متى يشارك رجال الأعمال فى بناء "مدارس الغلابة"؟.. فريضة المساهمة لا تسقطها المبادرات الفردية.. وملوك الصناعة المصرية فى حاجة للاستثمار المبكر فى المستقبل عبر بوابة "التعليم الفنى"

كان ذلك حين دق "جرس الفسحة" فى أول يوم دراسى داخل مدرسة الزهراء الابتدائية، التابعة لإدارة بلقاس بمحافظة الدقهلية.. على بعد أقل من 160 كيلومترًا من العاصمة، تدافع التلاميذ بطريقهم إلى الفناء المتهالك، فى فرحة لم تكتمل حين سقط زميلهم إبراهيم حسن عبد ربه، 9 سنوات من الدور الثالث ليلفظ أنفاسه الأخيرة متأثراً بنزيف فى المخ، لتطرح وفاة تساؤلات عدة تبحث عن المسئول عما آلت إليه أوضاع التعليم فى مصر، وعن فصول اكتظت ـ ولا تزال ـ بمن فيها، وعن معلم لا يجد ظروف ملائمة للعمل، وتلميذ لا يجد ما يؤمن له ليس فقط تعليم جيد، وإنما الحق فى الحياة.

مدارس (2)

وفاة "إبراهيم" لم تكن الأولى من نوعها، فحوادث التعليم المتفاوتة ما بين إصابات ووفيات لا تعرف سطراً للنهاية، غير أن البدايات دوماً واضحة لا ينكرها منصف.. فالملف الذى آثر كثيرون داخل دوائر صنع القرار فى دولة ما قبل 25 يناير، تركه لقوائم المقربين من الحرس الجديد فى الحزب الوطنى المنحل، ليتحول من خانة المسئولية الاجتماعية، إلى عالم البزنس والربح السريع تحت اسم المدارس الخاصة، انضم لسلسلة ممتدة من ملفات الفشل الذى تراكم ووصل إلى ذروته فى سنوات الانفلات الأمنى بعد ثورة 2011، ليغيب عن أجندة الأولويات فى عام الإخوان داخل السلطة، والذى آثرت فيه الجماعة الاهتمام بالتمكين من مفاصل الدولة ومؤسساتها، دون التفات لميراث مبارك الثقيل فى أزمة الكهرباء وشبكة النقل والمواصلات والبنية التحتية، وكذلك التعليم.

مدارس (1)

ومن سنوات الفوضى إلى سنوات المواجهة مع إرهاب الإخوان وأذرعها المسلحة، تسلمت دولة 30 يونيو زمام السلطة، فى ظرف استثنائى وتحديات ربما لم يشهده المصريين فى تاريخهم المعاصر على صعيد الداخل والخارج، لتختار الدولة الجديدة المصارحة عنواناً لكافة الملفات والأزمات، وتحقق على مدار 5 سنوات فقط انجازات مهولة فى قطاع الطاقة والبنية التحتية وشبكة النقل والمواصلات ومكافحة الإرهاب، ليطوى المصريين صفحة الخوف وانقطاع الكهرباء وتردى الخدمات فى قطاعات حكومية عدة، ويقفوا على مشارف التمتع بنظام طبى متطور تشرف عليه الحكومة عبر مبادرات واعدة من بينها مكافحة فيروس سى وغيرها من الأمراض.. إلا أن ملف التعليم لم يلحق ـ حتى كتابة هذه السطور ـ بقطار التنمية الذى انطلق على مدار السنوات الخمس الأخيرة.

 

الحكومة المصرية، وبحسابات الأرقام رفعت بدورها مخصصات التعليم فى الموازنة المالية لعام 2018/2019 ليجتاز 115 مليار جنيه، بزيادة قدرها 8.6 مليار جنيه عن العام المالى 2017/2018، وهو رقم لا يمكن تقييمه ـ سلباً أو إيجاباً ـ فى معزل عما تطبقه الدولة من برنامج إصلاح اقتصادى اختارته القيادة السياسية بعناية لمواكبة الاقتصاديات العالمية، وتقديم محفزات للاستثمار الأجنبى والدفع بمؤشرات التنمية وتوفير فرص عمل وغير ذلك، وهو ما بدأ بالفعل يؤتى ثماره.

مدارس (3)

وأمام محاولات الدولة التى لا تزال مكبلة بتحديات عدة للنهوض بالتعليم عبر تطوير المنظومة والمناهج من جهة، وتقديم تجربة المدارس اليابانية إلى النور من جهة أخرى، يظل الملف بحاجة إلى تدخل العديد من الأطراف الآخرى غير الحكومية، وفى مقدمتهم رجال الأعمال الوطنين وكبار رجال الصناعة داخل مصر، الذين قاموا بالفعل على الفترة الماضية بدور اجتماعى إيجابى عبر مبادرات شملت قطاعات عدة، وتبرعات معلنة وغير معلنة لمشاركة الحكومة فى رفع المعاناة عن المواطنين، إلا أن اسهاماتهم فى ملف التعليم وبناء "مدارس الغلابة"، ما تزال محدودة.

مدارس (4)

وتحقق مشاركة رجال الصناعة وكبار رجال الأعمال فى بناء المدارس والمساهمة فى تطوير منظومة التعليم، حال تنظيمها فائدة لا تقتصر حدودها على الحد من كثافة الفصول الدراسية، وتحسين مناخ التعليم داخل مصر فحسب، فالمساهمة فى التعليم الفنى على سبيل المثال، هى استثمار مضمون لكل رجل أعمال يبحث عن عمالة ماهرة ومدربة، قادرة على منافسة نظيرتها فى الدول الأخرى، وتحد بدورها من معدلات البطالة الحالية فى صفوف المعلمين، والبطالة المحتملة فى صفوف الخريجين، وتخلق بدورها مجتمع يمتلك الرغبة فى الإنتاج والقدرة على تحقيقها.

مدارس (5)

وأمام المبادرات الفردية ـ رغم إخلاصها ـ تحتاج الحكومة إعداد خريطة شاملة وبيانات دقيقة للمناطق الأكثر حاجة لمدارس جديدة فى كافة المحافظات من جهة، ويحتاج رجال الأعمال من جهة أخرى، إلى مبادرة جريئة تعلى من قدر المسئولية الاجتماعية والمساهمة فى بناء المدارس وفق تلك الخريطة للاستثمار فى المستقبل والاشتراك فى بناء مجتمع جديد يستطيع أبناءه مواكبة متطلبات سوق العمل، وبإمكان أفراده بناء دولة جديدة تليق باسم مصر، فإصلاح التعليم ليس مسئولية منفردة للحكومة، وليس صناعة يمكن أن نتركها لمستثمر أجنبى، وإنما عقول أبنائنا وهويتهم التى فى حاجة إلى أن نلتفت إليها جميعاً بوعى لا يشوبه جهل، وإقدام لا يقوضه تردد، قبل أن تصدمنا وفاة جديدة تسرق فرحة أول يوم دراسى، مع "جرس الفسحة".

 

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع