العالم محمد صبح الحاصل على جائزة النيل لـ«اليوم السابع»: التمويل أكبر عقبة تواجه البحث العلمى.. عندما منحنا الشباب فرصة نافسوا أعضاء هيئات التدريس بجامعات عالمية.. وأبويا كان بيخصم من قوت يومه عشان يعلم 9 أبناء

- «الدولة التشجيعية» جائزتى المُفضلة و«قولت لأبويا وقتها لو مجيتش حفل التكريم أنا مش رايح»

- كنت بهرب من المدرسة وأنا فى ثانوى علشان أدخل سينما ودلوقتى هتبقى قاعد فى وسط هدومك لو دخلت مع زوجتك أو بنتك

سنوات عديدة قضاها العالم والدكتور محمد عبد القادر صبح، أستاذ الكلى والمسالك البولية بكلية الطب جامعة المنصورة، فى البحث العلمى والتعلم وبناء أجيال جديدة قادرة على البحث من أجل خدمة البشرية والمجتمع.

 

يؤمن الدكتور محمد صبح بأهمية البحث العلمى، كما أنه شديد الحرص على التواصل مع الأجيال الجديدة من الأطباء وطلبة كليات الطب من أجل نقل خبراته العلمية والعملية لهم لخلق جيل جديد يؤمن بالعمل الجماعى وروح الفريق.

 

يعشق هذا الرجل العمل بعيدا عن الأضواء وصخب الصحافة والإعلام، حصل على العديد من الجوائز العلمية رفيعة المستوى، التى كان آخرها جائزة النيل فى العلوم التكنولوجية المتقدمة، فرع العلوم الطبية، حيث كرمه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عيد العلم، بعد نشره أكثر من 200 بحث فى مجلات علمية.

 

وبهذه المناسبة كانت «اليوم السابع» حريصة على إجراء حوار صحفى شامل مع الدكتور محمد صبح، حول أبحاثه عن أمراض الكلى، وعن بدايات حياته، وتفاصيل أخرى..

وإلى نص الحوار:

 


العالم محمد صبح (2)

 

 

ما هو الفارق بين النيل والجوائز الأخرى التى حصلت عليها؟

مصر تمنح الجوائز لعلماء الطب والأسنان والصيدلة والعلوم والزراعة والهندسة، غير الجوائر الإنسانية فى الآداب والثقافة وغيرها، وأنا الحمد لله حصدت جوائز كثيرة بدأت بجائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الطبية، يليها جائزة التفوق فى العلوم الطبية، وكلما ارتفعت قيمة الجائزة العلمية تضيق الحلقة والتنافس يكون أشرس، وبعد ذلك هناك جائزة الدولة التقديرية، وأم الجوائز وأكبرها هى جائزة النيل، وأنا حصلت عليها فى العلوم التكنولوجية المُتقدمة فرع العلوم الطبية.

 

وعلى الرغم من حصولى على جوائز عدة، فإن تلك الجائزة لها مذاق خاص، وتأتى تكليلا لكفاح وجهد السنوات السابقة منذ عام 1981 حينما بدأت عملى كمدرس أمراض باطنة بجامعة المنصورة.

وبالطبع هو أمر جيد، أن تخصص الدولة جوائز تشجيعية وتقديرية للعلم والعلماء، لأن الأمم تُبنى بالعلم وليس بأى شىء آخر، بالتأكيد الثقافة والفن والأدب والرياضة أمور جميلة، لكن العلم هو الأساس فى بناء الأمم وهناك أمثلة كثيرة مثل العلم فى اليابان والبرازيل، وبالتالى فإن اهتمام الدولة بمنح الجوائز للعلماء المتفوقين فى مجالاتهم هو عملة ذات وجهين، الوجه الأول هو أن مكافأة من اجتهد، لأن اجتهاده عاد على نفسه ووطنه، فتقييم الجامعات مثلا يكون بعدد الأبحاث العلمية المنشورة فى المجلات العلمية من هذه الجامعة، أما الوجه الآخر، فإن تسليط الضوء الإعلامى على تسليم الجوائز هو رسالة للشباب والناشئين بتقديم قدوة للمجتمع، وألا تكون القدوة دائما «فتوات على الشاشة»، لأن الأمم تُبنى بالعلم، وكثير من الشباب يرى ذلك ويبدأ يندمج ويجتهد فى العلم، وهذه قيمة الجائزة فى تصورى.

 

ما هى الجائزة المُفضلة لديك من بين الجوائز التى حصلت عليها؟

أفضلها بالنسبة لى هى جائزة الدولة التشجيعية.

 

لماذا؟

أنا شخصيا مش من هواة الإبهار و«الشو» و«المنظرة» ولا أسعى وراءها، وهذه هى اللحظة التى قد يتمكن الشيطان والغرور من الإنسان فيها، ويشعر بأنه متفرد، وأنا بدايتى أقل من أى واحد فيكم، بداية بسيطة وأب بيكافح وبيخصم من قوت يومه عشان يعلم أولاده وهم 9، والدى كان نموذجا يشهد عليه الجميع فى الأخلاق الحسنة والأمانة المُطلقة وحب العلم والتعلم، رغم أنه حُرم من فرصة التعلم وهو صغير لأنه يتيم أب وأم منذ سن الرابعة، وعند حصولى على جائزة الدولة التشجيعية كنا 3 من جامعة المنصورة وتم تنظيم احتفالية كبرى من جانب محافظ الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة، «وأبويا رفض يحضر معايا، وأنا قولت له لو مجيتش أنا مش رايح، وسعادتى بالجائزة إنى هفرحك بيها، وانت عندى بما فيك من كفاح وإصرار وأمانة وإخلاص وحب علم أقيم من المحافظ ورئيس الجامعة»، ولذلك كانت جائزة الدولة التشجيعية هى المُفضلة لدى.

 

ما هى رسالتك للشباب؟

أنا طول عمرى متربى على الجد والأمانة والإخلاص فى العمل،  وبقول للشباب خدونى قدوة  لكم، أنا بدأت بداية بسيطة جدا، ومنذ أن كنت نائبا صغيرا كنت أجمع أطباء الامتياز الصغار بعد انتهاء العمل فى «ساعة عصارى» فى قسم 3 باطنة، وكنت أعقد جلسات تعليمية لهم وأشرح كيفية التعامل مع الحالات، واليوم أنا أستاذ وهناك يوم فى الأسبوع أمر مع أطباء التدريب لمدة ساعتين وأنقل إليهم كل ما أمتلك من علم وخبرات، وأعتقد أن هذا سبب من أسباب حصولى على هذه الجوائز، وأقول للشباب: «اخلص فى عملك وإدى، ومتنتظرش إن اللى تديه يقعد يمجد فيك أو يشكرك، والإخلاص فى العمل بيجيب البركة».

 

لماذا حصلت على جائزة النيل من الطبقة الأولى فى مجال العلوم التكنولوجية؟

الجوائز من التشجيعية حتى التفوق العلمى تكون على أساس عدد الأبحاث العلمية التى تم إنجازها ووزنها العلمى، وهذا يُقاس بمقياس علمى يُسمى «H – Index» ويتم حسابه على أساس الأبحاث المنشورة فى المجلات العلمية وكل مجلة لها «Impact factor» وهو معدل معامل تأثير هذه المجلة على المعرفة، بالإضافة إلى الـ«Citation_index»، وهو مؤشر الاقتباس الذى يوضح كم مرة استعان العلماء بأبحاث هذا العالم وكان مرجعا، وبناءً على هذه المعايير يتم تقييم العلماء والباحثين فى شكل أرقام، وأنا حصلت على أكثر من 2500 درجة فى مؤشر الاقتباس، ما يعنى أن هناك أكثر من 2500 باحث استعانوا بأبحاثى.

 

وبالتالى جائزة الدولة التشجيعية وجائزة التفوق تتوقف فقط على نشر العلم، لكن التقديرية تتوقف على كيفية خدمتك للمجتمع، وفى جائزة النيل، كل المتنافسين يكونوا حاصلين على التقديرية، وإجابة على سؤالك، فأنا حصلت على جائزة النيل بعد نشر أكثر من 200 بحث فى مجلات علمية، ما منحنى مؤشرات مرتفعة.

 

ما هى أكثر الإنجازات والأبحاث التى تعتز بها؟

بالنسبة للأبحاث فقد قدت مبادرة لاعتماد درجة علمية لم تكن موجودة فى مصر وهى درجة الدكتوراة فى أمراض الكلى، وقعدت أحارب وأكافح 15 سنة، وكانت الفكرة تلقى رفضا وهجوما من البعض لأسباب عدة، أحدها أن البعض يجد قيمته فى جهل الآخرين، وعبرنا كل المعوقات بعد ثورة يناير الأمور اتلخبطت شوية والمتاريس اتكسرت، وهذه إحدى الإنجازات، وتم إدخال درجة علمية جديدة وتُسجل فى جامعات المنصورة والقاهرة وعين شمس وأسيوط.

