عن بورسعيد وعبدالناصر يقرر إنشاء وزارة لإعادة إعمار المدينة

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 22 ديسمبر 1956.. القوات الفرنسية والإنجليزية ترحل عن بورسعيد وعبدالناصر يقرر إنشاء وزارة لإعادة إعمار المدينة
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 22 ديسمبر 1956.. القوات الفرنسية والإنجليزية ترحل عن بورسعيد وعبدالناصر يقرر إنشاء وزارة لإعادة إعمار المدينة

كانت الساعة العاشرة والنصف صباح يوم 22 ديسمبر، مثل هذا اليوم، عام 1956 حين قامت القوات الفرنسية بتسليم مدينة بورفؤاد لقوات الطوارئ الدولية، فى نفس الوقت حددت القوات الإنجليزية حظر التجول فى الشريط الضيق الموجودين فيه بالشمال الشرقى للمدينة بشارع 23 يوليو من تمثال ديلسيبس حتى شارع الملكة فريدة، وذلك لمدة 24 ساعة حتى يتمكنوا من الانسحاب، حسبما يذكر «ضياء الدين حسن القاضى» فى كتابه «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد – 1956»، مضيفا، أن إحدى القطع البحرية كانت فى انتظار القوات الإنجليزية المنسحبة التى تفتح مؤخراتها لدخول القوات المنسحبة بداخلها، وكان فى حماية آخر تلك القوات المنسحبة ثلاث بوارج حربية أمام شاطئ البحر المتوسط.. كذا 300 جندى من جنود القناصة فوق أسطح المنازل المطلة على المنطقة الخاصة بالانسحاب خوفا من بطش الفدائيين، كما انتشرت القوات الدولية وراء الأسلاك الشائكة.

 

 كان الحدث تتويجا لنضال الشعب المصرى وصمود مدينة بورسعيد البطولى أمام العدوان الثلاثى «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل» والذى بدأ غاراته يوم 29 أكتوبر 1956، بسبب قرار جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس يوم 26 يوليو 1956.. عبر عبدالناصر عن ذلك فى كلمته يوم 22 ديسمبر، قائلا: «إن تاريخ النضال الوطنى المصرى القومى العربى، سوف يعتبر حرب السويس فاصلا حقيقيا بين ماقبلها ومابعدها، إن ثورة الحرية الحقيقية فى مصر كانت بالذات المائة وخمسين يوما ما بين 26 يوليو و22 ديسمبر 1956، بين تأميم شركة قناة السويس، وانسحاب الدول التى قامت بالعدوان».. فى نفس اليوم أصدر عبدالناصر قراره بإنشاء وزارة لشؤون بورسعيد لإعادة إعمار المدينة، وتم إسنادها إلى عبداللطيف البغدادى عضو مجلس قيادة ثورة يوليو 1952.

 

كانت شراسة المقاومة الفدائية والشعبية محط أنظار العالم أجمع، وحسب «أرسكين تشيلدرز» فى كتاب «الطريق إلى السويس»: «وأعدت العدة فى بورسعيد لحرب من أعنف حروب الفدائيين وأكثرها دماء ليخوض الشعب المصرى غمارها ضد الغزاة، ولم يكن ثمة هلع أو ذعر، وأثبتت فرق المكافحة كفايتها وحسن تدريبها، وهرع الشبان والشيوخ الذين يمثلون مختلف نواحى الحياة المصرية إلى مراكز التطوع فى الميادين العامة ليتسلموا بنادقهم ويتدربوا عليها». 

 

كان الشاب مصطفى عبدالوهاب واحدا من هؤلاء الشباب الذين هرعوا إلى التطوع لمقاومة العدوان، وتوج عمله فى هذا اليوم «22 ديسمبر» بأن حمل الإشارة عبر جهاز لاسلكى صغير بحوزته إلى قيادة المقاومة السرية فى بورسعيد: «خرج آخر جندى من الأعداء عن أرض بورسعيد».. كان البلاغ فى الساعة السابعة وخمسين دقيقة مساء، وأبلغته قيادة المقاومة إلى القيادة فى القاهرة فورا قبل نشرة أخبار الساعة الثامنة مساء،وتم إذاعته فى نشرات الأخبار فى اليوم التالى 23 ديسمبر 1956، حسبما يذكر الدكتور يحيى الشاعر لضياء القاضى فى كتاب «الأطلس التاريخى لبطولات بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى 1956».. كان »عبد الوهاب» حسب وصف »الشاعر»: «وطنى كبير جدا، خريج مدرسة بورسعيد الثانوية، ووالده كان يعمل قبطانا بشركة قناة السويس ووالدته إيطالية، وملامحه أجنبية بعيونه الزرقاء وشعره الأصفر، وبعد ضغط المقاومة على القوات المعتدية، وبعد العمليات الفدائية الكبيرة سواء الجماعية والفردية بدأ الإنجليز فى الانسحاب من المدينة تجاه الميناء فى شريط ضيق محاط بالأسلاك الشائكة، وكان الانتقال من وإلى هذا المكان يتم بواسطة أختام تختم على المعصم».. يضيف الشاعر: «صدرت الأوامر من القاهرة إلى قيادة المقاومة فى بورسعيد برصد تحركات قوات الأعداء..هل هى جادة فيما قيل عن عزمها عن الجلاء عن المدينة أم لا؟.. كم عدد القوات التى غادرت ميناء بورسعيد بالفعل؟.. كم عدد القوات التى مازالت قابعة على أرض المدينة داخل هذا الشريط الضيق؟

 

طلبت القيادة فى القاهرة من قيادة المقاومة فى بورسعيد إجابات عن كل هذه الأسئلة المهمة، كان «مصطفى عبدالوهاب» هو من تحمل هذه المهمة استمرارا لما قام به منذ أول ديسمبر 1956، بعد أن تم تدريبه على جهاز لاسلكى لإرسال إشارات عبره إلى قيادة المقاومة.

 

كان يسكن فى منزل «روزا عون» فى شارع 23 يوليو، وكانت نقطة المراقبة التى يزاول منها مهمته تقع أعلى المنازل بالقرب من القنصلية الأمريكية المطلة على الميناء، حسب تأكيد «الشاعر» مضيفا: «كانت بلاغاته فى غاية من الأهمية لأنها كانت ترصد جميع التحركات البريطانية بالدقيقة والساعة حتى خروج آخر جندى بريطانى، وكانت بلاغاته تبلغ فورا للقيادة بالقاهرة للثقة فيه».

بعد خروج قوات العدوان الثلاثى من بورسعيد، أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراره بإلحاق مجموعة الشباب التى قادت العمل الفدائى السرى فى بورسعيد بكليتى الحربية والبحرية ومنهم، محمد حمد الله، يحيى الشاعر، السيد الكومى، مصطفى عبدالوهاب، محمود عبدالغفور..وهاجر مصطفى عبدالوهاب ويحيى الشاعر ومحمود عبدالغفور إلى ألمانيا، ثم غادرها «عبدالوهاب» إلى أمريكا، وعاش فيها مهندسا ناجحا كبيرا.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع