أزمات عدة، وخلافات تصل لنقطة الصدام.. هذا ما آلت إليه الويات المتحدة الأمريكية فى السنوات القليلة الماضية، إلا أن التصعيد المتبادل بين الهيئات التشريعية والتنفيذة، ودعوات مثل عزل الرئيس التى لم يعتادها المواطن الأمريكى يقابلها ومن خلف الكواليس، موسسات تحمى، وكيانات تصون، لتتدخل متى كان ذلك لازماً لحماية الدولة وأهدافها، والمواطنين ومصالحهم وترسم دون أن يدرى كثيرون الخطوط الحمراء التى لا يمكن تجاوزها.. وفى القلب من تلك المؤسسات يأتى الجيش الأمريكى.
جنود وضباط أمريكيين
الدور الذى يلعبه الجيش الأمريكى فى إدارة الدولة كان محور تقرير لمعهد بروكينجز للدراسات أعده الباحث مايكل أوهانلون، حيث سلط الضوء على دور القيادة العسكرية الأمريكية فى تماسك أمريكا التى يسودها الانقسام على حد وصفه، مشيرا إلى أن قوة مؤسسات مثل القوات المسلحة هى أحد أكثر العوامل أهمية لتكاتف البلاد فى الوقت التى تمزقها فيه ملفات وأزمات آخرى.
وقال تقرير بروكينجز إن الجنرالات طالما لعبوا دوراً تاريخياً فى إدارة البلاد، ففى 31 يوليو الماضى تنحى الجنرال بول سيلفا من منصبه كنائب لرئيس هيئة الأركان المشتركة والرجل الثانى فى الجيش الأمريكى بعد 39 عاما قضاها فى القوات الجوية. وفى نهاية سبتمبر، سيتنحى الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة من منصبه ويتقاعد أيضا. ويجدر التوقف للحظة للتأمل فى خدمتهم وخدمة آخرين من رجال الجيش الأمريكى لأن قوة مؤسسات مثل القوات المسلحة هى واحدة من أقوى الأشياء التى تبقى على تماسك البلاد فى الوقت الذى تمزقها فيها أشياء أقل أهمية بكثير.
دانفورد أقصى اليسار خلال اجتماع ثلاثى بين نظيريه الروسى والتركى
وتابع التقرير أن هؤلاء القادة العسكريين قدموا مساهمات هائلة لكنها خلف الكواليس للدفاع عن البلاد، فقد تخصص سيلفا فى التكنولوجيا وحرب المستقبل. وخلال عهد أوباما وترامب، كان له دور فعال فى إعادة توجيه الجيش نحو منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا. بينما كان دانفورد يدا ثابتة فى البنتاجون وساعد رئيسين وعدد من وزراء الدفاع فى إدارة الأزمات حول مشكلات تتراوح ما بين كوريا الشمالية إلى القرم وسوريا وما ورائها.
وطالما حاول الحزب الديمقراطى التشكيك فى نزاهة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى انتهت بفوز دونالد ترامب، عبر الزعم بتعرض البلاد لقرصنة إلكترونية من عملاء روس، وهى المزاعم التى يحاول قادة الحزب وأعضائه فى الكونجرس الدفع من آن إلى آخر لمطالب سحب الثقة من ترامب.
ابتسامة ترامب و3 رؤساء سابقين لم تخفى خلافات الحزبين
وبخلاف القرصنة الروسية، تشهد الولايات المتحدة انقسامات سياسية آخرى، تساهم وسائل الإعلام الأمريكية فيها بشكل كبير بانتقادها شبه الدائم لقرارات ومواقف ترامب، ومن بين تلك الأزمات، ملف قوانين حيازة السلاح والتى يدفع الديمقراطيين إلى تعديلها أمام تزايد حوادث إطلاق النار التى تكلف الولايات المتحدة المئات من القتلى والمصابين سنوياً.
وقال مركز بروكينجز إن الولايات المتحدة لديها حوالى 40 من جنرالات الأربع نجوم، فى أى وقت، ويقوم البنتاجون بترقية وإحالة للتقاعد نحو 10 منهم كل عام فى القوات المسلحة الأمريكية. لكن على مدار العقد الماضى، فإن العديد من أبرز الضباط يمكن تقسيمهم فى ثلاث صفوف للتقاعد وهم الذين تنحوا عن الخدمة العسكرية فى نفس الوقت وساعدوا معا فى تشكيل استجابة واشنطن لتحدى رئيسى فى هذا الوقت.
مناوشات لفظية عدة سقط فيها أوباما وترامب خلال العامين الماضيين
المجموعة الأولى ويطلق عليها "أوهانلون" اسم جيل الزيادة، فى إشارة إلى زيادة القوات العسكرية فى العراق وهؤلاء تقاعدوا عامى 2010/2011، وأبرزهم الجنرال ديفيد بيتريوس والجنرال ستانلى ماكريستال والأدميرال مايك مولين، وكانوا من أبرز من تولوا زيادة القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان.
أما المجموعة الثانية فتلك التى تقاعدت فى عام 2015 ومنهم رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسى ونائب رئيس الأركان الادميرال ساندى وينفيلد والجنرال راى أوديرنو والأدميرال جوناثان جرينيرت.. ورغم خبرتهم العسكرية ودورهم فى العراق وأفغانستان إلا أنهم فى أيامهم الأخيرة فى العمل العسكرى ساعدوا وزارة الدفاع الأمريكية فى النجاة من أسوأ تداعيات قانون التحكم فى الميزانية الذى تم إقراره عام 2011.
الجنرال بول سيلفا
أما المجموعة الثالثة فهم الذين تقاعدوا فى 2018/2019 ويطلق عليهم منافسو القوى العظمى وهم الجنرالات دانفورد وسيلفا ومعهما عدد قليل من القادة البارين الذين تركوا القوات المسلحة مؤخرا مثل الجنرال لورى روبنسيون أول امرأة تتولى أرفع المناصب فى الجيش الأمريكى.
وخلص التقرير فى النهاية إلى القول إنه مع تقاعد اثنين من أبرز القادة العسكريين ، يجدر تذكر أن الديمقراطية الأمريكية نجت من الفترات كتلك التى تمر بها الآن، والتى كان يمكن أن تمزق المجتمع، بفضل قوة المؤسسات غير السياسية التى تؤدى مهمتها فى هدوء وثبات وبحرفية برغم الضوضاء المحيطة بهم.
وبخلاف تقرير بروكينجز تصدى الجيش الأمريكى لمواقف عدة، وتعامل معها بقدر عال من الحكمة، ففى العام الأول من ولايته الرئاسية، دعا ترامب إلى تنظيم عرض عسكرى لتكريم المحاربين القدماء، وهى العروض غير المألوفة فى الولايات المتحدة، وحينها تعامل قادة الجيش بترحيب مبدئى ثم تحركات عبر دوائر عدة آلت فى نهاية المطاف إلى عدول ترامب نفسه عن الفكرة لارتفاع التكلفة، والتى قدرت فى ذلك الحين بـ 92 مليون دولار أمريكى.
لورى روبنسيون من القيادات النسائية القليلة فى الجيش الأمريكى
وقبل شهرين، أجرى ترامب زيارة إلى اليابان، وحينها نشرت تقارير إعلامية أمريكية أنباء عن اعتراضه على مشاهدة السفينة العسكرية "يو اس اس جون ماكين"، والتى تحمل اسم المعارض الأبرز لسياسات الرئيس، السناتور الراحل جون ماكين والذى توفى قبل عام بعد صراع مع مرض السرطان.
وبدأت الأزمة حينها بعدما نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريراً قالت خلاله إن البيت الأبيض طالب بألا تكون السفينة الحربية متواجدة فى مسار رحلة الرئيس الأمريكى، وهو ما دفع البحرية الأمريكية لإصدار بيان قبل أن ينهى ترامب زيارته قالت خلاله إن اسم السفينة يو إس إس جون ماكين لم يتم حجبه خلال الزيارة وأن "البحرية تفتخر بهذه السفينة وطاقهما وما يحمل اسمها وتراثها".
وحمل بيان البحرية الأمريكية رسائل واضحة دفعت الرئيس الأمريكى إلى نفى الواقعة جملة وتفصيلاً عبر تويتر، وقال فى ذلك الحين : "لم يتم إبلاغى بأى شىء يتعلق بسفينة البحرية يو إس إس جون ماكين خلال زيارتى الأخيرة لليابان، ومع ذك فقد أحببت أنا والسيدة الأولى التواجد مع رجال ونساء جيشنا العظيم".
هذا الخبر منقول من اليوم السابع