 

ثانى إنجاز أعتز به تأسيس مركز البحوث الطبية التجريبية وهو مركز بحثى بكلية الطب جامعة المنصورة، بدأ بفكرة ولم يكن هناك مكان لتدشين هذا المركز والأقسام غير متعاونة، والأبحاث كانت تتم تحت السلم «ورا الباب»، واستخدمنا مشرحة قديمة فى كلية الطلب الجدع كان يدخلها الساعة 12 الظهر، وكان مكانا مُهملا، وبالتعاون مع الشباب والزملاء أصبح مفخرة جامعة المنصورة، وعندما تأتى لجان لتقييم كلية الطب بجامعة المنصورة يكون هذا المركز هو أحد أهم نقاط التميز فى تقريرهم، ويجرى فيه أبحاث تجريبية على الحيوانات وأبحاث الخلايا الجزعية والشلل الرعاش والفشل الكلوى وكثير من الأبحاث، وتم فيه أبحاث ممولة من الداخل والخارج وأبحاث حرة، هذا المركز أنجز أبحاثا منشورة فى مجلات عالمية، ومفيش مكان فى مصر نشر هذا العدد من رسائل الماجستير والدكتوراة فى مجلات علمية.

 

كما أنجزنا أيضا مركز جامعة المنصورة للطب التجددى، وهو عبارة عن حقن الخلايا الميتة بخلايا جذعية، وهو علم موجود ويتم إجراؤه على الحيوانات الآن، وتم تأسيس جمعية أصدقاء مرضى زرع الكلى، وهذه الجمعية تساعد نحو 1000 مريض شهريا. 

 

ماذا حقق مركز البحوث الطبية التجريبية من إنجازات؟

لدينا قناعة بأن وجود علماء يحتاج إلى تغيير طريقة تفكير الباحث وأن يكون ناقدا، ونحن نربى الطالب على استغلال ذكائه وتم تشكيل 35 فريقا بحثيا من طلاب كليات الطب والصيدلة ومنهم من الثانوية العامة وتم إعداد بروتوكولات بحثية، وتمكنوا من نشر أبحاثهم فى مؤتمرات عالمية، وفى أحد الأوقات كان معى 3 فرق بحثية من طلاب كلية الطب وشاركنا فى مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض الكلى، وكان نصيب مصر فى هذا المؤتمر 10 أبحاث منها 6 من هؤلاء الطلاب والشباب، وفى آخر المؤتمر الشباب التقطوا صورة تذكارية وأحدهم كان يلتف بعلم مصر، والدرس المستفاد هنا لمن يقول إن الشباب المصرى بايظ ومتسرع، إحنا اللى عملنا فيه كده ووجهناه وقدمنا له قدوة كده، عندما منحنا الشباب فرصة وإمكانيات محدودة أعدوا أبحاثا علمية نافسوا بها أعضاء هيئات التدريس بجامعات أوروبا وأمريكا.

 

ما هى قصة الغسيل البريتونى؟

أسسنا الجمعية الأهلية لدعم الغسيل البريتونى والأداء غير قوى لضيق اليد، والغسيل البريتونى هو بديل للغسيل الدموى للكلى، وهو يوفر معاناة وآلام غسيل الكلى الدموى للأطفال وكبار السن ومرضى القلب، الناس دى حياتها تُنقذ بالغسيل البريتونى، وفى مصر تكلفة الغسيل البريتونى تبلغ 3 أو 4 أضعاف تكلفة الغسيل الدموى، فى حين أن أكثر المناطق انتشارا للغسيل البريتونى، وهى دول أمريكا اللاتينية، تجده أقل تكلفة من الغسيل الدموى، ومن مميزاته أن المريض يغسل لنفسه دون الحاجة لمساعدة من أطباء أو تمريض.

 

ما هى أسباب عدم انتشاره فى مصر؟

بخلاف أن تكلفته أعلى من تكلفة الغسيل العادى بسبب الجمارك التى تُفرض على معداته، هناك بعض الأطباء لا يفضلونه لأنه غير مُربح بالنسبة لهم، فى الغسيل الدموى المريض يذهب للطبيب كل مرة لإجراء جلسة الغسيل الكلوى الدموى، لكن فى الغسيل البريتونى المريض يزور الطبيب كل 3 أو 4 أشهر، وخرج جيل لا يعلم شيئا عن الغسيل البريتونى والإنسان عدو ما يجهل.

 

ومارسنا ضغوطا من قبل على الحكومة  والبرلمان  وتم تخصيص جلسة لنا بلجنة الشئون الصحية بالمجلس برئاسة الدكتور حمدى السيد وقتها، بعد ضغوط من عضو مُعين، واصطحبت معى عدد من الزملاء وأساتذة بجامعة عين شمس وممثل «فاكسيرا» ومريض يغسل بريتونى، وطلبت من أعضاء اللجنة تحديد مريض الفشل الكلوى من وسط الحضور وكلهم أطباء، وفشلوا فى تحديد المريض، وطلبت من المريض أن يُجرى جلسة غسيل بريتونى بنفسه أمام النواب وحدث بالفعل، وطلبوا منى وقتها وضع خطة، وبالفعل وضعت خطة لإنشاء 5 مراكز غسيل بريتونى فى مصر، وفجأة صدرت تعليمات بوقف كل شىء، ومتقوليش ليه.

 

كيف ترى أحوال البحث العلمى فى مصر؟

اهتمام الدولة بالعلم شىء جميل جدا، لكن البحث العلمى يحتاج إلى أمرين، الأول هو توفير الموارد المالية اللازمة للعالم أو الباحث وتحقيق درجة إشباع تُمكنه من تلبية احتياجاته الأساسية، مفيش واحد جعان هيطالب بالديمقراطية مثلا، وكان أكبر تحدٍ أمامى للاستمرار فى مسيرتى البحثية هو المادة، فبدأت العمل فى عيادتى الخاصة لأتكسب منها، والباحث يجب أن يؤمن بحد أدنى من الكفاية.

 

الأمر الثانى هو الميزانية، فميزانية مركز البحوث الطبية بكلية الطب جامعة المنصورة «مفيش»، «دبر نفسك» والمركز قائم على التبرعات والأبحاث المُمولة، وميزانية البحث العلمى فى كلية الطب جامعة المنصورة هزيل جدا وممكن يدعو للضحك، والبحث العلمى محتاج ميزانية والناس وهى بتفكر فيه تبقى «رايقة شوية».

 

العالم محمد صبح (1)

أين تقع مصر على خريطة البحث العلمى؟

مصر دائما لديها إمكانيات بشرية هائلة والتاريخ يؤكد ذلك، والعقول والجغرافيا المصرية تؤهلها لأن تكون فى مكانة أفضل فى مجال البحث العلمى.

 

 هل تحب  السينما؟

أنا كنت بحب السينما أوى زمان، وكنت بهرب من المدرسة علشان أدخل السينما، ودلوقت لما بيكون فى لحظات روقان بحب أتفرج على ماتشات الكرة الأوروبية علشان أتبسط، أو أشوف أفلام عربى قديمة، ودلوقتى فى أفلام كويسة زى أفلام أحمد حلمى، وبعض الممثلين تدخل أفلامهم وانت مطمن مش هتبقى قاعد فى وسط هدومك لو معاك زوجتك أو بنتك.

 

وبالنسبة للأغانى فى ناس عكاكة وناس كويسة، وفى جيلنا أيام عبد الحليم حافظ، كنا منزعجين جدا من أحمد عدوية لما طلع، دلوقتى بنسمع أصوات عجيبة يبدو أنها لمدمنين.

 

هل تم ترشيحك من قبل لمناصب سياسية أو تنفيذية؟

أنا أبتعد عن لحظة الترشيح، كنت مدير مركز بحوث كلية الطب ولم أطلب ذلك، أنا سمعت إنى بقيت مدير من الناس، وتم ترشيحى لتولى منصب عميد كلية الطب جامعة المنصورة ورفضت.

 

لماذا رفضت؟

عميد الكلية دائما بيحل مشكلات بين الناس واللوائح تُقيده، والمنصب سيدفعنى إلى الاصطدام بالكثيرين، بالإضافة إلى أن العمل بالمكتب سيستغرق أوقاتا طويلة، وطريقة اختيار عمداء الكليات فى الأساس مش مظبوطة وتشبه طريقة اختيار كبار الموظفين الكلية.

 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع